“الشكوى” صناعة سودانية خالصة

أمر عجيب بل هو غير مستوعب ، تجد أغلبهم يشكون ويتذمرون ،بل غير راضين عن واقعهم .. الموظف، التاجر ، العامل ، المغترب، المهاجر، الواقف في صفوف الهجرة والاغتراب، الزارع ، الصانع ، وكمان معاهم ” العاطل” ولربما له أعذاره ، نعم يشكون ويطيلون في الشكوى من بؤس الواقع ، ويخشون المستقبل، و هو في علم الغيب، وهذه الشكاوى تتزايد يوم تلو الاخر ،” الا من رحم ربي ” ، الذين يشكرون ، ويرددون أنهم في نعمة قلة قليلة .. ترى ماذا جرى لهؤلاء.. لماذا اصبحت الشكوى صناعة سودانية خالصة.
والاعجب ان أغلب الذي يشكون من واقعهم تجدهم ينعمون بصحة وعافية، بل ليس من بينهم من ينام جائعا.. المغترب ناغم من غربته ، وقد تجده في حالة عدم رضاء ” من ” كفيله” وهو يتطلع للحظة تنقله الى وطنه.. والماسك بجوازه طلبا للغربة، يحدثك قبل ان تكتمل اجراءات سفره بأنه بصدد ” خروج نهائي” من البلد “الملعون” ..التجار يشكون من جبايات الحكومة، الزراع يشكون من ضعف التمويل وشح المياه ، حتى ولو كانوا في مشروع الجزيرة “المروي”.. أي موظف يحدثك بطلاقة بأن الوظيفة طاردة، بل حتى الاطباء ضاق بهم الحال. وتتواصل حالات التذمر حتى تكاد تبلغ صغار السن.
رغم مر الشكوى نجد الواقع يقول ان نعم الله تعالى لا تحصى ولأتعد، بخلاف الصحة والعافية، فالمغترب لايزال يغدق العطاء، ويحل كثير من مشاكل اسرته الممتدة، والموظف لم يضرب عن اداء الواجبات الاجتماعية ، بل تجده يتصدر المجالس في الاتراح والافراح .. والعمال تجدهم في لحظة الفطور ، وهم يلتهمون “البوش” وتكاد ضحكاتهم تعانق عنان السماء، رغم انهم ايضا ورغم حلاوة الضحكات هذه يشكون ، لان الشكوى اصبحت صناعة سودانية خالصة، فان لم تك متبرما، فانت تخالف العقلية الجمعية .
القصة عندي ليست الحكومة ولا حتى المعارضة ، فهذه تصيب وتلك تخطي ، والنخب السودانية تشبهه بعض، فان ربطنا أفراحنا الجميلة بحكومة ، أو اجلناها لحين حضور المعارضة ، فإننا سنصيب الحزن ونودع الفرح.. الفرحة قصة لاتتعلق بنظام ، او مجموعة عمل ، بل هي قصة افراد ، فاذا نظر الانسان الى نعم الله التي لا تحصى ولاتعد ، فانه لن يحزن ، ويبقى كسب الدنيا يتفاوت بين عبد واخر.. صحيح أن الحكومة مسئولة عن توفير الخدمات الاجتماعية، والعمل من اجل ان يحيا الانسان حياة كريمة، ولكن اذا فشلت هذه الحكومة او غيرها هل نرابط عند مربع الاحزان ، التي تضعف المناعة الذاتية ، وتفسح المجال للأمراض؟ ..بل حتى ديار الاغتراب بها كثير من الاوجاع، ولكن علينا ان لا نتوقف عندها كثيرا حتى لا تفارقنا الابتسامة.. هذه دعوة لكي نقلب الدفاتر المفرحة، ونطوي تلك المحزنة، ونحلم بغد افضل ، ولنزيد من شكر الله على نعمه علينا.