دعوة لتقنين نظام ديمقراطي من حزبين فقط

دعوة لتقنين نظام ديمقراطي سوداني جديد ذو حزبين سياسيين اثنين فقط !
النظم السياسية الديمقراطية الناجحة في العالم دوما مايكون السبب الرئيسي لنجاحها هو ان نظامها السياسي و دستورها قد تم تفصيله خصيصا لتجنب المشاكل المتوقع حدوثها لتلك الدولة بالذات . فمثلا الولايات المتحدة الامريكية وهي دولة أسستها ثلاثة عشر ولاية من ولايات الساحل الشرقي لامريكا الشمالية في القرن الثامن عشر. عندما جلس الاباء المؤسسون لامريكا , من تلك الثلاثة عشر ولاية لكتابة دستور لجمهوريتهم الجديدة كانت تواجههم معضلة لم تواجه اي دولة من دول أووربا التي هاجر منها أولائك المؤسسون . كانت بعض الولايات صغيرة المساحة وقليلة جدا في عدد السكان مثل ولاية ديلور مقارنة بولايات كبيرة المساحة وعدد سكانها بالملايين مثل ولايتي نيويورك وفرجينيا . كانت الولايات الصغيرة متوجسة من أي دستورلنظام حكم ديمقراطي أساسه صوت واحد لكل شخص , اذ أن ذلك يعني هيمنة الولايات ذات عدد السكان الاكبر . ناقش واضعوا الدستور الامريكي هذا المخاوف المشروعة و وجدوا لها حلا ابداعيا يصلح لوضعهم المتفرد , اذ تم التوافق علي تكوين سلطة تشريعية (الكونجرس -البرلمان الامريكي) من مجلسين . أحدهما , وهو المجلس الاعلي ,يسمي مجلس الشيوخ Senate , وفيه يتم تمثيل كل ولاية بنائبين اثنين بغض النظر عن عدد سكان الولاية , و بذلك تم طمأنة مخاوف الولايات قليلة السكان. فولاية كالفورنيا وعدد سكانها حاليا 39 مليون يمثلها عضوين بمجلس الشيوخ وولاية وايومي التي يقطنها حوالي النصف مليون نسمة يمثلها ايضا عضوين بمجلس الشيوخ . المجلس الثاني يسمي مجلس النواب وهو مكون من دوائر جغرافية بموجب تعداد السكان. لايتم اجازة أي قانون أو تشريع فيدرالي دون موافقة مجلسي الشيوخ و النواب عليه .
لو قيض الله لنا بداية جديدة تأطر لجمهورية سودانية ثانية , بعد أكثر من نصف قرن من استقلال السودان , هنالك بعض المحاذير التي يجب أخذها في الحسبان لضمان التأسيس لحكم ديمقراطي رشيد مستدام – و لتجنب أسباب فشل التجارب الديمقراطية الثلاثة السابقة . كلنا يعلم بأن السبب المباشر لوأد الديمقراطية كان الانقلابات العسكرية ولكن هنالك سبب آخر مهم , الا وهو ضعف الاحزاب لدرجة عدم حصول حزب واحد علي أغلبية مريحة تتيح له الحكم منفردا (الاستثناء الوحيد كان حصول الحزب الوطني الاتحادي علي اغلبية مقاعد أول برلمان في عام 1954) . أضافة للانشقاقات المتتالية و غياب الديمقراطية داخل معظم الاحزاب .
لكي ينجح اي نظام ديمقراطي مستقبلي بالسودان , يجب علي دستور السودان, فرض حل لمتلازمة التشظي والانقسام التي ابتلي الله بها أحزابنا حلا حاسما و نهائيا والعمل علي صنع و نجر مناخ يؤدي لحصول حزب واحد علي أغلبية برلمانية تتيح له الحكم منفردا في كل دورة انتخابية. هذا أضافة لفرض ديمقراطية حزبية تتيح بناء الحزب من القاعدة للقمة و تقنن للتنافس العادل علي مناصب الحزب القيادية .
ماأقترحه في هذه الورقة هو المبادرة بالدعوة لتكوين رأي عام سوداني ضاغط يسعي للنظر بجدية في أمر اقتصار العمل السياسي , في أي دستور ديمقراطي قادم, علي حزبين سياسيين أثنين فقط وذلك لعدة سنوات
.(أقلها اربعين عاما ? وذلك حتي انقراض جيلنا الحالي الذي أدمن الفشل) بعد ذلك يمكن لجيل جديد معافي ,من هذا المرض, و نشأ في ظل نظام ديمقراطي, يمكنه أن يعيد النظر في هذا التقييد .
لو أفترضنا جدلا أن العمل بهذا المقترح قد تم تضمينه في دستور دائم للبلاد توافقت عليه الاغلبية , فدعونا نتخيل كيف سيكون المسرح السياسي حينها . سيتشكل كل حزب من الحزبين الأثنين من كتلة ضخمة من جميع أقاليم السودان و من مدارس فكرية مختلفة ولكنها متوحدة حول مبادئ عامة تحدد خط الحزب و تميزه عن الحزب الآخر .
نعم ستكون هناك صراعات داخل كل حزب وهذا التدافع هو سنة من سنن الله الا أنه سيكون هنالك اختلافا جوهريا في طريقة ادارة الاختلاف هنا عما كان عليه الحال سابقا . فالاقلية المشاترة داخل أي حزب من الحزبين لها خيارين لاثالث لهما . أما أن ترضخ لرأي الاغلبية آنيا (مع حق الاقلية في السعي لتكوين رأي عام داخل الحزب في المستقبل لتقبُل رؤيتهم المختلفة عن رؤية الاغلبية) . الخيار الثاني هو الخروج من الحزب , اعتزال العمل السياسي , أو الانضمام للحزب ألآخر .
الانتخابات الحزبية التمهيدية هي من الممارسات السياسية المتفردة التي ابتدعها الحزبين الرئيسيين بامريكا . أعني بذلك أن أي مرشح للحزب سواء أن كان لرئاسة الجمهورية , لدائرة برلمانية , حاكم ولاية , عمدة مدينة …الخ عليه في البدأ أن يخوض انتخابات حزبية داخلية تمهيدية و يفوز فيها علي منافسيه الآخرين من نفس الحزب وبعدها يصبح مرشح الحزب الوحيد لذلك المنصب . بمعني أن قيادة الحزب ليس لديها أي صلاحية (كما هو الحال في أوربا وكما كان الحال عندنا) في فرض مرشح محدد لاي منصب .
العمل بنظام الانتخابات الحزبية التمهيدية سيقضي علي أحد عيوب التجارب الديمقراطية السودانية السابقة , الا وهو عدم التزام البعض بمرشح الحزب الذي تختاره قيادة الحزب (اختيار فوقي) مما يؤدي أحيانا لتعدد مرشحي الحزب الواحد في نفس الدائرة الانتخابية (عاني الحزب الاتحادي الديمقراطي كثيرا من هذه الظاهرة). أذ أن مرشح الحزب بموجب الانتخابات الداخلية التمهيدية سيختاره أعضاء الحزب في تلك الدائرة ولن يكون لقيادة الحزب أي دور عدا الاشراف علي الانتخابات التمهيدية .
من الفوائد المصاحبة لمقترح تقنين العمل بنظام الحزبين هو أن العمل بهذا المقترح سيقضي بلاقصد علي وجود أي احزاب جهوية , عقائدية , أو طائفية . وهذا الثالثوث اللعين هو من أسباب فشل التجارب الديمقراطية السابقة . فكل حزب من الحزبين المصرح لهما بالعمل لاخيار لهما الا أن يكونا حزبين قوميين لهما وجود فاعل في كل ولايات السودان وأن يبتعدا عن أي جهوية أو فكر لايجد قبولا من معظم الجماهير .
ربما يصدم هذا المقال البعض بحسبانه سفسطة – كلام متناقض oxymoron فكيف يكون اي نظام ديمقراطيا ولايسمح بحرية العمل لأكثر من حزبين أثنين ؟
الأجابة المختصرة هي أن المعضلات الكبري تتطلب منا أن نفكر تفكيرا مغايرا للمألوف , تفكيرا خارج الصندوق كما يقول الفرنجة . ونحن هنا نواجه معضلة ضخمة , مرض عضال , ادمان مدمر أوشك علي أن يجعلنا نفقد وطنا جميلا بسبب عدم مقدرتنا علي أدارة خلافاتنا بطريقة حضارية . أي نظام سياسي جديد يقنن له دستور سوداني مستقبلي يتوافق عليه السودانيون, لكي ينجح , يجب عليه أخذ متلازمة هذا المرض اللعين في الحسبان . ومن ثم وضع الضوابط الوقائية التي تعالج هذا الادمان .
[email][email protected][/email]
اثني على كلامك …
واقترح الاتي :
حزب يسار علماني – وحزب اخر يمين اسلامي …
مافي حاجة اسمها وسط يا ناس الاتحاديين والامة وووو
انضمو مع ناس المؤتمر الوطني والشعبي والاصلاح والاحزاب الاسلامية وريحونا …
اما البقية حزب المؤتمر السوداني والحزب الشيوعي والبعثيين وبقية اليسار ينضمو تحت راية حزب اليسار العلماني …
النتيجة كالاتي :
حزب اليسار العلماني : المؤتمر السوداني والشيوعي والبعث وبقية احزاب اليسار
حزب اليمين الاسلامي : الامة والاتحادي والوطني والشعبي والاصلاح ووو احزاب التوالي
يا أخي خليهن خمسة أو حتى عشرة.
الأخ حسين شكراً على مقترح ممارسة الديمقراطية في السودان بدستور ينص على حزبين اثنين فقط! لكني فهمت وكأنك لا ترى ممارسة الديمقراطية إلا عن طريق الأحزاب السياسية. وهذا طبعاً مفهوم الديمقراطية حسب مفهوم الغرب ومنظريهم أمثال موريس دوفيرجيه و استرو غورسكي وخلافهما من المسلِّمين بزعم الفقيه الدستوري كلسن الذي يقول ((إن من الوهم أو النفاق القول بأن الديمقراطية يمكن أن توجد بدون الأحزاب ؛ وذلك أنه مما لا يحتاج إلى بيان أن الفرد وهو منفرد لا يكون له أي نفوذ حقيقي في تكوين الإرادة العامة؛ فالديمقراطية هي ولاشك دولة الأحزاب)).
غير أن الجديد في فكرتك أن يحدد في الدستور الديمقراطي عدد الأحزاب التي يسمح لها بالتنافس على الحكم بحزبين فقط، وهذا ما تنتهجه ولا دولة واحدة من دول الغرب التي اخترعت الديمقراطية نتيجة لصراعات تاريخية من الاستبداد والحروب والثورات. فحتى الدستور الأمريكي لم ينص على تحديد عدد الأحزاب بحزبين فقط، ولكنها الممارسة الفعلية المرتبطة بثقافة وتاريخ الغرب والتي يمكن اعتبارها خاصية بهذه الشعوب ولا يمكن استنساخها في الدول العربية والآسيوية مثلاً بل وحتى الدول الإفريقية التي كانت مستعمرات للغرب ومن ضمنها السودان بالطبع.
ولطالما أردت لنا التفكير خارج الصندوق فلماذا نلتزم نظريات الغرب في وسائل حكم أنفسنا ونحن مختلفين عنهم ثقافياً وتاريخياً؟ أقول لماذا لا تمنع دساتيرنا ممارسة السياسة والحكم عن طريق التحزب بل حظر السياسة من أصلها كحرفة واحتراف، والاقتصار على السياسة القانونية فقط وأعني بالسياسة القانونية تلك السياسات المضمنة في نصوص الدستور والقوانين واللوائح المتعلقة بالشئون المالية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والصحية إلخ وكافة المهام والموارد العامة والخدمة العامة المدنية والعسكرية والتي يوكل القانون مهمة تنفيذها وتطبيقها على الموظف العام تحت رقابة الجهات الرقابية (إدارية وقضائية) المحددة في القانون بالإضافة إلى رقابة كل مواطن يحق له بشرط النزاهة وحسن النية التبليغ والشكوى بشأن أي مخالفة من أي موظف أو هيئة عامة في تنفيذها لسياسة القانون فيما أوكل إليه أو إليها من مهام؟!
إن مثل هذا التنظيم القانوني يلغي تماماً فكرة شخصنة الحكم حيث لا يمثل الأشخاص من رئيس الدولة إلى رئيس الهيئة أو المؤسسة إلا مجرد رموز لا يستقلون بالأمر لا بشخوصهم ولا بدرجات هم ومراتبهم الوظيفية مثل رئيس الدائرة القضائية فإنه لا يصدر الحكم برأيه وحده وإنما بأغلبية أعضاء الدائرة.
وعليه فإن رئيس الدولة أو الوزراء هم مجرد موظفين عموميين يعينون وفق المؤهلات القانونية عن قبل الجهات المفوضة بالقانون على اختيارهم مع خضوعها هي ذاتها للرقابة من جهات الرقابة عليها وهي المواطن والجهات الرقابية الإدارية والقضائية.
وعليه فإن هذا النظام القانوني للحكم يخلصنا تماماً من تركة الأحزاب الطائفية والعقائدية الدينية والمذهبية السياسية، التي ما أفلحت يوماً في إقامة وتطبيق الديمقراطية حتى داخل كيانها وحيث أن هذا نظام لا يقر الأغلبية في أي تصرف لمجرد كونها أغلبية ولكن بموافقة رأيها أو عملها مع القانون تحت رقابة الجهات الرقابية المذكورة.
وهذا النظام الذي كنت اقترحه دائماً، ليس فيه أي مجال للسياسة والسياسيين، حيث ينقسم الشعب كله إلى قسمين فقط، إما موظفيين عموميين، مدنيين وعسكريين، أو مواطنين عاديين يعملون في قطاعاتهم الخاصة والفردية أو يتعلمون في المدارس والجامعات. فلا حاجة للسياسة، حيث كل السياسات مقننة وموجهة نحو التنمية ورفاهية الشعب ورفع سمعة السودان بين الأمم، وليس فيها مقاصد للأطماع الخارجية ولا مجال فيها لتكوين الامبراطوريات الخاصة بسرقة مال الدولة والشعب لا من خلال الوظيفة العمومية ولا من خلال السياسة الحزبية.
أخى حسين عبد الجليل مقالك أكثر من رائع ك brain storming على الاقل لذا اسمح لى أن اقتبس منك:-
كلنا يعلم بأن السبب المباشر لوأد الديمقراطية كان الانقلابات العسكرية
لدى تعليق بسيط, كل الانقلابات العسكرية فى السودان كانت بايعاز من الاحزاب أو على الاقل احتضنتها الاحزاب فيما بعد هذا باسثناء الانقلابات الفاشلة.
بدءا من انقلاب عبود ثم نميرى على اكتاف اليسار ثم الاخوان ثم الانتفاضة والديمقراطية الثالثة و عندما ساءت الامور كانت هناك ثلاثة انقلابات تتسابق داخل الجيش و فازت الجبهة التى كانت الاكثر تنظيما و استعدادا.
و ما تقوم به احزابنا احى ان تتبرأ منه و هو يشبه قول الرسول الكريم فلنعف نحن تعف نساءنا
و الله اعلم
أخى حسين عبد الجليل مقالك أكثر من رائع ك brain storming على الاقل لذا اسمح لى أن اقتبس منك:-
كلنا يعلم بأن السبب المباشر لوأد الديمقراطية كان الانقلابات العسكرية
لدى تعليق بسيط, كل الانقلابات العسكرية فى السودان كانت بايعاز من الاحزاب أو على الاقل احتضنتها الاحزاب فيما بعد هذا باسثناء الانقلابات الفاشلة.
بدءا من انقلاب عبود ثم نميرى على اكتاف اليسار ثم الاخوان ثم الانتفاضة والديمقراطية الثالثة و عندما ساءت الامور كانت هناك ثلاثة انقلابات تتسابق داخل الجيش و فازت الجبهة التى كانت الاكثر تنظيما و استعدادا.
و ما تقوم به احزابنا احى ان تتبرأ منه و هو يشبه قول الرسول الكريم فلنعف نحن تعف نساءنا
و الله اعلم