جرة نم 14

أود أولاً أن أتوجه بالشكر للأخ الأستاذ خالد حاج محمود، وزير الثقافة والإعلام بولاية شمال كردفان، هذا الرجل المرهف والراقي الذي يتذوق الأدب الشعبي في شمال كردفان، ويتناوله سارداً أحداثه ووقائعه ومفرداته وصوره الفنية بطريقة وأسلوب الناقد والباحث المتذوق لهذا الضرب من الأدب حتى أصبح مرجعاً لا يمكن تجاوزه في مجال الفن الشعبي. لقد أهدى إلي السيد الوزير نسخة من ديوان الشاعر عمر الشيخ محمد رباح. ولمن لا يعرفون عمر؛ فهو شاعر فحل ذو باع طويل في الدوبيت ويعد من أحد كبار شعراء شمال كردفان. ولد عمر في منطقة المزروب وحفظ القرآن الكريم ودرس المعاهد العلمية في كل من الكاملين والأبيض ثم التحق بالسلك الوظيفي حتى بلغ سن التقاعد. ثم إني أتوجه بالشكر أيضاً لأستاذي وزميلي وصديقي العلامة الفهم والشاعر الفذ والأديب المطلع البروفسور عبد المجيد الطيب عمر، أستاذ اللغات بجامعة أم القرى بمكة المكرمة، ومترجم خطبة المسجد الحرام إلى اللغة الإنجليزية، فقد أهادني تسجيلاً فريداً لأحد “الوناقيب” وهو “يواوي” لإبله بصوت ندي أحسبه من دار الريح. هذا التسجيل، في واقع الأمر، دغدغ مشاعري وحرك أشجاني وذكرياتي، وأعادني إلى أيام الصبا الباكر، ونحن نرعى النوق يومئذ، إذ كنا “وناقيب” صغار مع عيد كباسة ومحمد ود جودات وبخيت الحمري وسعد الله وغيرهم من رعاة الإبل في ذلك الزمن الجميل. والواواي هو نوع من الشعر الذي يشدو به صغار الرعاة أي “الوناقيب” للإبل، عند رحيلهاً أو عندما يراد جمعها من “السرحة” وهو واحد من عدة ضروب من الغناء تقال للإبل؛ منها الحداء المعروف وهو لحث الإبل أو الجمال تحديداً على السير، والشاشاي الذي يتغنى به عند مورد الماء. بالعودة لديوان عمر الشيخ الموسوم “واواي الوناقيب” نستطيع القول بأنه سفر متكامل من حيث مواضيعه وارتباطه ببداية شمال كردفان وطبيعتها الخلابة وتغير أحوال الناس فيها تبعاً لفصول السنة من صيف وخريف وشتاء. بما القصد هنا ليس الحديث عن هذا الديوان نقتطف منه بعض النماذج فقط ريثما نعود له بتوسع في وقت لاحق:
يا حليل كردفان ويا حليل خريفها وصيفا
ويا ريت سيدها كان كل المخاليق كيفـــــا
بالجـــــود والكــــــرم دايـمــــــاً بمــــجّـد ضيفــا
دي فـــطرتنا مــــن كان الزمان بي عريفـــا
يا بروق الصباح الغايصة أملن وسوقن
في القيع والقفاري القحطة بالليل فوقن
نسيمكــن هب وزاد قــلب المتيم شوقــن
واواي الــــوناقيب والقـمــــاري الــقــــوقـــن
عــــــرب البــــاديــة دلّــوا وشبّحـو الشــــقـــــّاق
فوق في العالي، أَبُو البَاحْرَة، وبرو الـدقداق
فــــيهـــم عـــاتــم الـــليــــــي التَــــعــــروْن ســــاق
مـــا بحـــســــوبـــــو مــهـــمـــا يعــــتّمــــوا البـراق
هذا الديوان يعج بالعديد من الصور والاشارات الفنية الجميلة وهو قمين بالدراسة والتحليل والتأمل من قبل النقاد. ونختم قول الشاعر عمر الشيخ:
نجعنا حلالي قبّال السحاب ما يسْتّي
نامـــن نسمة السافــل قرّبـــت بشتّــي
أنا وعاليبو فارقنا أم شلــوخاً ســـتِــي
واواي الوناقيب ليهــــا شـــقّ كبدتــي
[email][email protected][/email]