تصدير النواب

علّف أستاذي شوقي بدري على مقالي بيضة أم كتيتي السودانية بأن أورد الجملة التالية:
لقد كان عبد الله خليل يفوز في ام كدادة وسط الزغاوة . ولم يكن الشنقيطي يفوز في امدرمان وله شارع باسمه وهو موريتاني الاصل . وكان الصادق يفوز في الجبلين وسط السليم والصبحة ونزي ودار محارب وهو ضنقلاوي والازهري يفوز في امدرمان وهو اصلا كردفاني والمحجوب يسكن في الخرطوم ويفوز في الدويم وحماد توفيق واصله مصري يفوز علي عبد الرحمن علي طه في عقر داره الحصاحيا والعمارة طه التي تحمل اسم جد عبد الرحمن علي طه . وزيادة ارباب الضنقلاوي والوزير كان يترشح في دارفور .أه
هنالك إختلال في المقارنة التي حاول الأستاذ شوقي إيرادها. فهو أتى لنا بمثال من إنتخابات الجمعية التأسيسية في خمسينيات القرن الماضي. وكذلك لم يذكر أن هؤلاء الذين ترشحوا في تلك الدوائر البعيدة لم يكونوا مترشحين إلا باسم حزب الأمة. وكان ذلك الزمن هو زمن الإشارة والذي وردت فيه العبارة الطُرفة التي تقول: (هوي ها الزول .. كلامك دا ما عندا معنى .. والله أنهن كان سيدي رسّل لينا نعالتا بنصوِّت ليها). كلام حاسم أن رأي سيدي هو الفيصل في هذا الأمر وأن التوعية التي يحاولها أحد مثقفي ذلك الزمان لا تُقدِّم ولا تُوخِّر.
الملاحظ أيضاً أنه منذ إنتخابات الجمعية التأسيسية العام 1965 توقّف تصدير النواب إلا بنسبة ضئيلة جداً. ففي تلك الإنتخابات أُرسل كمال الدين عباس لدائرة شركيلا بشرق كردفان . وأُرسل السيد بشرى حامد لدائرة المجلد التي تنازل منها للسيد الصادق بعد أن أكمل ثلاثين عاماً في العام 1966 وهي السنة التي بدأت فيها مشاكل حزب الأمة التي أدّت لانقسامه لجناح الصادق وجناح الإمام. ولكمال الدين عباس نائب دائرة شركيلا قصة غريبة مع ناخبي دائرته. فعندما زاروه في البرلمان لم يحتف بهم ولم يكرمهم وهم الذين وقفوا معه في الإنتخابات حتى تكللت جهودهم بفوزه. وقال لهم: أنا أرسلني الإمام الهادي لأترشّح في شركيلا. لو عندكم أي مطالب أو كلام أذهبوا به إلى السيد الإمام مباشرة. لم يذهب الوفد إلى السيد الإمام ولكن رجعوا إلى شركيلا.
بعد أن حلّ الرئيس الأزهري الجمعية التأسيسية وقامت إنتخابات أخرى حتى ذهب كمال الدين عباس إلى دائرة شركيلا. إستقبله السكان بكل ترحاب ولكن قالوا له: لن نمنعك أن تترشح ولكن لن تجد منّا صوتاً واحداً. قال لهم: أنا بعثني السيد الإمام. ردُّوا عليه: أذهب للسيد الإمام ليعطيك دائرة ولكن ليست دائرة شركيلا. وقد كان. وترشّح أحد أبنائهم وفاز.
في إنتخابات العام 1986 أُرسل مبارك عبد الله الفاضل ليترشح في دائرة تندلتي ونصر الدين الهادي لدائرة النعيم جنوب كوستي وقد فازا بهما. وسبب إرسالهما أن 6 مرشحين أبناء عمومة تنافسوا في كل دائرة وسوف يؤدي ذلك للفشل فخيرهم السيد الصادق آنذاك بين أن يتنازلوا لواحد منهم أو يتنازلوا جميعاً وسيأت هو بمرشح يضمن الفوز بالدائرة. رفضوا بإجماع ألا يتنازلوا ولهذا تمّ ترشيح مبارك في دائرة تندلتي ونصر الدين في دائرة النعيم.
حديثي عن اليوم. وبعد أن ظهرت عنصرية غير معروفة الإتجاه وقد تمايزت القبائل والأعراق فلن يفوز مرشّح غريب في دائرة ليست دائرة أهله وقبيلته. وضع الإمام الصادق والترشيح في دائرة الجزيرة أبا ربما يكون خاصاً لطبيعة المنطقة وسكانها الذين هم لحمة وسداة الأنصارية. ألم تسمع أستاذ شوقي أغنية السباته في دنقلا عندما كان الحاج ساطور والياً عليها. (يا غريب يلا لبلدك). كانت مثل السلام الجمهوري تُغنى عند بداية ونهاية كل حفل زواج حتى غادر دنقلا غير مأسوف عليه وتشيِّعه اللعنات من السكان.
لكن بعد الآن أظن أن عهد الإشارة قد إنتهى والمكضِّب يجرِّب والموية تكضِّب الغطاس. فليترشح مناوي في دائرة دنقلا الجنوبية. ويترشح ياسر عرمان في دائرة الأبيض الغربية وهلم جرا.. والله يسقطوا سقوط موية زير في شتاء كُتم. (العوج راي والعديل راي).
كباشي النور الصافي
لندن – بريطانيا
[email][email protected][/email]