مقالات وآراء

 حامد فضل الله باحثٌ موسوعيّ  بمقامِ مؤسّسة ثقافيّة كاملةٍ (2) 

موسى الزعيم

تُطلق العربُ صفة أديبٍ على الرجل، الذي يأخذ من كلّ علمٍ بطرف.
ونحن اليوم في حضرة أديبٍ نذرَ نفسه وكرّس وقتهُ وجهده لخدمة الثقافة و الجالية العربية في ألمانيا، وبالتأكيد خدمة وطنه الأحب السودان.
في البداية كانت معرفتي بالدكتور حامد فضل الله، بعد وصولي إلى ألمانيا، من خلال كتابه أحاديث برلينية، ويكفي أن تعرفَ الرجلَ من كتابهِ.
في قراءتي الثقافية المعرفية هذه، سأحاول أن أطوف في عوالم حامد فضل الله عبر فضاءاته الفكريّة المتعددة و من خلال الإضاءة على منجزهِ الفكري والإبداعي أيضا.
أحاديث برلينية والذي صدر عام  2013  يعالجُ فيه عدداً كبيراً من قضايا أوربا والإسلام والأدب والفكر، يقع في 460 صفحة، صدر عن دار الدليل للطباعة والنشر في برلين، وهو أشبه بسيرة ذاتيّة ثقافية، للأمكنة والناس، بدأها الدكتور حامد من زاوية خاصّة.
يبدأ الكتاب من حقيبة الذكريات، ذكريات دراسته في السودان ومن ثم القاهرة، حتى وصوله إلى ألمانيا، معرّجاً على بواكير نشاطه السياسي في مدينة هالا.. حتى مستقرّه في برلين.
بعد ذلك يتحدث الكتاب عن القضايا التي تؤرق العرب في ألمانيا عبر علاقتهم بالمجتمع المضيف.
وذلك من خلال قضايا الفكر الإسلامي وخاصّة صورة الإسلام في أوربا، عارضاً الكثير من الأبحاث والمقارنات، من خلال متابعةٍ دائمةٍ لآراء وتصريحات المفكرين الألمان أو السياسة الألمانية، حول تلك القضايا.
في أحاديث برلينية يفرد فضل الله فصلاً خاصاً لشخصيات عربية فاعلة في برلين وألمانيا، كما في كل كتبه اللاحقة.
كما يكشف عن جانب جديدٍ من اهتمامه الأدبي، وهو القصة القصيرة والتي ستختمر أكثر ووسوف تظهر في أعماله القادمة  كجنس أدبي مستقل.
في هذا الكتاب، يخطّ فضل الله منهجهُ البحثي الموسوعي والذي سوف تتوضح ملامحه  في كتبه وأبحاثه التالية، ملامح منهجٍ سبق وأن رأيناهُ في تراثنا العربي عند الجاحظ أو عند أبي حيّان التوحيدي في كتابه الامتاع والمؤانسة.
أمّا الكتاب الثاني : فهو كتابٌ مشتركٌ ومترجم عن اللغة الألمانية لمؤلفه ” إدوارد روبيل بعنوان” رحلات في شمال السودان وكردفان وشبه جزيرة سيناء وشمال الحجاز”   وقد صدر عام 2029، تأتي أهمية الكتاب في أنه يعكس جانباً من الاستشراق الألماني في البحث وإعادة اكتشاف الجغرافيا السودانية وهو دراسة منهجية لها أهميتها في أدب الرحلات.
أما الكتاب الثالث  فهو كِتاباتٌ سودانيّةٌ باللّغةِ الألمانيّةِ ” قصّة، شعر، مقالات.
وهو كتاب مُشتركِ  في القصّة والشّعر والمقالة، صدر في برلين في  2018.

عمل الدكتور حامد على جمع مادة هذا الكتاب إخراجه فنياً بالتعاون مع بعض الكتاب .
يضمُّ الكتاب إبداعاتِ أحدَ عشرَ كاتباً سودانيّاً، أراد الدكتور حامد من كتابه أن يكون موجّهاً للألمانِ، برؤيةٍ جديدةٍ، وبأقلامَ عربيّة سودانيّة، ترصد حالة المجتمعِ الألماني وأغلب نصوص هذا الكتاب تتحدّث عن الغربةِ وصعوبةِ الاِندماجِ في الثقافةِ والحياةِ الجديدةِ.
أراد فضل الله من كتابه أن يكون جسراً ثقافياً بين الثقافتين العربية والألمانية.
وأرى في الكتاب حالة وفاء للأدب السوداني.
حققّ الكتاب نجاحاً ملحوظاً، باعتباره خطوة رائدة  لها أهميتها في تعريف المجتمع الألماني بالأدب السوداني المكتوب في أوربا، من خلال موضوعاته التي تمسّ الحياة في ألمانيا بشكل مباشر.
في عام 2021 أصدر الدكتور حامد كتابه الثالث
أوراق طبيب سوداني مقيم في برلين
     ذكريات، وقصص ووجوه وقضايا فكرية وأدبية.
يقع الكتاب في 280 صفحة وقد صدر عن دار المصورات في الخرطوم
يتحدث فيه عن حياته كطبيب، قبل وصوله إلى برلين، عبر محطات كثيرة ثم ما يلبث أن ينشغل من جديد بقضايا الاندماج والاستشراق والإسلام في أوربا، وأوربا والقرآن، كما أنه انشغل أيضا بالتأريخ لحياة لأخرين الذين مرّوا في فضاء حياته، تأثر بهم وانعكس دورهم على حياته، في هذا الكتاب تؤرقه إشكاليات الاندماج وواقع المسلمين في ألمانيا، فيعمد إلى المقارنات الدائمة والاستشهادات بنصوص المفكرين مثل إدوارد سعيد، وغيرهم.
كذلك يضم الكتاب عدداً من القصص والمواقف التي مرّت في حياته، بعضها جاء بروح ناقدة ساخرة، هدفها تسليط الضوء على بعض السلوكيات العامة، أو عرض مواقف لأشخاص، تركوا أثراً في ذاته لا ينساه.
في عام 2024 أصدر الدكتور فضل الله موسوعته المؤلفة من ثلاثة مجلدات
الأوّل بعنوان الاسلام والإندماج في ألمانيا وأوربا
والثاني عن الحرب وقضايا الثورة وشؤون الأدب
في هذا الكتاب الموسوعة، الكثير من الدراسات والأبحاث حول قضايا العروبة والإسلام الإندماج، كذلك عدداً من المقالات المُترجمة من الألمانية إلى العربية لعدد من الباحثين العرب والألمان المهتمين بالشؤون العربية والألمانية، وخاصّة للباحث “أودو شتاين باخ”
كذلك  القضايا التي تتعلق بالموقف الألماني من حرب السودان وقضايا حقوق الانسان والأدب والثقافة وغيرها من الموضوعات.
أمّا الجزء الثالث فجاء تحت عنوان
مدارات الذاكرة ” وهو قراءة ومراجعات في الأدب والفكر السوداني والألماني.
في هذا الجزء من الكتاب يضع  فضل الله الاستشراق الألماني على المحكّ، ماله وما عليه من خلال عرضه لوجهات نظر المستشرقين الألمان المعاصرين، مقارنة مع الاستشراق الأوربي والأمريكي.
كذلك يعالج الكثير من قضايا الحداثة الأدبية وهموم الشعر المعاصر، بالإضافة إلى تقديم المراجعات لعدد من الكتب والتعليق عليها.

أمّا الكتاب الأخير الذي صدر الشهر الماضي باللغة الألمانية تحت عنوان
طبيب نسائية سوداني في برلين ليتزنزي
ذكريات، تجارب، وجوه، قصص قصيرة.
 
كتب مقدمة هذا الكتاب الباحث المرحوم أودو شتاين باخ
في هذا الكتاب نقرأ وجهاً ثقافياً أدبياً مُختلفاً عند حامد فضل الله وهو الجانب القصصي.
عالم حامد فضل الله القصصي حافل دائماً بما هو انساني مُدهش، ومبنيّ على المفارقة الصادمة، معتمداً على حبكة مُحكمة وبنية دلالية متماسكة وخاصة في قصصه القصيرة جداً.
تعالج قصصه الحياة في ألمانيا من زاوية الغربة والاندماج، بعين فاحصة ترصد حركات الآخر، فيما يتعلق بقبوله أو عدمه، أو الموقف منه، يتعدد الفضاء المكاني لقصص حامد بين السودان وبرلين. وهو في الغالب مشغول بإنسانية الانسان، وهموم وجوده وغربته.
قيمة ما يكتبه حامد معرفيا وانسانياً
 
 تأتي قيمة ما يكتبه فضل الله في أنّه كرس وقته وجهده في خدمة قضايا الثقافة والاندماج وحقوق الانسان، بالإضافة  إلى أسس العلاقة بين الثقافة الإسلامية العربية والثقافة الألمانية والأوربية من خلال إيجاد سبل ما يمكن البناء عليه من أجل تعايش أمثل.
جاء كلّ ذلك من خلال علاقة حامد فضل الله الواسعة بأطياف المجتمع الانساني الذي نهل منه المعلومة والمعرفة، وخاصة عالم الكتب والكتّاب وعلى علاقة جيدة بعالم الصحافة الغربية إذ لا يفوته مقال في الصحافة الألمانية يتعلق بقضايا الإسلام والعروبة أو السودان. بالإضافة إلى ما يمتلكه من شبكة علاقات إنسانية واسعة في العالم. هذه الشبكة يتفاعل معها معرفياً، وإن اختلف معها عقائديا أو فكرياً، وذلك من خلال عضويته في كثير من المنتديات الثقافية في أوربا والعالم.
عمل جاهداً في جميع أعماله على تعريف الألمان بالأدب السوداني من خلال عدد من الدراسات التي قدمها عن الطيب صالح وعن الشعر السوداني  بشكل عام.
في غالبية كتبه يطرح فضل  الله  السؤال الوجودي المتعلق بالعرب في المانيا
 متسائلا عن دور النّخب العربية في ذلك.
إنّ لكلّ مرحلة تاريخيّة كتّابها و مثقفيها وبحقّ يمكننا القول إن من يحتاج إلى قراءة هذه  المرحلة من تاريخنا المعاصر وخاصة الوجود العربي في ألمانيا قراءة فكريّة منهجية نقدية في إطارها الزماني والمكاني، فإن كتابات حامد فضل الله خير من يعبر عنها وخير من يؤخ لهذه المرحلة.
مازال إلى اليوم بحمد الله يعمل بجهد استثنائي ” حماه الله ” يتابع ما تكتبه الصحافة الألمانية بدقّة وعين راصدة على كل ما يكتب عن السودان والعروبة والإسلام.
وهو دائماً يقول بروح  العالم المتواضع المُمتن ” شكراً لأنّك علمتني ذلك كنتُ لا أعرفهُ ” مازال بيته مقصداً للكتاب والمثقفين العرب، كلّ العرب والألمان على حدّ سواء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..