لماذا أعارض السدود؟

لأي نوبي تكون الإجابة لهذا السؤال بديهية و لا تحتاج لعصف ذهني brainstorming لأنه يدرك أن السدود تعني طمس الهوية. أخترت موقع الراكوبة لكي تصل إجابتي لأكبر عدد من السودانيين و قد لا يعرف البعض على وجه الدقة لماذا نعارض السدود. ليس هذا من وحي الخيال فقد سألني أحد أصدقائي من غير النوبيين و بحسن نية مستنكراً معارضتنا للسدود و متهماً إيانا بأننا برفضنا للسدود نرفض التنمية بل ذهب أبعد من ذلك فأتهمنا بقصر النظر حيناً و بالأنانية حيناً آخر لأننا نرفض إقامة سدود لتوليد كهرباء تكفي لتنمية المنطقة و السودان قاطبة و خاصة أن المنطقة المزمع إغراقها منطقة طاردة نزح سكانها بمحض إرادتهم لمنطقة (الكلاكلات) و اتخذوها وطنا لهم. و أردف قائلاً أنكم تعارضون السدود نكاية للإنقاذ و ليس لكم سبب منطقي واحد يجعلكم تعارضون سدود التنمية و النماء. لصديقي هذا و لمن لا يعرف لماذا نعارض و بشراسة سدود الدمار و الخراب أكتب مقالي هذا.
كما يعلم الجميع تُبنى السدود لتخزين المياه للزراعة و لتوليد الكهرباء و قد تصاحب هذه السدود مخاطر عديدة تتمثل في التغييرات البيئية و التهجير القسري للسكان الأصليين بالإضافة لما تتعرض له المياه في بحيرة السد للتبخر مما يحتم فقد كمية معتبرة من المياه. هذه بصفة عامة حال السدود في أي مكان و دعنا في هذه العجالة نسرد مساوئ سدود الشمال تحديداً.
المنطقة المقترح إقامة السدود فيها تعد من أغنى المناطق الأثرية في السودان أذ تحتوي أثار حقب زمنية مختلفة تمتد من قبل التاريخ و العصر المسيحي و حتى العثماني و لم يتم كشف النقاب عن محتوياتها و قد تقدم خدمات علمية و أركيولوجية للبشرية أجمع. تدمير و إغراق هذه الأثار يعد خسارة علمية لا تقدر بثمن و ستختفي تلك الأسرار إلى الأبد كما اختفت أسرار آثار النوبة عند قيام السد العالي و سد مروي.
هنالك أمر آخر لا يقل خطورة ألا و هو أن الترحيل القسري لسكان المنطقة سيتبعه إنقراض اللغة النوبية بتراثها الأدبي و بأغانيها و بموسيقاها و أمثلتها و حكمها وقصصها المروية شفاهة. كما يعلم الجميع أن اللغة هي ابنة البيئة تعيش فيها و تكتسب مفرداتها و تراثها منها و تختفي بإختفاء تلك البيئة و عند علماء اللغة يعد إختفاء أي لغة خسارة لا تدانيها أي خسارة فمعرفة أي لغة تساعد في معرفة اللغات الأخرى لأن لكل لغة أسرارها و فك طلاسم لغة ما قد يساعد في فك طلاسم لغة أخرى و من المؤسف جداً لا توجد دراسات لغوية كثيرة عن اللغة النوبية.
رغم أن إنشاء السدود في هذه المنطقة أمر جلل لم يُستشر مواطنو هذه القرى حتى الآن في هذا الأمر و لم تُكشف لهم عن أي دراسة حتى يكونوا على بينة من الأمر و لعلم الجميع الغالبية العظمى من سكان المنطقة ضد الإغراق و بإختلاف مواقفهم السياسية و أكبر دليل على كلامي هذا تلك التظاهرات التلقائية التي خرجت في مناطق السكوت و المحس مرددة هتافات تندد بالسدود و أقسمت تلك الجموع بأغلظ الإيمان أنها لن تفرط في شبر واحد من أرض النوبة و هنالك قلة قليلة لا نضع لها حساباً تؤيد و لكنها لا تجرؤ عن الإفصاح برأيها خوفاً من أن يغضب أقرب الأقربين منهم.
الهدف من قيام هذه السدود غير معروف لنا حتى الآن رغم أن المسئولين يقولون أنها لتوليد الكهرباء و لكنهم لشئ في نفس يعقوب يرفضون مناقشة جدواها الإقتصادي و الآثار المترتبة عند قيامها كما يرفضون مناقشة البدائل الرخيصة و النظيفة و الأكثر إنتاجا للكهرباء كالطاقة الشمسية. موقفهم هذا يجعلنا نتوجس خيفة أن في الأمر شيئا غامضا لا يودون الإقصاح عنه و كأن المقصود هو تشتيت النوبيين و تذويبهم و تعريبهم و القضاء على ثقافتهم و على لغتهم و على نسيجهم الإجتماعي المتفرد. لما سبق ذكره نحن لن نساوم و لن نحاور و لن نفاوض بل سنقاوم قيام هذه السدود و لن تقوم إلا على أجسادنا. و أخيراً لا لسدود الدمار و الخراب و لا لنظام الظلم و القهر.

[email][email protected][/email]