راديو دبنقا … ليتها نطقت بالفصحى

صوت من الهامش
راديو دبنقا … ليتها نطقت بالفصحى
ابراهيم سليمان
[email protected]
المنظر الإعلامي مارشال ماكلوهان الكندي الجنسية يعتبر من اشهر مثقفي زمانه، وهو صاحب المقولة الشهيرة “القرية العالمية Global Village” وهو من يرى من الناحية الإعلامية “أن الوسيلة هي الرسالة” عبارة يعرفها جميع دارسي نظريات الإتصال الجماهيري، مفادها أن وسائل الإعلام التي يستخدمها المجتمع او يضطر إلى استخدامها ستحدد طبيعة هذا المجتمع وكيف يعالج مشكلاته.
لراديو دبنقا حضور فاعل في عموم غرب السودان، شخصيا شعارها الموسيقي يحرك دواخلي وأنهض من مجلسي متى ما إستمعت اليه، إستفادت الإذاعة من تطور وسائط الإتصال الشخصي المباشر لتتحسس أنفاس الأهالي في المدن والبوادي والحّلال والفرقان، هذه نقلة كانت غائبة، وهي بلا شك من افرازات الثورة في دارفور، لذلك وبحسب نظرية ماكلوهان ستكون لها الدور المؤثر في تحديد طبيعة المجتمعات التي تتلقى بثها الإذاعي على المدى البعيد بطريقة ناعمة قد لا يلاحظها سواء المختصين.
هذه الإذاعة من طبيعة إهتماماتها واللهجة المستخدمة في تقديم برامجها، تعتبر إذاعة موجة من الدرجة الأولى، ولأن حراس بواباتها ليسوا ثوارا أو حكومة (طرف ثالث) خفي، لا شك هناك من يرتاب منها، ذلك أن المسألة ليست تحسحس الأخبار وبث موسيقى تدغدغ الوجدان الشعبي القريبة من السطح ضمن إطار دلالي موحد، التأثير هو الهدف النهائي الذي يسعى إليه المرسل وهو النتيجة التي يتوخى تحقيقها القائم بالبث، وحسب نظريات الإتصال تتم عملية التأثير على خطوتين، الأولى تغيير التفكير، والخطوة الثانية هو تغيير السلوك.
كيف تغير راديو دبنقا تفكير سامعيها من مواطني دارفور؟
مما خلق الله الدنيا عموم أهل السودان بكافة فئاتهم يستمعون لراديو ام درمان وهيئة الإذاعة البريطانية، وليس هنالك ما يفيد عدم فهمهم مضامين هذه الإذاعات، فما معنى تخصيص إذاعة تخاطب قطاع واسع من مكونات الشعب السوداني بلهجتهم المحلية، طالما انهم في السابق كانوا يتلقون البث الإذاعي باللغة العربية الفصحى اسوة بالآخرين الذين لهم لهجاتهم الخاصة ايضا؟ على الأرجح الهدف خلق خصوصية لهذا القطاع عن بقية مكونات المجتمع، صحيح الرسالة تصل بصورة أكثر وضوحاً بالعامية لكن لا شك عندنا أنها مضرة على المدى البعيد في تماسك وحدة السودان.
راديو دبنقا تذيع نشرات الأخبار بالداجي المُخل، و احد المذيعين يقرأ تقارير اخبارية بطريقة اقرب إلى الكوميديا تثير السخرية، تذكرنا إذاعة تامبال باي التشادية في الثمانينات عينة من هذه “دخلت قوات الشرطة داخليات طلاب جامعة الخرطوم ووقعت فيهم دق” يذهب نوع من الدراسات إلى أن القائم بالإتصال هو قارئ النشرة فقط، ومن هنا تمكن خطوة طريقة أداء مذيعي راديو دبنقا بغض النظر عن مضمون رسالتهم الإذاعية.
كيف تغير راديو دبنقا سلوك سامعيها؟
إعتياد المستمع على اسلوب راديو دبنقا قد ينّفره عن المتحدثين بلهجات مخالفة وتخلق الكراهية وتساهم في تدهور مستوى الذوق الثقافي العام، وإشاعة روح الإنقسام القومي. يعزز هذا التاثير السالب إيجاز الإذاعة أخبار المركز والولايات الأخرى والذي بدوره يؤثر في التكوين المعرفي للفرد.
على الثوار أن يثوروا بشرف وعلى المعارضين أن يعارضوا بمسئولية، وليس هنالك إختلاف حول العربية كلغة قومية، ومن ضمن وظائف الوسائط الإعلامية تنمية العلاقات الإنسانية وزيادة التماسك الإجتماعي، بالإضافة إلى رفع مستوى الجماهير ثقافيا، وهنا قد يلتبس على تلاميذ المدراس التفريق بين الفصحى و الداجي، لأن المفردة التي يستخدمها المذيع قد يعتقدها التلاميذ فصيحة وبذلك ينحسر الدور التربوي للمدرسة والأسرة. راديو دبنقا بطريقتها الحالية قد تضر بتماسك مجتمع دارفور قبل السودان ككل.
في رأينا أن تذيع راديو دبنقا نشرات الأخبار والتقارير الإخبارية بالفصحى وتقدم الربط الاذاعي وبقية البرامج التراثية والدراما بالدارجي اسوة بما تفعل راديو عافية دارفور هذه الإذاعة الدافئة، وتهتم بعض الشئ بأخبار المركز والولايات الاخرى، وإن تتوفر لديها الإمكانيات فلتترجم برامجها باللغات المحلية الحية أيضا، لأن الطريقة التي تقدم بها برامجها حالياً قد يساء فهمها من قبل إثنيات تعتقد انها غير معنية بما تقدمها راديو دبنقا، خاصة إذا اخذنا في الإعتبار أن لهجات مواطني دارفور والمناطق الأخرى الواقعة تحت بثها الاذاعي ايضا مختلفة بعض الشئ من منطقة إلى اخرى، لذلك يعتبر الفصحى هي الحياد من وجهة نظرنا مع توخي الجدية في تقديم البرامج الاخبارية كإستاندر عالمي.
آفاق جديدة/ لندن
دبنقة ( دنيا دبنقة دردقي بشويش ) نعم يا أستاد كل ما دكرته صحيح ولو أستخدمت اللغة العربية أو الدارجة السودانية ( وهي وسيلة التخاطب بين جميع فئات الشعب السوداني قبل إنفصال الجنوب ) لكانت الفائدة أعم والدين يقومون على أمر إداعة دبنقة يعلمون هدا جيدا ولكن الأمر مقصود لدواعي عنصرية بغيضة وما أسم دبنقة إلا خير دليل على عنصرية الهدف ( وكلمة دبنقة كلمة فوراوية بحتة لا تستخدم إلا في دارفور ) وبالتالي فلأمر معقد جدا . والله المستعان
والله يا إبراهيم ما قلت إلا الحقيقة ، الحقيقة التي غابت عن كثير من مثقفي
ابناء دارفور ….
لك الشكر وانت تلفت نظر المسؤولين عن تلك الاذاعة لمسألة في غاية
الاهمية خاصة وان الكل يعلم ان اهلنا في دارفور عرف عنهم حفظهم
للقران الكريم جيلا بعد جيل …
اتمنى ان يجد كلامك هذا آذآنٌ صاغية من قبل مسوؤلي راديو دبنقا مع الاحتفاظ باهداف الاذاعة وخصوصية المنطقة ..
والله من وراء القصد..
السيد إبراهيم سليمان كتب:
"على الثوار أن يثوروا بشرف وعلى المعارضين أن يعارضوا بمسئولية، وليس هنالك إختلاف حول العربية كلغة قومية"
منو القال ليك إنو اللغة العربية لغة قومية؟ ومنو القال ليك إنو ما عليها خلاف؟
مصيبة السودان إنو المثقفين عندهم أوهام ومسلمات قطعية ما بيتنازلوا عنها.
من حق إي سوداني إنو يتكلم اللغة العايزها … ثم إنو راديو دبنقا دي موجهة أساساً للنازحين في المعسكرات والمتأثرين من الحرب … ثم بقية مواطني دارفور عشان كدا طبيعي إنو الأخبار تُقدم ليهم بلغة مفهومة ليهم.
أنا ما عندي أي لغة تانية غير العربي لكن بطالب إنو أي سوداني يتعلم باللغة المحلية بتاعتو لحدي مرحلة الأساس .. وفي المرحلة الثانوية الطالب يختار لغة تعليمه (عربي – إنجليزي – فرنسي .. ألخ)
البلد نظام حكمها فيدرالية (إسمياً) … لكن فعلياً الولايات دي عبارة عن مجالس بلدية مُكبرة .. لو مشيت إثيوبيا القريبة دي ح تعرف إنو الإعتراف بالإثنيات والعرقيات واللغات الأصلية بيحل المشاكل وما بيعقدها … هناك شغالين بنظام الـ(Ethnic Federations ) \ … يعني بالوااااااااضح كدا إنو الأقاليم مؤسسة علي القوميات والعرقيات … وللضمان كدا فأي إقليم عنده علم وعنده لغة .. يعني في أديس ممكن تتكلم أمهرنجا بإرتياح .. لكن لو مشيت مناطق الأرومو ممكن ناس ما يفهموك .. وفي مناطق لا الأمهرنجا ولغة الأرومو بتنفع فيها … ورغم كدا البلد فيها إرتباط قوي جداً لإنو الناس دفعوا ثمن الإستقلال دا ملايين القتلي في الحروب والمجاعات.
نحنا دفعنا نفس الثمن .. لكن حصيلتنا كانت شنو؟
في النهاية ليك تحياتي .. ولاحظ إنو أنا بكتب ليك بالدارجي بس
:D
هذا الحديث لا يخلو من عنصرية، مستبطنه تخرج من قاع الوعي دون الباطن لصاحبها دون أن يدرك تماماً أن ما يقوله ينطوي على عنصرية بغيضة، وتحيز ضد لهجات ولغات الهامش، مما يعني أن الهامش يخضع ويعاني لتهميش حتى على مستوى اللغة. هذه الأفكار المتحيزة التي تخرج دون وعي صاحبها نعاني منها في المهجر حيث يتحيز الإعلاميون ضد المهاجرين بجمل تخرج دون وعي منهم ودون أن يدركوا أنهم أصابوا المهاجرين في مقتل مثل قولهم: (أشتكى كثير من الناس من تزايد رائحة مياه الصرف الصحي بتلك المنطقة، بل حتى المقيمين تأذوا من هذه الرائحة). لاحظ معي كلمة (حتى) التي خرجت من الوعي دون الباطن للكاتب دون أن يدرك أنه أخطأ في حق فئة كبيرة كان لها الفضل في أقامة هذه المحطة التي يتأذى السكان من رائحتها.
لماذا إذاً نستسيغ ثقافة الوسط والشمال والبطانة كثقافة ناضجة كوسيط صالح لنقل الرؤى والأفكار لكل السودان؟ لعلك تتفق معي أن هناك كثير من المسئولين الكبار يدلون بتصريحات غاية في الحساسية بلغة وسط السودان والبطانة والشمال دون أن يُلقى أحد بالاً إلى ذلك. مثلا: نحنا مستعدين نتحاور معاهم وما نقفل الخط إلا إذا كانوا هم ما رضايانين، وإذا كانوا زعلانيين نقول ليهم عليكم يسهل وعلينا يمهل، وكمان الماعاجبو يلحس كوعو الخ والقائمة تطول هذا إضافة إلى معظم بل كل الحوارات التلفزيونية والإذاعية تتم بلهجة الوسط والبطانة الشمال العامية دون أن يحرك هذا الأمر أو يثير أي تساؤل. إذاً لماذا تحتج على خبر (البوليس دخل عليهم الداخليات ولم فيهم دق) ولا تحتج على جمل ترد على وسائل الإعلام المختلفة من أمثال: الماعاجبو يحلس كوعو. إنها العنصرية والتحيز الإعلامي لأهل الوسط والبطانة والشمال، ضد أهل الهامش يتصل مع حلقات التهميش الأخرى الاقتصادية والسياسية والثقافية وغيرها.
على العكس مما أوردت، اعتقد أن طريقة إذاعة (دبنقا) التي لم استمع إليها أصلاً، يمكن أن تعمق التواصل وتقرب الشقة وتردم الهوة بين ثقافات السودان المختلقة، كما يمكن على المدى الطويل تهجين هذه اللغات تدريجياً دون أن يشعر المتلقي بذلك حتى تقارب لهجة إرسالها لهجة أهل الوسط والبطانة والشمال الغالبة على كل اللهجات الأخرى.