مقالات وآراء

ماذا تعني مهنية الجيش السوداني؟

د. محمد آدم الطيب

يكثر الحديث هذه الايام عن هيكلة الجيش السوداني بين مؤيد ومعارض لهذه الهيكلة . في هذا المقال سوف استعرض وجهة نظري باختصار.
من يطالب بهذه الهيكلة له اسبابه مثل أن الجيش مؤدلج و قبلي كما تدعي بعض حركات الكفاح المسلح وأنه غير مهني بسبب أدلجته.
ومن يرفض هيكلة الجيش له اسبابه أيضاً مثل هو الحامي لارض السودان ووحدته.
وما بين الرأيين يجب علينا التعامل مع موضوع الجيش بحذر شديد لان وجوده من اهم مقومات الدولة وخاصة في وجود حركات مسلحة كثيرة بعضها يؤمن بالتحول الديمقراطي والبعض الاخر  لا يهمه الامر وقد تكون لها توجهات ونوايا انفصالية بدعم خارجي لا تفصح عنه الا بعد فوات الاوان.
الصراع السياسي  في السودان منذ الاستقلال كما اراه هو صراع  بين دعاة الحكم العسكري  الديكتاتوري من عسكر ومدنيين و دعاة التحول الديمقراطي من مدنيين وعسكر . فانصار الحكم الديكتاتوري  نظرتهم للوطن  هي نظرة سلطة وثروة وإن أدى الي تقسيم الوطن كما حدث لجنوبنا الحبيب .
لذلك يجب ان نطالب ليس بمهنية الجيش  في المقام الاول  ، فدعوي أن الجيش قبلي هي دعوة حق أريد بها باطل  وهي غير صحيحة لأن الحركات المسلحة هي القبلية  فخير مثال لذلك الدعم السريع و حركة العدل والمساواة قياداتها أشقاء . فقادة الجيش ينتمون الي كل بقاع السودان منذ امد بعيد فأضرب مثلاً فضل الله برمه و عبدالماجد حامد خليل و نميري و كباشي  وبرهان  فهولاء من مختلف بقاع السودان .  والدخول للجيش يتم بعد معاينات و امتحانات وتأهيل باخلاق المهنة العسكرية. ولكن تمت أدلجة بعض الكوادر في عهد الإنقاذ ويمكن التخلص من هؤلاء المؤدلجين الذين يرفضون الممارسة المهنية . كما يجب وضع قوانين صارمة تمنع الانقلابات العسكرية.

وارفض بشدة دمج كوادر غير مؤهلة ومدربة بالجيش من الحركات المسلحة  والدعم السريع لانها قد تكون وبال على  الجيش والسودان كله . فالجيش السوداني لا يمتلكه فرد كما في حال الحركات المسلحة  والتي تتكون على اساس قبلي و يجمع قادتها بين حمل السلاح و الممارسه السياسيه وهذا اكبر مهدد للتحول  الديمقراطي لان من يجمع بين السلطات لن يكون حريصا على ان تكون هناك دولة مدنية  لانها تمنع الجمع بين حمل السلاح وممارسة السياسة. كما ويجب ان يتم دمج القوات كأفراد وليست كوحدات عسكرية  خوفا من ان نعيد تجربة تمرد كتيبة قرنق مرة اخري . فالوقاية خير من العلاج.
الجيش كمؤسسه في ظل الحكم المدني تحتاج الي ان تعكس التنوع الموجود في المجتمع . ادارة التنوع في اي مؤسسة مثل الجيش يجب ان تتم بصورة علمية وإحصائيات دقيقة وليس بدمج عشوائي وغير مدروس. ويجب ان يتم وفق معايير علمية صحيحة وهي ان الكفاءة والتاهيل  هما الشرط الاول للاختيار وأن تساوي الافراد المتنافسين  في الكفاءة يتم التفضيل وفق تحقيق التنوع المطلوب. ويجب ان تتم ادارة التنوع بصورة تدريجيه تبدأ من الاختيارات لدخول الجيش وليس دمج افراد على مستوى القيادة لا يحملون مؤهلات تمكنهم من العمل بصورة مهنية. لان اغراق الجيش بالارادة غير مؤهلين سوف يوثر على مهنية الجيش. واضرب مثلا في ايرلندا الشماليه تمت معالجة مشكلة ادارة التنوع دون دمجه في الجيش الحكومي النظامي وتمت عملية جمع السلاح بصورة حضاريه وتلقائية من الافراد المسلحين اذ لا يعقل بعد توقيع اتفاق السلام الاحتفاظ بالسلاح لان هذا مهدد بعودة الحرب.

وأرى أنه في حال  أصبح الجيش مهنياً وأبتعد عن الانقلابات العسكرية وممارسة السياسة فلن يكون حوله هذه الضجة الحادثة الآن . فهناك قلة  تنظر للجيش كمصدر للسلطة والثروة وهذه معلومة غير صحيحة فمعظم شرفاء الجيش من ضباط وجنود  وخاصة ممن في المعاش يعيشون في اوضاع معيشية صعبة . والقلة منهم التي تعيش حياة رغدة هم من المؤدلجين التابعين للكيزان او من غير المهنيين الذين يخلطون الجيش بالسياسة .
لذلك إدعوا الي بناء الجيش بأسس علمية ومهنية وليس بتصور بعض المكونات السياسية بدمج قوات مدربة مع قوات غير مدربة لان في ذلك تدمير للجيش وقد يكون نواه لمشاكل تشل الوطن في المستقبل لان البناء بدون اساس متين قابل للانهيار.
اقول هذا من خبرتي الطويله في الغرب  واهتمامي بقضايا ادارة التنوع لمصلحة وطننا الغالي السودان لكي نستطيع ان نبني وطن خالي من الحروب.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..