قيادي سوداني: الانقلاب عطّل إعفاء أكثر من 23 مليون دولار من ديوننا

في وقت تمضي فيه المرحلة النهائية للعملية السياسية الجارية في البلاد وفق الاتفاق الإطاري، نحو نهايتها، افتتحت القوى السياسية الموقعة على الاتفاق الإطاري، أمس الخميس، ورشة اقتصادية في العاصمة السودانية الخرطوم، (تستمر لمدة 3 أيام) من المنتظر أن تضع تصورا للسياسات الاقتصادية للبلاد خلال الفترة الانتقالية المرتقبة. القيادي في «الحرية والتغيير» ونائب رئيس حزب «الأمة» الصديق الصادق المهدي، قال خلال مخاطبته الورشة، إن «الغرض من الورشة الاقتصادية هو توافق المجموعات المشاركة على السياسات الاقتصادية وأولويات الفترة الانتقالية».
وأضاف أن «توصيات الورشة سيتم تضمينها في ورشة أخرى أوسع حضوراً، بمشاركة ولايات السودان المختلفة والقطاعات المهنية والوطنية الأخرى، على أن تنظمها جهة مدنية بصفتها الحيادية لتوسيع قاعدة المشاركة».
ولفت إلى أنه «على الرغم من تأخير تقديم الدعوة للبعثات الدبلوماسية، حرصت الحرية والتغيير على تمثيلهم لبحث آفاق التعاون الاقتصادي». وأوضح أنهم «يعملون من خلال مراحل الاتفاق الإطاري للوصول لدستور انتقالي متوافق عليه».
مشكلة الاقتصاد
وتطرق لنقاط تقترح «الحرية والتغيير» أن «ترتكز عليها السياسات الإقتصادية للبلاد، بدأها بمشكلة الاقتصاد في ظل الأزمة المعيشية التي ظل يعاني منها الشعب»
ورأى أن «أسباب الأزمة الاقتصادية التي يعيشها السودان واضحة جداً، كونها ترجع للحكم الشمولي الانقلابي في الثلاثين عاما قبل الثورة، وعام الانتكاسة الذي نعيشه الآن في أعقاب الانقلاب العسكري».
وأشار إلى أن «التمكين في فترة نظام الرئيس المعزول عمر البشير» الذي وصفه بـ «التمكين الأول لا يزال في مكانه، والثاني هو تمكين انقلاب 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، وما تبعه من فساد وظلم ومحاباة وتركيز على العاصمة الخرطوم، دون غيرها من أنحاء البلاد» مشيراً إلى أنه «أورث البلاد الفقر والبطالة والتهميش والحروب والعزلة الدولية».
وأضاف: أن «ثورة ديسمبر وشعاراتها أسست لخروج البلاد من أزمتها بما في ذلك مشاكل الفقر والجوع والبطالة وفقدان الأمل التي سببتها السياسات الخاطئة والتي رأى أن مخرجها المدنية والإصلاح والحوكمة الرشيدة التي ستحل أزمات الاقتصاد».
وقال إن «مطالب الثورة تشمل توفير الخدمات لكل أهل السودان ومن لا يملك قوته لا يملك قراره ولن تكون له حرية».
وأيضاً أشار إلى أن «السلام الاجتماعي لن يتحقق إلا إذا عاشه الناس على أرض الواقع» مشيرا إلى إن الورشة يجب أن «تجيب على سؤال كيف يمكن أن يتم السلام الاجتماعي على أرض الواقع؟».
وبخصوص العدالة، رأى أنها «تشمل مفاهيم المحاسبة للجناة على ارتكابهم جرائم وإصلاح الأجهزة العدلية، وأن يقف القتل والتعدي الذي يتعرض له الأبرياء في الشوارع الآن».
غير أنه أوضح أن «الجانب المهم في هذه الورشة يتعلق بتساوي الفرص في التنمية والخدمات لكل مواطن في السودان في كل أنحائه».
وتابع: «الحكم الشمولي على مدى ثلاثة عقود فشل فشلا كبيرا وقد أزالته الثورة الشعبية الشاملة في كل أنحاء البلاد» لافتاً إلى أن «عام الحكم الشمولي (الانقلاب) كذلك فشل، ودفع البلاد إلى حافة الهاوية».
وأكمل: «حسنا فعلت الأطراف السودانية بمن فيهم قادة السلطة الانقلابية بالتوافق على الاتفاق الإطاري بما يشمل من معاني الحكم المدني والإصلاح المؤسسي للدولة والاتفاق على ما يصلح السودان والسودانيين، بعيدا عن امتيازات النخب والأطراف الموقعة».
وأوضح أنه «يتضمن توسعة المشاركة بالمراحل التي تبدأ بمجموعات العمل، ومن ثم اتفاق الأطراف والدستور الانتقالي وتكوين أجهزة الحكم الانتقالي ومن ثم المؤتمر الدستوري، وختاماً بالانتخابات العامة الحرة بنهاية الفترة الانتقالية».
وقال: «نحن لا ندّعي تمثيل الثورة السودانية، ولكن لنا شرف التعبير عن مشروعها وبرنامجها بما يحفظ كرامة الوطن والمواطن ويحقق الإصلاح الداخلي للعملية الانتاجية والإصلاح المؤسسي ويفتح الباب للتعاون الدولي الحميد وينشئ مؤسسات مدنية وأجهزة نظامية مؤهلة لحماية الوطن والمواطن وحفظ كرامة المواطن السوداني».
«استراتيجية رصينة»
ورأى أن «الفترة الانتقالية قبل الانقلاب حققت إنجازات عديدة» لافتا إلى أن «استراتيجية مكافحة الفقر تعد من الجوانب الإيجابية التي تم الاتفاق عليها في مايو/ أيار 2021» والتي وصفها بأنها «استراتيجية رصينة ومدروسة وتعكس قدرات الخدمة المدنية السودانية، وهي أفضل وسيلة تعالج قضايا الفقر والإنتاج والإصلاح والعدالة الاجتماعية».
ورأى أنه «لا يمكن الاختلاف على الأولويات والقطاعات التي حددتها بتركيزها على صغار المنتجين والعملية الإنتاجية وعملية التعدين وإصلاحها وحماية حقوق المعدنين، وكذلك قضية الطرق لربط المنتجين بالأسواق وتوفير مياه الشرب النقية لكل مواطني السودان ومسألة إمداد البلاد بالكهرباء ومجانية الصحة والتعليم الأساسي وتوظيف الشباب والمرأة، بالإضافة إلى دعم القطاع الخاص» والذي قال إنه ضحية للتمكين والعزلة الدولية.
في هذا الجانب أشار إلى «تعريف القطاع الخاص وفق رؤية الحرية والتغيير، والذي يشمل صغار المنتجين في أصقاع البلاد المختلفة الذين لا يعرفون النظم الحديثة ولا الشركات، ولكنهم منتجون حقيقيون بجانب الشركات المتوسطة والصغيرة والكبيرة يقع عليهم ظلم كبير ويجب تحقيق العدالة بالخصوص».
ولفت إلى أن «القطاع الخاص السوداني قطاع وطني ساند الثورة وقضايا السودانيين في مراحلها المختلفة».
وستناقش الورشة، اليوم الجمعة، الاستراتيجيات الاقتصادية المقترحة والتي يمكن أن تتضمن العديد من الحلول للأزمات الاقتصادية الراهنة، وفق المهدي.
وفيما يتعلق بقضية مسار إعفاء الديون، أشار إلى أنه «تم الاتفاق عليها في يوليو/ تموز، 2021 في الفترة الانتقالية. كون السودان دولة مستحقة لإعفاء ديونه من ضمن 38 دولة أخرى، ولكن الحكم الشمولي أغلق الباب في وجه الاستفادة».
غير أن ثورة ديسمبر/ كانون الأول فتحت الباب لأنها حسب المهدي «أهلت السودان للتعاون مع المجتمع الدولي والاستفادة من الإعفاء للدول عالية المديونية».
كذلك يتضمن مسار إعفاء الديون، حسب قوله «إصلاح الشركات العامة والنظامية ومراجعتها عبر التقارير المالية المراجعة من قبل المراجع العام».
ورأى أن هذه جوانب «لا يمكن الاختلاف عليها من قبل أي إنسان حريص على مصلحة الوطن ومصلحة ومعيشة المواطن السوداني».
قوى الاتفاق الإطاري تضع تصورات اقتصادية للفترة الانتقالية
ورأى أن «النظام السابق استخدم مسألة الدعم السلعي لمنح سكان المدن والعاصمة امتيازات لحماية كرسي السلطة، وهذا كان الاعتبار الوحيد، ولم يكن برنامجا مدروسا لمساعدة المحتاجين» مضيفا: «هذا الدعم يحتاج لإعادة نظر، 80٪ منه يذهب لغير المستحقين، وبالتالي فيه عدم عدالة في التوزيع بين أهل السودان، ويجب أن تتحقق المساواة بين جميع أهل السودان في الاستفادة من كل مزايا البلاد التي تقدم».
وقال: «على سبيل المثال، قطاع الكهرباء، هناك إمداد جزئي والمناطق التي لا تصلها الكهرباء لا تملك حتى مياه شرب نقية. كيف نعيش في بلد واحد ووطن متماسك ونتحدث عن دعم شريحة ونترك شريحة أخرى لم تسمع بالكهرباء ومياه الشرب النقية؟ هذا لن يقيم وطنا واحدا ولا يحقق عدالة ويؤدي للتفكك وتهميش وحروب، ومسألة الإصلاح الاقتصادية المرحلية لأنها في سعر الصرف وليست في مساعدات الفقراء».
وقال: «تعاون معنا المجتمع الدولي في إعفاء الديون قبل الانقلاب الذي عطل علينا إعفاء 23 مليونا ونصف مليون دولار من جملة المديونية التي تجاوزت 60 مليون دولار».
وتابع: «كنا متجهين لنقطة الإنجاز التي كان يجب أن نصل لها في 2024 لولا أن قطع العسكر لهذا المسار».
وأكمل: نحث أن «تتبنى هذه الورشة مسار إعفاء هذه الديون بما فيها من إصلاحات وإعفاء للقروض والديون».
وأضاف: «هناك أربع دول هي محط أنظار العالم لزيادة انتاج الغذاء هي السودان، وهو على رأسها، والبرازيل واستراليا وكندا».
وتابع: «السودان يستغل فقط ربع أراضيه الصالحة للزراعة والتي تقدر بحوالى 40 مليون فدان، ومنظمة الفاو قالت إنه يمكن زيادة إنتاجية القطاع المروي في البلاد إلى ما بين نسبة 50 إلى 140 ٪».
على الرغم من هذه الإمكانات الضخمة، حسب المهدي «السودان يتلقى مساعدات من منظمة الغذاء العالمي التي تقول إن 12 مليون سوداني يحتاجون للإمداد بالغذاء وهذا الوضع لم يعد بالإمكان احتماله، وهو وضع مختل، لذلك لا بد من العمل لتحقيق الاستقرار والإصلاح والحكم المدني الديمقراطي المؤسسي».
وأشار إلى أنه «لا توجد إحصاءات لحجم التعدين الأهلي بشكل دقيق ولكن تقديرات الحد الأدنى 120 طنا في العام، والأعلى حوالى 200 طن. ما يصل الخزينة من عائد الصادر لا يتجاوز 30 طنا في العام والمتبقي كله يهرب وهذا هدر كبير لموارد البلاد ولا يمكن أن نمضي في هذا الطريق لذلك العملية الاصلاحية مهمة للغاية والحكم المدني مهم جدا لأنه يغلق كل أبواب الهدر لموارد البلاد».
هناك أيضا جانب يحفز البلاد للمضي في الحكم المدني والإصلاح المؤسسي، وفق المهدي، وهو وجود «تنافس دولي محموم يستهدف السودان وكل دول أفريقيا جنوب الصحراء للمواد الخام».
وأشار إلى أن «السودان لديه مزايا عديدة، أبرزها الموقع الاستراتيجي، وبالتالي لو أصلحنا فقط قطاع الذهب وأوقفنا الهدر والاستنزاف في هذا القطاع في فترة وجيزة جدا لن نحتاج أي مساعدة من أي جهة» موضحاً أن «الثورة السودانية هيأت الفرصة لتبني مشروع وطني يحقق الاستقرار والسلام والعدالة ويحفظ وحدة وتماسك البلاد».
المنتجون «مظلومون»
وقال المهدي إن «المنتجين السودانيين مظلومون ويعانون من الاهمال والتهميش ولا يحظون بأي نوع من أنواع التمويل العادل».
وأضاف: «تمويلهم يكون بمعادلات بالغة الاجحاف، صغار المزارعين يحصل 90٪ منهم على تمويل من أفراد وليس مؤسسات، وهذا يعرضهم لصيغ فيها إجحاف كبير. تصل الفائدة الملقاة على عاتقهم الى 200 ٪ وهذا ظلم ليس من بعده ظلم».
ويوم السبت، سيناقش المؤتمر الاقتصادي المقترحات حول إنشاء صندوق لتمويل صغار المنتجين في الولايات التي تضررت من النزاعات، وكذلك صندوق لكل ولايات السودان لإكمال مشاريع البنية التحتية والطرق وحصاد المياه وعبر توفير المدخلات للمنتجين.
وتابع: «هناك جانب سلبي متعلق بالدعم الدولي في هذه المرحلة، لجهة تدني إمكانات المجتمع الدولي نتيجة للأزمة الاقتصادية والتشدد فيما يلي الاصلاح بعد انتكاسة الانقلاب العسكري حتى لا تتكرر مرة أخرى».
أما الجانب الايجابي، حسب المهدي، فهو «قطع السودان الشوط الأهم في برامج التعاون قبل أن يقطع ذلك الانقلاب».
القدس العربي