مقالات، وأعمدة، وآراء

غريب ومُريب ومفضوح ..!

سفينة بَوْح

صحيفة الديموقراطي
هيثم الفضل  

إستماتة المكوِّن العسكري بمجلس السيادة في بذل الجهود الرامية لإستمرار مثول العراقيل التي تحول دون بناء الدولة الديموقراطية المدنية عبر شتى السُبل ، تجعل بعض (الأبرياء) يتسائلون عن الأسباب الدافعة لذلك إنطلاقاً من كون الوثيقة الدستورية التي تم التوافق والتوقيع عليها ، قد جزم جميع المراقبون وقت تحريرها إحتواء بنودها على الكثير من (التغوَّلات) على حقوق وسُلطات الشركاء المدنيين ، أما الإجابات وبالرغم من أنها لا تستند على دلائل ملموسة ومنظورة في الواقع السياسي المُرتبك الذي بات يحيط بمصالح البلاد والعباد مؤخَّراً ، فيمكن إستنباطها من واقع تسلسُل أحداث المُخطَّط الإنقلابي الذي يتم تنفيذه الآن ، والذي يُشير بوضوح إلى أن كل ما يحدث الآن من تواتُّر (غريب ومُريب ومفضوح) للأحداث المُفضية إلى إرباك الفترة الإنتقالية وإفشالها أو إجهاضها لتلد فأراً ، أصبح أمراُ مُستغرباُ ومُلفتاً للأنظار بالقدر الذي جعل عامة الناس يستغربون هذا الترتيب المُنظَّم للأحداث المؤسفة والمُحبطة التي أصبحت تترى كأنها مسرحية سمجة ورديئة الإخراج ، إنطلاقاً من سذاجة حبكتها التي لم تحترم عقلية الشعب السوداني بكل ما في جُعبته من وعي وإداراك لمطالبه الثورية الواضحة التي تقبل التأويل وفي مقدتها بناء دولته الديموقراطية المدنية.
(الأبرياء) لا أظنهم محتاجون إلى التساؤل مرةً أخرى إذا علموا وآمنوا بمبدأ مابُني على باطل فهو باطل ، إذ أن ثورة ديسمبر المجيدة كانت على ما يبدو نصف ثورة ولم تكتمل ، وقد رضي الشعب فيها بالسكون والهُدنة بعد مجزرة القيادة عبر إشارات أصدرتها قياداتهُ الثورية آنذاك تحثهُ وتدفعهُ دفعاً للقبول بأنصاف الحلول حقناً للدماء ، على أمل إستكمال مسيرة التحوُّل الديموقراطي إتكاءاًعلى التمنيَّات بنجاة الثورة والفترة الإنتقالية عبر إعمال (معالجات مستحيلة) تعتمد على المثالية و(الرومانسية السياسية)  لرأب تصدُّعات هذه الشراكة المعيبة شكلاً ومضموناً ، والتي لم يدع لها مستنقع الغدر المُستبطن منذ بدايتها سبيلاً للوصول إلى بر الأمان.
في البدايات كنا نظن أن العلاقة بين الفلول وبقية مُهدِّدات التحوُّل الديموقراطي وبين المكوِّن العسكري في السلطة الإنتقالية ستتلاشى وفقاً لتضاد المصالح تحت إفتراض أن القيادات العسكرية في المجلس السيادي قد تعلَّمت الدرس وعرفت وإستوثقت من الوجهة التي يقود إليها الشعب السوداني بلاده الحبيبة ، ولكن في النهايات وأقصد بالنهايات ما تبقى من أيام في عُمر رئاسة المكوِّن العسكري لمجلس السيادة ، أصبحت تلك العلاقة في تمّدَّد مُستمر ومُتناغم لا تردعهُ القيَّم الأخلاقية ولا روح الإنتماءات الوطنية ولا حتى هواجس الخوف على مصير البلاد والعباد من الفتن والإنقسامات ، فباتوا (يُجاهرون) بالعداء لإرادة هذا الشعب المارد الجبَّار ، عبر محاولات إخضاعه قسراً بالعوز والحاجة والمرض والتخويف للإستجابة لإبتزازاتهم مستخدمين أشواقه لمدنية الدولة كقُربان يتم التلويح بإغتياله كلما ضاقت بهم الدوائر، هل يتسائل العسكر بالمجلس السيادي لماذا يتهمهم الشعب السوداني بالتواطؤ مع الفلول عندما أُفتعلت الأزمات الخاصة بالخبز والوقود ، وعندما تشتعل أسعار العملات الأجنبية عقب كل مؤتمر صحفي تعقدهُ لجنة إزالة التمكين ، وعندما تؤرِّق الإنفلاتات الأمنية المواطنين في العاصمة والولايات المختلفة وعندما تتكاثر تصريحات رئيس ونائب رئيس مجلس السيادة حول فشل المكوِّن المدني وهو في أوج نجاحاته وإنجازاته الإقتصادية والعلائقية مع العالم الخارجي ، وعندما يطالب الناظر ترك بإلغاء مسار الشرق وتنَّحي الحكومة الإنتقالية وحل لجنة إزالة التمكين، وأخيراً عندما يتم إسدال الستار عن عروض لا يقبلها المُتَتبِّع الفطِن لتاريخ النشاطات المُتطرِّفة في السودان لتستهدف تسجيل إسم السودان في أذهان العالم بأنه دوله غير آمنه ومُدجَّجة بالدواعش ؟ ، هل ما يسعى إليه القائمين على كل تلك المؤامرات ضد الشعب السوداني تستحق ما يُهدر فيها من أرواح وموارد وإحباطات عامة ؟ ، ليتهم يعلمون أن النصر حتماً في النهاية لن يكون إلا لإرادة الشعب التي مهرها بأرواح الشهداء ودماء الجرحي وجلد الذين ما زالوا يقبضون على جمر القضية.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..