الحركة الإسلامية: تدافع التحديات وفشل المشروع الفكرى

الحركة الإسلامية: تدافع التحديات وفشل المشروع الفكرى

أحمد حسين أحمد:

الرؤية التجديدية للحركة الإسلامية التى برزت خلال الفترة الماضية وبشدة خلال هذه الفترة ومن ابرز قادتها وكذلك الطرق على قضية الاخلاق فى هذا الوقت بالذات ، امر محمود فى ظل التراجع والتوهان المخيف الذى ظل يكتنف حياتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية وعلاقاتنا الدولية خاصة ان الحركة انتدبت نفسها لامر التكليف للتصدى للقضايا الفكرية وقضية الحكم وتزكية المجتمع كما جاء على لسان ابرز قادتها خلال الاسبوع الماضى(مقال د.غازى صلاح الدين بصحيفة السودانى بتاري13/11/2012)، كان المؤمل ان ترسم الحركة الاسلامية طيلة عقدين من الزمان رؤية فكرية واخلاقية مستمدة من فكرنا الاسلامى يوجه مسيرة الحكم نحو المقاصد والغايات السامية ، يهتدى بها اهل الحكم وهم يقودون ذراعها الممسك بالسلطان وهو المؤتمر الوطنى لينزل رحمة وخيرا للمجتمع ، لكن تاهت الرؤية وانحسر المد الفكرى مع اشواق السلطة ومنافعها التى ضلت وسط زحام من سوء التدبير فسدت معه الذمم وانعدم الوازع الاخلاقى وتعمقت جذوة الاقصاء واحتكرت السلطة والثروة فى قلة ممسكة بمقاليد الامور كان عصى عليها ان تتنازل عن السلطة وتفسح المجال للآخرين بمزيد من الحريات وقبول الآخر ، الحرية والعدالة من ارفع القيم الاسلامية والاخلاقية التى توافقت عليها كل المبادئ والقيم الدينية السمحة ، كان ملفتا خلال مؤتمرها الثامن ان تم الطرق بقوة على مسألة الحرية ومبادىء الحركة وتنزيل تلك القيم للناس رحمة ورأفة بهم فى خطاب امين الحركة الاسلامية ابان الجلسة الافتتاحية لمؤتمرها الثامن الذى ينعقد هذه الايام ، يذهب فى ذات المعنى امير جماعة الاخوان المسلمين فى مصر الأستاذ محمد بديع ، الذى تباعد خطابه الفكرى كثيرا عن مسار الحركة الاسلامية السودانية وجاء مشبعا بقيم فكرية صادقة ورؤية واضحة المعالم لمنهج الحكم ورعاية امور العباد، كان تأثير ثورات الربيع العربى ذا دلالة بالغة فى الخطاب واكثر انفتاحا على المسارات الفكرية الاخرى فى العالم . ان ازمة الحركة الاسلامية السودانية ليس تجديدا فى منهجها وخطها الفكرى ، بل ارتباط الحكم ومؤسساته بها وهى مسئولة تماما عن مسار الحكم والدولة طيلة دوراتها السابقه تمد الحزب بالسياسات والاستراتيجيات فى كل مناحى الحكم وعلاقاتها الخارجية ، كذلك هى مسئولة عن كل الاخطاء التى صاحبت مسيرة الحكم ، واى فشل فى تنفيذ رؤيتها الفكرية نتيجة لعجزها وعدم توافقها مع السلطة هى مساءلة عن ذلك ، وقبل بضعة اشهر خلال هذا العام اعترف رئيس القطاع الفكرى والثقافى والاجتماعى بالمؤتمر الوطنى رئيس مجلس شورى الحركة بفشله وأعضاء القطاع فى تقديم افكار للجهاز التنفيذى وهذا الفشل ليس لعامين منصرمين بل لاكثر من عقدين من الزمان ، ومرد ذلك فى تقديرى الى غياب كامل لإعمال الفكر فى مجمل الحياة خاصة تصريف شئون الدولة وقضايا الحكم و عجز كامل فى رعاية احوال المجتمع .
ان فك الارتباط بين الحركة الاسلامية والحكومة وقضية التجديد هو ذر الرماد على الاعين ، باعتبار ان ما تتعرض له الدولة من ازمات فى مناحى كثيرة سياسية واقتصادية وعلاقاتها الخارجية هو اكبر من قدرة الحركة وحزبها السياسى ولذلك كان حتميا ان يخضع كليهما – من خلال مؤتمر الحركة الاسلامية الثامن -لعملية انعاش وتغيير فى الحراك العام يعطى قوة دفع تمهد لفترة اطول بآمال اكبر ، فضلا عن ان كامل عضوية المكتب القيادى للمؤتمر الوطنى هم اعضاء اساسيون فى الحركة الاسلامية وبالتالى فان غلبت السلطة على الرؤية الفكرية لايختلف اثنان حولها وهنا تضيع كل افكار ورؤى التجديد فى الحركة الاسلامية ، كما ان اشواق الحادبين على اصلاح وتجديد منهجها رغم تأثيرهم المحدود لا يغير فى علاقة الحركة بالحكومة بل قد يوجد تيار فكرى اقوى متوافق على رؤية تجديدية تكرس من حالة الانقسام داخل الجسم الواحد ويعمق من ازمات البلاد . ان السواد الاعظم من المجتمع السودانى لا يهمه من ياتى على رأس امانة الحركة ولا دستورها طالما ان ازمات البلاد تتعقد كل يوم ويخرج علينا ساسة كل همهم التكسب من السلطة وارضاء السلطان واهمال فى كل شئون الدولة حتى سياستنا الخارجية اضحت فى مهب الريح .
للأسف الشديد انه بعد عقدين من الزمان وجدت دولة تقود المجتمع وليس العكس الافتراض كان تأسيس نظام للحكم يقوم على فكر ورؤية توجه حركة المجتمع والدولة على نحو يحقق الغايات والأهداف السامية النابعة من عقيدتنا السمحة ، يقود هذا التوجه مجتمع مشبع بمبادىء الحرية والديمقراطية ، هو الذى يقوم بتوجيه مسار الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية لتحقيق غايات تحقق الخير العام لكل الناس وفق رؤى تعمق الاستقرار الاجتماعى والسياسى وتأمين البلاد من كل خطر وتحريك كل الامكانيات لرفاهية المجتمع بعدالة وانصاف ، يقوم على هذا التكليف من يضع المجتمع الثقة فيه وليس من ينتدب نفسه ليقوم بالتكليف وعند الفشل تزداد الرغبة بالإمساك بالسلطة والدفع بتجديد مرجعيتها لتأمين مسار جديد ، الامانة تقتضى انه عند الفشل يجب ان تتداعى كل المرجعيات فى المجتمع لتقويم مسيرة الحكم وإدارة الدولة على نحو يحفظ للبلاد عزتها وللإنسان كرامته وحريته.
الشاهد الآن ان البلاد تندفع مسرعة بلا فكر او منهج يوجه مسيرتها نحو الاصلاح السياسى والاقتصادى والاجتماعى الذى يؤمن استقرارها وقوتها ويحقق اجماعاً قومياً يرتكز على المشاركة السياسية المستحقة وفق استحقاق يلتف حول قيم العدالة والمساواة والحرية . لقد انسدت منافذ التفكير وقيم الخير بفعل الاحتكار والتكالب على حقوق الغير والاستقواء بالسلطة على حساب القيم والمبادئ ، وما عادت مؤسسات الدولة تعمل بنظم ومبادئ المؤسسية وحرية القرار وروح المبادرة بل برؤية آحادية ، الانسداد السياسى الحالى تعطلت معه الرؤية الفكرية للحكم وتراجعت معه سيادة وعزة البلاد . افيقوا لتحقيق مشروع وطنى عريض تتكامل فيه كل المرجعيات لتنزيل قيم الخير والعدل والرفاه لكل الناس.

الصحافة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..