مقالات وآراء

قراءة في كتاب : أطروحات ما بعد التنمية الاقتصادية : التنمية حريّة – محمود محمد طه وأمارتيا كومار سن (مقاربة) ، (2 – 15)

بدر موسي

تأليف عبد الله الفكي البشير- الناشر ط1: مركز أسبلتا للاستنارة والنشر، أيوا، الولايات المتحدة ، الموزع: دار الأجنحة للنشر والتوزيع ، الخرطوم.. ناشر الطبعة الثانية: دار بدوي للنشر، كونستانس ، ألمانيا ، 2022م

ماجستير برامج دعم التنمية في دول العالم الثالث (2000م) ، جامعة أيوا ، الولايات المتحدة .
يدرس حالياً في ماجستير التدريس والتعليم ، جامعة أيوا ، الولايات المتحدة .

البروفيسور علي عبد القادر : “هذا كتاب مذهل”
وطلب البروفيسور علي عبد القادر ، قائلاً : “أرى أن ينشر هذا الكتاب في السودان ، حتى يستفيد منه الناس وحتى يستفيد منه الشباب والحاكمين، وآمل أن تقام حوله حوارات ونقاش”.

قدم الكتاب مقارنة بين أفكار الأستاذ محمود محمد طه وآرائه تجاه التنمية مع أفكار المتخصصين وآرائهم ، فمثَّل نموذجاً فريداً لهذه المقارنة ، التي أبرزت و”تبرز امتياز الإسلام على كل فلسفة اجتماعية معاصرة ، وعلى كل دين ، بصورة تقنع العقول الذكيَّة”. قارن الكتاب بين أطروحة : التنمية حرية ، التي قدمها عالم الاقتصاد والفيلسوف الهندي أمارتيا كومار سن ، الحائز على جائزة نوبل في العلوم الاقتصادية عام 1998م ، وأستاذ الاقتصاد والفلسفة ، حالياً ، بجامعة هارفارد ، والتي جاءت ضمن كتاب له نُشر عام 1999م ، وبيَّن طرح الأستاذ محمود محمد طه ورؤيته تجاه التنمية والتي كانت سابقة ، وقد قدمها منذ خمسينات وستينات وسبعينات القرن الماضي ، ومثلَّت محوراً أساسياً في مشروعه الفكري : الفهم الجديد للإسلام/ الفكرة الجمهوري/ الفكرة الجمهورية ، وجاءت في العديد من كتبه ومقالاته وأحاديثه ، كما قام بتفصيل كل ذلك الدكتور عبد الله في كتابه المتميز والعجيب والمدهش.
وتزداد قيمة مقاربة الدكتور عبد الله الفكي البشير ، في أنها أظهرت المرجعية الفكرية لرؤية الأستاذ محمود محمد طه تجاه التنمية ، وهي القرآن في مستوى آيات الأصول (الآيات المكية). قدم الأستاذ محمود من خلال الفهم الجديد للإسلام ، وجهاً مشرقاً للإسلام ، في الوقت الذي يواجه فيه الإسلام والمسلمين التهم بالعجز والقصور والتخلف والتطرف ومحاربة التقدم والفهم باسم الله. وهذه التهم تجد سندها وتعزيزها في أخذ الإسلام عن جهل ، يقول الأستاذ محمود : “إن الإسلامَ سلاحٌ ذو حدين.. إذا أُخذ عن علمٍ ومعرفة رفع الناس إلى أوج الرفعة والإنسانية والرقي ، وإذا أُخذ عن جهلٍ ، ارتد بالناس إلى صورٍ من التخلفِ البشع ، الذي يحارب باسم الله كل مظهرٍ من مظاهر التقدم والفهم”. ولقد أوضح عبد الله في كتابه أن رؤية الأستاذ محمود تجاه التنمية تنطلق من دعوته لإرجاع الحياة إلى الله ، وأن منشأ العلوم في حاجة ماسة وضرورية للمزج بين العلم التجريبي المادي مع العلم التجريبي الروحي ، نسبة لوحدة الوجود ، وأن تعريف التعليم هو تمليك الحي للقدرة ، أي القدرة على تكيف الإنسان مع البيئة ، وأن عناصر البيئة هي المعلم المباشر ، بينما المعلم الأصلي هو الله ، وأن الحرية هي العبودية لله ، وأن سبب أزمة الأخلاق في العالم يتصل بالتخلف بين تقدم العلم التجريبي ، وتخلف الأخلاق البشرية ، وقد فصل عبدالله في كتابه كل ذلك تفصيلاً دقيقاً ومسدداً ، فقد كتب عبد الله ، قائلاً : “أرجع طه أزمة الأخلاق ،

التي أدت الى الاضطرابات التي يشهدها عالم اليوم ، إلى سبب أساسي، وهو مدى التخلف بين تقدم العلم التجريبي ، وتخلف الأخلاق البشرية”. وأضاف عبدالله ، قائلاً : يرى الأستاذ محمود بإن العلم التجريبي الحديث رد مظاهر المادة المختلفة ، التي تزخر بها العوالم جميعها ، إلى أصل واحد ، وأن البيئة التي يعيش فيها الإنسان هي بيئة روحية ذات مظهر مادي. هذا الاكتشاف الجديد ، كما يرى الأستاذ محمود ، يواجه الإنسان المعاصر بتحد حاسم ، فالعلم المادي التجريبي ، والعلم الروحي التجريبي ، التوحيدي ، اتحدا اليوم في الدلالة على وحدة الوجود. ولهذا ، كما يقول عبدالله مستشهداً بقول الأستاذ محمود : فإنه على الإنسان “أن يوائم بين حياته وبين بيئته هذه القديمة الجديدة ، وبهذه المواءمة والتناسق يكون الرجوع إلى الله بعقولنا ، بل وبكل كياننا ، حتى نحقق العبودية لله”.
عرض عبدالله كتابه على البروفيسور علي عبد القادر (1944م – 2022م) ، أستاذ اقتصاديات التنمية ، والخبير السوداني المعروف ، الذي عمل قائداً لبعض المؤسسات وفرق العمل التنموية، إقليمياً وعالمياً ، وذلك باقتراح من البروفيسور عصام البوشي. أطلع البروفيسور علي عبد القادر على الكتاب ، وناقش كل فصوله ومحاوره مع عبدالله ، فعبَّر عن اعجابه بالكتاب ، وبما جاء فيه من مقارنة علمية ، وبما اشتمل عليه من رؤية للأستاذ محمود تجاه التنمية. ثم وصف الكتاب، قائلاً : “هذا كتاب مذهل”. تبع ذلك أن حكى البروفيسور علي عبد القادر لعبدالله ، قائلاً : “لقد تحدثت مع بعض الأصدقاء عن الكتاب ، الذي تضمن رؤية محمود محمد طه تجاه التنمية ، فعبَّر أحدهم عن دهشته عن معرفة محمود محمد طه بالتنمية ، فرددت عليه ، قائلاً : إذا كان كل دارس يمكن أن يعرف تنمية ، هل من المعقول أن يكون محمود محمد طه لا يعرف تنمية”. وأضاف البروفسور علي عبد القادر ، قائلاً : “محمود محمد طه يعرف بدقة وعمق وشمول ، بينما نحن الذين لا نعرف”. كذلك كان البروفيسور علي عبد القادر حريصاً على أن ينشر الكتاب داخل السودان ، وليس خارجه ، حيث تحدث إلى عبد الله ، قائلاً : “أرى أن ينشر هذا الكتاب في السودان ، حتى يستفيد منه الناس وحتى يستفيد منه الشباب والحاكمين ، وآمل أن تقام حوله حوارات ونقاش”. واستجاب عبدالله من جانبه، لطلب البروفيسور علي عبدالقادر ، على الرغم من المعروض المقدمة لنشر الكتاب خارج السودان”.

كلما زاد العبد في التخضع لله كلما زادت حريته .

يقول عبدالله إن العبودية لله ، كما هي عند الأستاذ محمود ، “هي غاية الحرية وكلما زاد العبد في التخضع لله ، كلما زادت حريته”. وذكر عبد الله بأن الأستاذ محمود يقول: “بالعلم التجريبي لا نستطيع الرجوع إلى الله ، وإنما أسرع الطرق للرجوع لله يكون عن طريق الفكر ، النابت في البيئة الروحية”. وأضاف عبد الله بأن الفكر ، كما يرى الأستاذ محمود ، “أسرع من الضوء ، وبالطبع أسرع من الآلة التي ينجزها العلم التجريبي”. ولهذا ، كما أورد عبد الله ، يقول الأستاذ محمود : “إن قواعد الأخلاق البشرية إذا لم ترتفع إلى هذا المستوى فترد جميعها إلى أصل واحد ، الأصل الروحي ، كما ردت ظواهر الكون المادي إلى أصل واحد ، فإن التـواؤم بين البيئـة ، وبيـن الحيـاة البشرية ، سيظـل ناقصاً ، وسيبـقى الاضطراب الذي يعيشه عالم اليوم مهدداً الحياة الإنسانية على هذا الكوكب بالعجز ، والقصور ، في أول الأمر ، ثم بالفناء والدثور ، في آخر الأمر”.

نواصل في الحلقة القادمة.

 

[email protected]

‫2 تعليقات

  1. دي مقالة/ دراسة مقارنة Comparative، ما مقاربة approaching، لأنو مقاربة بتعني وضع مخطط/ إطار منهجي لدراسة موضوع معين واحد

  2. بلد مسكونة بالديانات والشرود.

    القائمة
    تسجيل الدخول
    ِAlrakoba Newpaper
    في زمن الصحابة والمسيح الدجال
    23 يوليو، 2012

    بسم الله الرحمن الرحيم

    في زمن الصحابة والمسيح الدجال

    محمد عبد المجيد أمين (عمر براق )
    [email][email protected][/email]

    بعكس ما يدعي بعضهم من صلابة الدين وقوة ” الأيمان ” في هذا البلد ، يصور تاريخنا المحلي مواقف ، أخشي شخصيا ، أنه لو خرج علينا للتو ” المسيح الدجال” ، فسيكون أول من يؤمن به ويتبعه الكثير من اهلنا ، بل ربما ، يكون الدجال نفسه ” ود بلد”!!.
    من المرجح أن أغلب مصادرنا وثقافتنا الدينية مستقاة من مرجعيات الرموز والطوائف الدينية والطرق الصوفية ومؤخرا ، من الجماعات والفرق الاسلامية وهي كلها – كما تنسب لنفسها- معابر لولوج الدين الصحيح ، حيث تعتمد علي ميكانيكا الاستقطاب سعيا لحشد أكبر قدر من المؤيدين. وبالرغم من أن كل منها يدعي حوزة الدين الصحيح وفي نفس الوقت ، لا يعترف بالآخر ، فإننا سنكون أمام مشهد هزلي مشوش ، حيث تكون الرسالة في واد وهؤلاء بزعمهم في واد آخر ، بينما يكون المواطن العادي المستهدف للاستقطاب ، بحسن نيته ، أو بحكم مصالحه الذاتية ، إما مشتت أومستلب الارادة ، بين العقلية الاقطاعية لهؤلاء وتلك الانتهازية ، الاقصائية لأولئك ، وإذ كان هناك ثمة حاجة لوحدة الدين والهدف ، فإنه سيكون من الصعب ، حسب ما نراه ،علي كل هذه الفرق ، أن تجتمع علي رأي واحد ، أو ترجح رأي علي الآخر لصالح وحدة الصف.
    نحن نسأل فقط كل أولئك الساسة الذين يحملون أفكارا دينية ويتشدقون بها دوما ، هل كل هذا الفساد الذي نراه من الدين في شئ؟!! الإجابة بالطبع ستكون… لا !!. إذن لماذا تسمحون ، بل وتعايشون وتمارسون كل هذا الفساد؟. أي دين هذا الذين تدعون إليه والذي بسببه قتل وشرد الكثير من الأبرياء المسلمين وغير المسلمين؟!.
    قبل أن نلج إلي عرض بعض النماذج ” المحيرة” في تاريخنا المعاصر ، لابد أن أذكر أن علماء التاريخ والاجتماع من الوطنيين ، حاولوا الاستعانة بمعايير النظريات الأوربية لتوثيق التطور الاجتماعي في المجتمع السوداني في خلال الفترة (1841-1881) ومنهم المغفور له الدكتور حمدناالله مصطفي حسن(1)* فوجدوا أن هذه المعايير لا يصلح تطبيقها في السودان نظرا إلي ” خصوصيته المتميزة” . فالسودان في نظرهم ، قد ضم قبائل عربية وأخري نوبية وبيجاوية وزنجية ، بالاضافة الي الأجانب الذين وفدوا من أنحاء العالم ، حيث أن لكل منهم خصائصه الثقافية وصفاته المتباينة ، الأمر الذي حدا بهم الي طرح المعايير الغربية جانبا ودراسة كل جماعة علي حدة. والمهم في هذه الدراسات أنها وصفت الجماعات المقيمة علي أرض السودان وصفا جيدا ، إلا أنها لم تركز علي العناصر التي تجمع هذه القبائل وتجعل منها دولة واحدة متجانسة متماسكة. ومع ذلك ، فقد تولي الاستعمار التركي ومن بعده الثنائي المصري الانجليزي مهمة تكوين وتوصيف الدولة السودانية في إطار من الحدود الجغرافية والهياكل الادارية- حسب مصالحه الاستعمارية- وعمل علي إلباسها لباس الدولة العصرية ولكن في ثوب قبلي طائفي لا يمكن الاقتراب منه أكثر من ذلك ، لا في ذلك الزمان ، ولا حتي الآن.
    في خلال تلك الفترة وما تلاها ظهرت حركات تمرد وطنية ، أرتكز جلها علي فكرة ” المهدية” أي المهدي المنتظر الذي يقارع غير المسلمين ويعيد للاسلام سيرته المزدهرة الأولي *2 /تاريخ الحركة الوطنية في السودان ، فنري علي سبيل المثال :
    1- تمرد علي عبد الكريم : إدعي بعد إنهزام المهدية أنه سيأتي المسيح من السماء ليقود المؤمنين الأنصار ضد أعداء المسيحية ومنهم البريطانيون ومن ثم يعود من جديد العصر الاسلامي السعيد .
    عرض علي عبد الكريم ومن معه علي محكمة مكونة من سلاطين باشا ونعوم شقير والبمباشي نيوول وقررت نفيهم إلي منطقة حلفا باعتبار أن دعوتهم تشكل خطرا علي الديانة الاسلامية وبناء علي تقرير لجنة مكونة من شيوخ مسلمين.
    2- تمرد ود حبوبة: من الموالين المخلصين للحركة المهدية قام بحركة تمرد في عام 1908 ، إذ ذكر أن ما يفعله ” هو لله وسيموت فداء لله ” وبالفعل قتل ود حبوبة ومن معه المأمور والمفتش وتم القبض عليه وأعدم فيما بعد بتهمتي التمرد والقتل.
    3- تمرد عبد الوهاب بجزيرة تنقاس : أحي الروح المهدية في عام 1908 وجمع ثلة من الاتباع وإتهم بالتمرد علي الحكومة.
    4- تمرد الشريف مختار : في عام 1910 أعلن الشريف مختار ود الشريف هاشم أنه النبي عيسي . تم القبض عليه وأعدم.
    5- تمرد الفكي نجم الدين : أعدم في عام 1910 لتعصبه الديني وإثارة الأهالي ضد الحكومة.
    6- الفكي مدني : من منطقة النيل الأبيض. أعلن في عام 1910 أنه النبي عيسي وتم القبض عليه.
    7- الفكي عكاشة أحمد : وهو من أتباع ود حبوبة . أعلن في عام 1912 أنه المهدي المنتظر. القي القبض عليه وأعدم.
    8- أحمد عمر (الفلاتي) : وهو من سوكوت بدارفور. أعلن في عام 1915 أنه النبي عيسي . تم القبض عليه وأعدم. سبقه أيضا من بني جلدته الفكي محمد الخزين من برنو. أعلن في عام 1902 بكردفان أنه المسيح المنتظر.
    9- محمد الحاج سانبو : من رجال الدين المتعصبين . جمع مجموعة من الهدندوة والفلاتة وهاجم قلعة كسلا.
    10-محمد السيد حامد : إبن أخت المهدي . أعلن في عام 1919 أنه النبي عيسي بمنطقة الفونج. القي القبض عليه وأعدم شنقا.
    قبل بضعة أشهر ، أطل علينا أحدهم معلنا أنه ” المسيح المنتظر” وقد قيل أن السلطات قد إستتابته فتاب ، والله أعلم .
    إن كل الذين ذكروا بعاليه ، خلطوا بين الجهاد وبين الزعم بالنبوة ومع ذلك صنفت حركاتهم كحركات تمرد وطنية ووفقا للثقافة الشعبية ، ربما عدوا أبطالا وطنيين في زمنهم.
    المشكلة المتكررة دوما علي مدار التاريخ المعاصر هو ظهور أفراد أو جماعات أو حتي قبائل ، تجعل من نفسها حامي حمي الدين ، تستقطب الناس وتنافس بهم الجماعات الأخري ، مستقية مصدر قوتها ، من توصيفات إيحائية كـأنصار، إخوان ، سلفية ،إسلامية ، أشراف وإذا أمعنا النظر في هذه التوصيفات سنجد أنها تعبر عن إختلاف الرؤي في دين ، قوامه التعاضد ووحدة الصف، يجمع الناس ولا يفرقهم. إنها نفس الطريقة المعهودة ، تبدأ دوما هكذا …شخص واحد يجمع الناس حول رؤية أو فكرة محددة ، ثم يحدث بعدئذ التشرذم!!.
    هنا في هذا البلد ، وبدون أي حياء أو غيرة ، يصبح دين الله ألعوبة وتجارة رابحة لكل من ينشد السلطة والثروة أو من كان به حمية الجاهلية ، أوحتي مريضا ، يري ما يشبه الدين من منظور متزمت ويزيد الطين بلة ، سطحية أغلب الناس وجهلهم بدينهم ، فينساقوا بارادتهم وراء دعوات كاذبة خاطئة.
    متعكم الله بالصحة والعافية كل أهلنا ونسأله تعالي أن يتقبل صلاتنا وصيامنا وقيامنا وأن يوحد قلوبنا جميعا علي طاعته ومحبته وأن يرفع من شأن بلدنا هذا وسائر بلاد المسلمين…آمين.
    المراجع :
    (1) التطور الاقتصادي والاجتماعي في السودان (1841-1881):
    دكتور حمدناالله مصطفي حسن.
    (2) تاريخ الحركة الوطنية في السودان 1900-1969
    بروفيسور محمد عمر بشير

    القائمة
    تسجيل الدخول
    ِAlrakoba Newpaper
    في زمن الصحابة والمسيح الدجال
    23 يوليو، 2012

    بسم الله الرحمن الرحيم

    في زمن الصحابة والمسيح الدجال

    محمد عبد المجيد أمين (عمر براق )
    [email][email protected][/email]

    بعكس ما يدعي بعضهم من صلابة الدين وقوة ” الأيمان ” في هذا البلد ، يصور تاريخنا المحلي مواقف ، أخشي شخصيا ، أنه لو خرج علينا للتو ” المسيح الدجال” ، فسيكون أول من يؤمن به ويتبعه الكثير من اهلنا ، بل ربما ، يكون الدجال نفسه ” ود بلد”!!.
    من المرجح أن أغلب مصادرنا وثقافتنا الدينية مستقاة من مرجعيات الرموز والطوائف الدينية والطرق الصوفية ومؤخرا ، من الجماعات والفرق الاسلامية وهي كلها – كما تنسب لنفسها- معابر لولوج الدين الصحيح ، حيث تعتمد علي ميكانيكا الاستقطاب سعيا لحشد أكبر قدر من المؤيدين. وبالرغم من أن كل منها يدعي حوزة الدين الصحيح وفي نفس الوقت ، لا يعترف بالآخر ، فإننا سنكون أمام مشهد هزلي مشوش ، حيث تكون الرسالة في واد وهؤلاء بزعمهم في واد آخر ، بينما يكون المواطن العادي المستهدف للاستقطاب ، بحسن نيته ، أو بحكم مصالحه الذاتية ، إما مشتت أومستلب الارادة ، بين العقلية الاقطاعية لهؤلاء وتلك الانتهازية ، الاقصائية لأولئك ، وإذ كان هناك ثمة حاجة لوحدة الدين والهدف ، فإنه سيكون من الصعب ، حسب ما نراه ،علي كل هذه الفرق ، أن تجتمع علي رأي واحد ، أو ترجح رأي علي الآخر لصالح وحدة الصف.
    نحن نسأل فقط كل أولئك الساسة الذين يحملون أفكارا دينية ويتشدقون بها دوما ، هل كل هذا الفساد الذي نراه من الدين في شئ؟!! الإجابة بالطبع ستكون… لا !!. إذن لماذا تسمحون ، بل وتعايشون وتمارسون كل هذا الفساد؟. أي دين هذا الذين تدعون إليه والذي بسببه قتل وشرد الكثير من الأبرياء المسلمين وغير المسلمين؟!.
    قبل أن نلج إلي عرض بعض النماذج ” المحيرة” في تاريخنا المعاصر ، لابد أن أذكر أن علماء التاريخ والاجتماع من الوطنيين ، حاولوا الاستعانة بمعايير النظريات الأوربية لتوثيق التطور الاجتماعي في المجتمع السوداني في خلال الفترة (1841-1881) ومنهم المغفور له الدكتور حمدناالله مصطفي حسن(1)* فوجدوا أن هذه المعايير لا يصلح تطبيقها في السودان نظرا إلي ” خصوصيته المتميزة” . فالسودان في نظرهم ، قد ضم قبائل عربية وأخري نوبية وبيجاوية وزنجية ، بالاضافة الي الأجانب الذين وفدوا من أنحاء العالم ، حيث أن لكل منهم خصائصه الثقافية وصفاته المتباينة ، الأمر الذي حدا بهم الي طرح المعايير الغربية جانبا ودراسة كل جماعة علي حدة. والمهم في هذه الدراسات أنها وصفت الجماعات المقيمة علي أرض السودان وصفا جيدا ، إلا أنها لم تركز علي العناصر التي تجمع هذه القبائل وتجعل منها دولة واحدة متجانسة متماسكة. ومع ذلك ، فقد تولي الاستعمار التركي ومن بعده الثنائي المصري الانجليزي مهمة تكوين وتوصيف الدولة السودانية في إطار من الحدود الجغرافية والهياكل الادارية- حسب مصالحه الاستعمارية- وعمل علي إلباسها لباس الدولة العصرية ولكن في ثوب قبلي طائفي لا يمكن الاقتراب منه أكثر من ذلك ، لا في ذلك الزمان ، ولا حتي الآن.
    في خلال تلك الفترة وما تلاها ظهرت حركات تمرد وطنية ، أرتكز جلها علي فكرة ” المهدية” أي المهدي المنتظر الذي يقارع غير المسلمين ويعيد للاسلام سيرته المزدهرة الأولي *2 /تاريخ الحركة الوطنية في السودان ، فنري علي سبيل المثال :
    1- تمرد علي عبد الكريم : إدعي بعد إنهزام المهدية أنه سيأتي المسيح من السماء ليقود المؤمنين الأنصار ضد أعداء المسيحية ومنهم البريطانيون ومن ثم يعود من جديد العصر الاسلامي السعيد .
    عرض علي عبد الكريم ومن معه علي محكمة مكونة من سلاطين باشا ونعوم شقير والبمباشي نيوول وقررت نفيهم إلي منطقة حلفا باعتبار أن دعوتهم تشكل خطرا علي الديانة الاسلامية وبناء علي تقرير لجنة مكونة من شيوخ مسلمين.
    2- تمرد ود حبوبة: من الموالين المخلصين للحركة المهدية قام بحركة تمرد في عام 1908 ، إذ ذكر أن ما يفعله ” هو لله وسيموت فداء لله ” وبالفعل قتل ود حبوبة ومن معه المأمور والمفتش وتم القبض عليه وأعدم فيما بعد بتهمتي التمرد والقتل.
    3- تمرد عبد الوهاب بجزيرة تنقاس : أحي الروح المهدية في عام 1908 وجمع ثلة من الاتباع وإتهم بالتمرد علي الحكومة.
    4- تمرد الشريف مختار : في عام 1910 أعلن الشريف مختار ود الشريف هاشم أنه النبي عيسي . تم القبض عليه وأعدم.
    5- تمرد الفكي نجم الدين : أعدم في عام 1910 لتعصبه الديني وإثارة الأهالي ضد الحكومة.
    6- الفكي مدني : من منطقة النيل الأبيض. أعلن في عام 1910 أنه النبي عيسي وتم القبض عليه.
    7- الفكي عكاشة أحمد : وهو من أتباع ود حبوبة . أعلن في عام 1912 أنه المهدي المنتظر. القي القبض عليه وأعدم.
    8- أحمد عمر (الفلاتي) : وهو من سوكوت بدارفور. أعلن في عام 1915 أنه النبي عيسي . تم القبض عليه وأعدم. سبقه أيضا من بني جلدته الفكي محمد الخزين من برنو. أعلن في عام 1902 بكردفان أنه المسيح المنتظر.
    9- محمد الحاج سانبو : من رجال الدين المتعصبين . جمع مجموعة من الهدندوة والفلاتة وهاجم قلعة كسلا.
    10-محمد السيد حامد : إبن أخت المهدي . أعلن في عام 1919 أنه النبي عيسي بمنطقة الفونج. القي القبض عليه وأعدم شنقا.
    قبل بضعة أشهر ، أطل علينا أحدهم معلنا أنه ” المسيح المنتظر” وقد قيل أن السلطات قد إستتابته فتاب ، والله أعلم .
    إن كل الذين ذكروا بعاليه ، خلطوا بين الجهاد وبين الزعم بالنبوة ومع ذلك صنفت حركاتهم كحركات تمرد وطنية ووفقا للثقافة الشعبية ، ربما عدوا أبطالا وطنيين في زمنهم.
    المشكلة المتكررة دوما علي مدار التاريخ المعاصر هو ظهور أفراد أو جماعات أو حتي قبائل ، تجعل من نفسها حامي حمي الدين ، تستقطب الناس وتنافس بهم الجماعات الأخري ، مستقية مصدر قوتها ، من توصيفات إيحائية كـأنصار، إخوان ، سلفية ،إسلامية ، أشراف وإذا أمعنا النظر في هذه التوصيفات سنجد أنها تعبر عن إختلاف الرؤي في دين ، قوامه التعاضد ووحدة الصف، يجمع الناس ولا يفرقهم. إنها نفس الطريقة المعهودة ، تبدأ دوما هكذا …شخص واحد يجمع الناس حول رؤية أو فكرة محددة ، ثم يحدث بعدئذ التشرذم!!.
    هنا في هذا البلد ، وبدون أي حياء أو غيرة ، يصبح دين الله ألعوبة وتجارة رابحة لكل من ينشد السلطة والثروة أو من كان به حمية الجاهلية ، أوحتي مريضا ، يري ما يشبه الدين من منظور متزمت ويزيد الطين بلة ، سطحية أغلب الناس وجهلهم بدينهم ، فينساقوا بارادتهم وراء دعوات كاذبة خاطئة.
    متعكم الله بالصحة والعافية كل أهلنا ونسأله تعالي أن يتقبل صلاتنا وصيامنا وقيامنا وأن يوحد قلوبنا جميعا علي طاعته ومحبته وأن يرفع من شأن بلدنا هذا وسائر بلاد المسلمين…آمين.
    المراجع :
    (1) التطور الاقتصادي والاجتماعي في السودان (1841-1881):
    دكتور حمدناالله مصطفي حسن.
    (2) تاريخ الحركة الوطنية في السودان 1900-1969
    بروفيسور محمد عمر بشير

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..