الشرط الأهم لبداية سودانية جديدة

فتحي البحيري

ذكرت تسريبات متطابقة أن حالة من التمرد والاحتجاج اعترت ضباط وقيادات أجهزة أمن النظام على خلفية الضغوط التي أجبرت رئيسه على إطلاق سراح بعض المعتقلين السياسيين. لا يجد المراقب أية صعوبة في تصديق وفهم كيف تحدث تصدعات مثل هذه في الظروف التي يمر بها النظام ولكن ليس من الحصافة “الفرح” بهذا التصدع الذي ربما يفجر المزيد من العنف والقمع في المرحلة “الحرجة” القادمة، تلك المرحلة التي خبر السودانيون أنها غالبا ما ستقود إلى تمديد عمر مأساتهم مع نظام لم يقدم لهم على مدى ربع قرن سوى الدمار والإبادة والترويع والتجويع.

تظل هذه الخبرة المؤلمة هي سيدة الموقف للأسف، على الرغم من تصاعد وتيرة الأمل في انفراج كبير بالحالة السودانية المحتقنة في الآونة الأخيرة باقتراب القوى الرئيسية في النظام والمعارضة من الوصول إلى تسوية ما برعاية أمبيكي. لاسيما أن أمبيكي يصر على تقديم مطالب ودعوات تقديم دعم اقتصادي للنظام ورفع عقوبات مالية عنه وتأخير إلغاء القوانين المقيدة للحريات وعلى رأسها قانون الأمن الوطني الذي ارتكبت بموجبه كل الفظاعات والمجازر والانتهاكات التي قادت إلى هذا الاحتقان. إذا كان من الضروري أن يسبق الحوار إجراءات بناء ثقة ما، فإن الأشد ضرورة هو تفكيك الأجهزة التي تمارس القمع والإرهاب على سائرالمواطنين بما فيها القوى السياسية المفترض فيها الجلوس للحوار وهي تشعر بحد أدنى من الأمان والثقة والحرية. ويكون ضحكا على الذات والذقون أي قبول بالدخول في هكذا حوار في ظل استمرار الأجهزة التي ما انفكت تعتقل المحاورين فور وصولهم مطار الخرطوم أو تمنع خروجهم عبره حتى.

استخدم مجلس الأمن والسلم بالاتحاد الأفريقي عبارة فضفاضة في هذه الصدد عندما طالب النظام بـ(اعتماد وتنفيذ الخطوات اللازمة لضمان الحريات السياسية وحرية النشر والتعبير) فالنظام لن يفهم بالطبع أنه لا يوجد ضمان للحريات السياسية أقل من إلغاء قانون جهاز الامن المعيب وتفكيك مؤسساته التي بنيت على احتراف التعذيب والتخريب وإفساد الحياة والحريات السياسية. وإذا لم تسفر جلسة محادثات “بناء الثقة” المزمع عقدها في مقر الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا للاتفاق على الخطوات الرئيسة الخاصة بانطلاق عملية الحوار عن التزام حقيقي وجاد بالغاء ذلك القانون وتفكيك تلك الأجهزة فإننا سنكون بكل تأكيد أمام “حوار” يهدف إلى حل مشكلات النظام وليس إلى حل مشكلات الشعب السوداني مع النظام .

الملاحظة القوية التي تعزز منطق هذا المقال هي أن اثنين من أهم القضايا ? على سبيل المثال ? لا سبيل مطلقا للدخول في حوار ما لم يتم حسمها وهما قضية إنفاذ العدالة فيما يتعلق بجرائم الحرب والإبادة الخاصة بالنزاع في دارفور وكردفان والنيل الأزرق وملف شهداء وضحايا انتفاضة سبتمبر. هذان العنوانان ليسا سوى قمة جبل الجليد لما يتعين البت فيه من الاف القضايا والملفات المتعلقة بالانتهاكات والتخريب المنظم الذي قادته أجهزة النظام الأمنية على مدى ربع قرن.

غني عن الذكرى أن الحديث هنا موجه للقوى الثورية المتحركة في الشارع أكثر من كونه موجها لأمبيكي أو للنظام ومحاوريه. المعيار الجوهري لاكتشاف علاقة هذه القوى بذلك الحوار هو هذا؛ مدى التزام عملية التحاور بهذا الشرط الأشد أهمية وضروة لانتاج بداية سودانية جديدة. شرط إلغاء قانون جهاز الأمن وتفكيك مؤسساته القمعية ومحاسبة المتورطين في جرائم القتل والإبادة . وهو ليس مجرد موضوع للبحث على مائدة التفاوض بقدر ما هو هدف جوهري للحراك الثوري اليومي، هذا الحراك الذي يتعين عليه أن يستثمر حالات التمرد والاحتجاج المتزايدة في أروقة الأجهزة الأمنية ليس لأجل إنجاز مهمة إسقاط النظام وحسب وإنما للنأي بهذه الحالات من أن تقود لمزيد من العنف والقمع. غني عن الذكرى أيضا أن المتحتم الآن ضمن هذا الحراك الثوري هو انطلاق برنامج ثوري سلمي مخطط له بعناية يحتوي على فعاليات متزامنة في كل أقاليم السودان بخطاب سياسي موحد وموجهات محددة تدفع عربة أي حوار للانطلاق بشكل أكثر سرعة وسلاسة نحو محطته الوحيدة المنطقية والمجدية، تفكيك النظام السياسي المنتهية صلاحيته والشروع في بداية سودانية تستهدف تحقيقا باذخا وملموسا لشعار (حرية سلام وعدالة والثورة خيار الشعب)

هذا البرنامج الثوري الواجب التخطيط له الآن أو في أي لحظة قادمة، هو بكل تأكيد أقل كلفة سياسية ولوجستية بكثير جدا من كل الخيارات الأخرى بما فيها التوغل في دهاليز حوار لا يحتوي هذا الشرط الأهم، وبما فيها الامتناع عن المشاركة في هكذا حوار، وبما فيها المشاركة في انتخابات مزورة سلفا أو مقاطعتها، بمعنى أنه لا يضير القوى المختلفة حول الدخول في الحوار أو المشاركة في الانتخابات المزورة سلفا أن تتفق على هذا البرنامج الثوري السلمي والتنسيق لإنفاذه. هذا هو الصحيح الواجب الممكن في تقديري المتواضع. والله من وراء القصد وهو الهادي سواء السبيل.
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. إلغاء قانون جهاز الأمن وتفكيك مؤسساته القمعية ومحاسبة المتورطين في جرائم القتل والإبادة >

    الشروط التي سقتها ومن ضمنها المقتبس أعلاه لا تأتي بالتفاوض بل تأتي بالقوة وأخذ الحقوق عنوةً . أنت عايز الحكومة تقول ليك تعال فككني وحاكمني ؟! ده كلام شنو دة .

  2. يابحيرى البدلة والنيو لوك عشان الوظيفه الجديدة كنا نحترم كتاباتك لامن كانت من ابده وبي نفس وروح البحيرى المعلم المكافح خسسسسساااااااااااره

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..