أخبار السودان

الإنتخابات والإنطباخات …. صلاح جلال

الإنتخابات آلية ديمقراطية، للتداول السلمى للسلطة، فى الدولة والمجتمع، تلزمها بيئة متكاملة، دستورية وقانونية، شرطها الأساسى الحرية، للأحزاب، والصحافة وحيادية مؤسسات الدولة، وسيادة حكم القانون، فى غير هذه البيئة، لاتكون الإنتخابات ذات مصداقية، فى التعبير عن الرأى العام فى الدولة، فتصبح إنطباخات، تعبر عن مطبخ القوى المسيطرة، ورغباتها، وتوجهاتها، التى تدفع فى إتجاهها، هنا تسقط عن الإنتخابات، صفة الآلية النزاهه، للتداول السلمى للسلطة، تكون نتيجتها، إستمرار الحالة الإنقلابية على رأى الشعب.

الديكتاتورية ليست بالضرورة، مجلس عسكرى حاكم، أو مؤسسات، تنتجها قوة خفية فى الدولة، يمكن أن يقوم نظام ديكتاتورى كامل الدسم، فى ظل ديمقراطية شكلية تحكم من خلال حزب شمولى، يجمع عجائب الكون، نصفه من ثلج والنصف الآخر من نار، فى نصفه الثلجى يجمع القوات النظامية، والأجهزة الأمنية، وكل مؤسسات تنفيذ القانون، وفى نصفه النارى، السيطرة على كل ثروة المجتمع، و إعلامة، ويخلق نخبة تدور فى فلكة وتعبر عنه فى الفضاء المدنى، فهو آلية إحتلال كامل، لفضاء الدولة والمجتمع، يمكن لمثل هذا الحزب المهيمن، أن يخلق مجموعة أحزاب زينة للمحافظة على الشكل الديمقراطى للحكم، مع نزع المضمون ، ولكنها أحزاب، كنباتات الظل، بلا وظيفة أو ثمرة، وتكون عبارة عن، شاهد زور، على جرائم الحزب المسيطر.

الإنقلاب الأول على الديمقراطية، بقيادة الفريق إبراهيم عبود عليه رحمة الله، حاول خلق مؤسسات ديمقراطية شكلية منتخبة، ففى عام 1962أجاز قانون للحكم المحلى وفى العام 1963أجاز قانون المجلس المركزى، كجهاز تشريعى منتخب، للتعبير عن الشعب فى الحكم،رفضت الأحزاب الأمة والوطنى الإتحادى، إنتخابات المجلس المركزى، و أعتبرتها عبث بإسم الديمقراطية ، بينما أيدها حزب الشعب الديمقراطى(الختمية)، والحزب الشيوعى السودانى، الذى جاء موقفة مفاجئاً للمراقبين خاصة بعد زيارة الرئيس السوفيتى برجنيف للسودان، لم ينجح أحد من الشيوعيين، الذين شاركوا فى تلك الإنتخابات، فقد إنتقد الحزب الشيوعى هذه التجربة، و أعتبرها فاشلة فى عدة وثائق، آخرها مقال للمرحوم التجانى الطيب فى العام 1993 تحت عنوان وثيقة الإعتراف بالخطأ، كيف ولماذا ؟

النظام الديكتاتورى الثانى، بقيادة جعفر نميرى رحمه الله، حاول أن يقرأ من نفس الصفحة، الإستهبال بإسم الديمقراطية، لإستمرار الشمولية،أقام دستور للجمهورية، ومن ثم أسس الإتحاد الإشتراكى العظيم، كحزب وحيد فى الدولة،على ذات الصيغة نصف من ثلج والآخر من نار، فكانت الإنتخابات المفبركة،هى عنوان تلك المرحلة بعد المصالحة الوطنية فى العام 1978، حاول النظام الإعتراف بتعدد المنابر، داخل الإتحاد الإشتراكى، فكانت إنتخابات مجلس الشعب، التى شارك فيها حزب الأمة بكل هيلمانه، لم يحصل على أكثر من ستة أو سبعة مقاعد لا أذكر تحديداً ، وأنتهت كواحدة من التجارب الفاشلة، لإجراء الإنتخابات فى غير بيئتها، فى ظل نظام شمولى مسيطر

النظام الديكتاتورى الثالث فى البلاد، بقيادة العميد عمر حسن البشير، سار على ذات النهج، والمذاكرة من ذات كتاب الغش والخديعه، فخلق تقليعة التوالى السياسي، وهى أقرب للإتحاد الإشتراكى، تم تأسيس برلمان مزيف، لتزيين وجه الحكم الشمولى،ثم ماسماه مرحلة الحريات،بتأسيس حزب المؤتمر الوطنى، فهو من ذات طينة الشمولية، نصفه من ثلج والآخر من نار، وتوالت الإنتخابات الإنقاذية المفبركة،حتى وصلنا ليرلمان نيفاشا، الذى شاركت فيه الحركة الشعبية والتجمع الوطنى الديمقراطى، فيما عدا حزب الأمة الذى رفض المشاركة، هذه التجربة تضاف لسجل الفشل، فى خلق برلمان ديمقراطى، يفتح الطريق، لـتأسيس دولة المواطنة والحقوق، بل فى ظل ذاك البرلمان، تمت إجازة قانون الأمن الوطنى وهو القانون الأسوأ فى تاريخ الإنقاذ.

فى إطار هذه الفذلكة التاريخية، لتلاعب الشمولية باسم الإنتخابات، طرحت حكومة الإنقاذ ذات الفكرة إنتخابات فى العام 2020، الذى يعنينا تزامن هذا الطرح، مع ورقة طرحها، القائد مالك عقار رئيس الحركة الشعبية شمال، حقيقة أنها ورقة شاملة لعدة مواضيع جيدة ومهمة، وطرح موضوع الإنتخابات، والمشاركة فيه، من قوى المعارضة، من منظور نضالى، بمعنى، أن تلاعب الأحزاب الديكتاتورية بآلياتها، وتلبس لها فراء الضأن، وتدخل وسط القطيع، ومن ثم تنقلب عليه، من خلال التعبئة والثورة الشعبية، أعتقد أنه ذات المنظور، الذى طرحه الحزب الشيوعى فى العام 1963 إنتخابات المجلس المركزى، المهم تداعت الفكرة بين مؤيد لها ومعارض، وكان رأىٌ أنها فكرة خلافية، يجب أن تترك للجنة من قوى المعارضة لدراستها بهدوء خاصة أن أمر الإنتخابات مازال أمامه عامين.

نظام الإنقاذ وصحفه، تلقف من ورقة القائد مالك فقط،( ويل للمصلين )، المشاركة فى الإنتخابات، الهدف من ذلك ، الأول لعلمهم أن هذا الموضوع لن يكون عليه إجماع بين قوى المعارضة، وهذا محمده،لإظهار المعارضة بمظهر الإنقسام والتشتت، ثانيا النظام يرغب فى إلهاء القوى السياسية،من الأزمات العميقة والهامة التى يمر بها النظام، الأزمة الإقتصادية التى بلغت مستوى لايمكن تحمله، لعدم قدرة المواطن على شراء الطعام والعلاج، وتدهور الوضع الأمنى فى دارفور، والأهم إثارة موضوع الإنتخابات، لتمرير تعديل دستورى، يسمح للبشير الترشح لدورة رئاسية خامسة، إستلهاما للتاريخ، وإدراكاً لقضايا الواقع الراهن، يجب على قوى المعارضة، تشكيل لجنة، تعمل على دراسة الخيارات، فى موضوع الإنتخابات، والخروج برأى موحد للرأى العام، ولا عجلة فى ذلك، وعليها الآن التوحد لمواجهة الأزمة الشاملة التى تواجة المواطنين، فى معاشهم و أمنهم، والتقدم بتصورات لمواجهة هذه التحديات، أمام نظام المواطن ليس من أولوياته.

ختامه
ننصح النظام و مشايعيه وشهود الزور، الإطلاع على كتاب الإستبداد ومصارع الإستعباد، للعلامة عبدالرحمن الكواكبى، ليعلموا أن الشعب صاحى، ويدرك هذه الألاعيب، الإنتخابات بيئة متكاملة دستور وقانون ومؤسسات، المطر اللين من رشاشة بيَن، وقفوا مصادرة الصحف، بعدين نشوف موضوع الإنتخابات .
صلاح جلال
[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..