إزدواجية القيم و أُكذوبة الصـدق

هنالك قيم تهتكت من حال الإزدواجية و التناقض حتى ضاع معناها الحقيقي و إهتزت قيمتها الراسخة. نطالب بها ولا نطبقها بل نحن للضد أقرب.
الصدق مبدأ إنساني أخلاقي تنادي به الشرائع و الديانات و كل الموروثات الأخلاقية ولكن حين خروجه من عالم الخطب و الرسائل الأخلاقية الى الواقع و الحياة يتحول الى أكذوبة كبرى يمارسها المجتمع.
يتحدث المتحدث و يمجد الصدق و هو في ذاته كاذب. ينتقد غيره و ينهال عليه بالإتهامات و لا تخلو إتهاماته من كذبة لتقوية الحجة و إثبات صفة الكذب على الآخر.
يوبخ الوالد إبنه على الكذب و في موقف آخر يطلب منه أن يكذب. كيف تستقيم التربية و تثبت القيمة و نحن نرسخ لاهتزازها كمثل أعلى لأطفالنا؟! “قول له ابوي نايم” عبارة يرددها الأباء لأبنائهم في حال التهرب من زائر غير مرغوب فيه. بل و يسمع الطفل والدته وهي تحادث صديقاتها و تسرد قصصاً و أكاذيباً يعجز ذهنه عن الفكاك من أثارها هذا غير الأعذار المختلقة للتخلص من ورطة ما و الطفل أول شاهد على إختلاق الكذبة و إختلاف الحقيقة عن الواقع.
ولى الأمر في المدرسة يكذب أمام طفله لينجو من عتاب الأستاذ على التأخير عن مواعيد المدرسة أو عن الغياب غير المبرر.
نحن ندرب أبناءنا على الكذب أكثر مما ندربهم على الصدق. و يكبر الطفل و تكبر معه الإزدواجية. يكذب على رئيسه في العمل لينعم بإجازة سنوية أو يوم راحة أو تسوق، و في المقابل يغضب حين يكذب المدير متحججاً في حال تأخير علاوة أو ترقية. يكذب على زملائه ليمتِّع نفسه بدهشة تعلو وجههم من فرط الإعجاب. يكذب على حبيبته لينال رضاها و قلبها و نظرة حب. يكذب على مجتمعه ليبدو ناجحاً مبهراً في أفعاله. يكذب على ذاته موهماً نفسه بانه لا يكذب.
و تدور الدورة ويعاقب هو ذاته أطفاله على الكذب و هم في حيرة واضحة عن معنى الصدق و متى يكون الكذب عند الكبار لا كذب؟!
للأسف هنالك ممارسات ترسخ الكذب؛ نحن نرفض أن نسمع الآخر أو نتفهم مقاصده فيضطر أن يكذب. نمارس القهر و فرض الأراء. نسئ الظن و نلوح بالعقاب قبل فهم الحدث و استيعاب المسبّبات. نرفض حق الآخر في التعبير وفي الإختيار. يمارس القوى جريمة التسلط و الترهيب على الضعيف فكيف ينجو من قهره دون كذب؟ كل شئ في سلوكياتنا محفز للكذب.
أما الكارثة العظمي؛ من سيتحرى الصدق وهو يعلم أن الكذب يزينه و يلمعه و يجعل منه بطلاً في مجتمع يمجد الكذابين و المدّعين و هو أعلم بكذبهم و ادعائهم و ادرى بأساليبهم المضللة.
من المؤسف أن الناس يتباهون بقيم يفتقدونها في ممارساتهم الواقعية. يقومون بافعالٍ لو قام بها آخر لضاقت الأرض بما رحبت لكنها تتسع لإسقاطاتهم، و هنا تتحقق الإزدواجية و تختلط المفاهيم و النتيجة “مجتمع جايط”.

نقطة ضــوء:

خُـذوا آبارَكُمْ عَنّي
.خُـذوا النّار الّتي مُتُّمْ بِها مِن شِدَّةِ البَـرْد ِ!
خُـذوا أنهارَكُمْ عَنّي .. خُـذوا الدَّمْعَ الذّي يَجري كسكّينٍ على خَـدّي .
خُذوا الأضواءَ والضّوضاءَ عَن عَيني وَعَن أُذُني ..
أَنَا ابنُ الغَيمِ .. لي مِن دُونِكُمْ بَرقي وَلي رَعْدي .
قِفـُوا ضِـدّي ..
كَفاني أنّني لم أنتزِعْ مِن قَبلِكُمْ جِلدي .
وأنّي لم أَبعْني، مِثلَكُمْ ، في ساعةِ الجِدِّ .
كَفاني بَعدَكمْ أنّي بَقيتَُ ، كما أنا ، عِنْـدي . فَماذا عِندَكُمْ بَعْـدي

نافذة للضــوء
أخبار اليوم

[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..