ثورة أكتوبر.. جدل لا ينقطع ولحن لا يصدأ

متابعة:محمد داؤود
في مثل هذا اليوم، قبل 53 عاماً، نجح الشعب السوداني في إسقاط أول حكومة عسكرية حكمت البلاد في الفترة من نوفمبر 58 وحتى 21 أكتوبر 1964، وكان يرأسها الفريق إبراهيم عبود، الحدث كان غير مسبوق في المنطقتين العربية والأفريقية، لذلك يطلق على ثورة أكتوبر (أعظم ثورة) في المنطقة. ففي مساء يوم الأربعاء 21 أكتوبر من العام 1964، رفضت حكومة الرئيس عبود عقد ندوة عن مشكلة جنوب السودان التي كانت قد تفاقمت وقتذاك بسبب سياسة القوة التي تبنتها الحكومة للقضاء على التمرد، وحاصرت قوة من الشرطة الحرم الجامعي قبل أن تفض الندوة بالقوة، وحدث صدام عنيف بين الشرطة والطلبة، وأطلقت الشرطة أعيرة نارية حية لتصيب الطالب أحمد طه القرشي في رأسه، ليتوفى بعد ذلك، وكانت وفاته التي انتشر خبرها الشرارة التي انتهت بسقوط حكومة الفريق إبراهيم عبود بعد تقديمه لاستقالته وانسحابه من الحياة السياسية، لتقود البلاد حكومة انتقالية برئاسة سر الختم الخليفة لمدة عام، بعد ذلك أجريت انتخابات أسفرت عن حكومة منتخبة برئاسة إسماعيل الأزهري. أكتوبر الثورة، اختلف الناس حول من أوقد شرارتها لكنهم متفقون في أنها أعظم ثورة في المنطقة المحيطة بالسودان، ولم تماثلها إلا ثورة أخرى أشعلها شعب السودان، وهي الانتفاضة التي أسقطت نظام جعفر النميري في أبريل 1985، ومن ذلك لم يعرف محيط السودان ثورات حتى جاء (الربيع العربي) الذي لم تكتمل فصوله بعد. في هذا الاستطلاع يتحدث محللون وشهود عيان وممثلون لكيانات وأفكار سياسية حول ثورة أكتوبر، وهل كانت تحمل بذرة البقاء أم أن نتائجها التي عاشها ويعيشها السودان حتمية؟ ١/أكتوبر.. ثورة لم تكتمل
يقول الكاتب الصحفي محجوب محمد صالح إن شعارات أكتوبر المرفوعة كانت تبشر بمشروع وطني جديد يعيد تأسيس دولة الاستقلال، إذ أنها لم تندلع لكي تعيد إنتاج الأزمة وتستعيض عن حكام يلبسون الكاكي بالآخرين في أزياء مدنية ونخب تتصارع حول المناصب مثل ما كان يحدث قبل الانقلاب، إلا أن ذلك لم يتحقق لأن مفاهيم الديمقراطية لم تسد وتترسّخ مما أدى إلى التفريط في الإنجاز الأكتوبري وبعده إنجاز أبريل 1985. ويضيف محجوب: التحدي الذي يواجه السودانيين اليوم ليس بالأمر السهل، إذ أن الدولة تقف الآن على شفا الدولة الفاشلة في وطن يتآكل من أطرافه وتحيط به الأزمات من كل جانب وتهدده بالانهيار والتشظي. ٢/الثورة الشعبوفي رأي الكاتب حسن موسى.. فإن ثورة أكتوبر ثورة (طليعية ورائدة للحداثة السودانية)، لأنها قامت على أكتاف طلائع المتعلمين الذين وضعوا نصب أعينهم تعليم شعبهم وتوعيته، وأن تجربة أكتوبر خلفت وراءها مكسباً رئيسياً لا ينتبه له المراقبون كثيراً، وهو أن الناس لمسوا مفهوم الشعب لمس اليد، فالشعب فاعل والشعب يريد والشعب يخرج في الفضاء العام لتحقيق إرادته ويدفع في سبيل ذلك الغالي والنفيس، ثم يعود غانماً ويجري الانتخابات ويختار ممثليه في البرلمان وينازع (السادة) في ندية سياسية مفعمة بالتفاؤل والأمل في غدٍ مشرق.
أما النور حمد فيقول في ورقته عن ثورة أكتوبر (من الأيقونة إلى منضدة التشريح): إن انتكاسات الحياة السودانية بعد أكتوبر أبقت الأمل حياً في صدور قطاع كبير من السودانيين بعودتها، إلا أن ثورة أكتوبر في رأيه لم تحدث تحولاً جوهرياً أو إنجازاً ذا بال. ٣/تحولات جذرية: ويتفق مع حسن موسى الراحل محمد علي جادين في مبحث له عن أكتوبر حمل عنوان (ثورة أكتوبر وتحولات الخريطة الحزبية والسياسية)، حيث يقول إن ثورة أكتوبر تمثل حدثاً تاريخياً في مجرى حركة التطور الوطني، جنباً لجنب مع الأحداث الكبرى التي شكلت السودان الحديث، مثل الثورة المهدية، معركة كرري 1898، ثورة 1924، حركة مؤتمر الخريجين، ظهور الأحزاب وتحقيق الاستقلال في مطلع عام 1956.ويشير في مبحثه إلى تغيرات الخارطة الحزبية والسياسية نتيجة للسياسات والإجراءات التي اتبعها الحكم العسكري والتي أدت إلى صعود صفوة سياسية، اقتصادية واجتماعية جديدة تختلف عن صفوة القوى المهيمنة التقليدية، وبسببها ? حسب قوله ? حدثت تحولات في الأحزاب التقليدية والعقائدية والحركات الإقليمية في الشمال وتطورات الحركة الإقليمية الجنوبية وصولاً إلى ثورة أكتوبر والقوى الجديدة والصاعدة المسيطرة على الحكومة الانتقالية. ويرى جادين أن القوى آنفة الذكر، لم يكن لها برنامج سياسي محدد وواضح وإنما كانت تعتمد على الشعارات العامة، (تطورات ثورة أكتوبر والقوى الجديدة التي قادتها، والصعوبات التي واجهتها، تشير إلى أنها كانت حدثاً مهماً في مجرى حركة التطور الوطني، وأنها تركت آثارها واضحة في خارطة التركيبة الحزبية والسياسية وفي مجرى السياسة السودانية).
وفي كتابه (خمسون عاماً على ثورة أكتوبر) يقول الكاتب الصحفي تاج السر مكي يحكي بوصفه شاهد عيان إن الثورة ملك للجميع، ولا مجال لجهة أن تدعي أنها مالكة لثورة أكتوبر، يقول: (خرج موكب من جامعة الخرطوم شارك فيه العديد من الناس وذهب الموكب والذي عُرف بموكب القصر، وضُرب فيه المتظاهرون واستشهد بعض الناس وأذكر جيداً عندما تحركنا تجاه المستشفى لمعرفة ما جرى، احتشد الناس أمام المشرحة وكانوا يتفحصون أدراج المشرحة لمعرفة ذويهم المفقودين، جاءت فتاة تبحث عن شقيقها داخل أدراج المشرحة وفجأة صرخت عندما شاهدت جثمان شقيقها وفي التو جاءت أمها في تلك اللحظة وقالت لها هذا لا يُبكى عليه، إنما يُؤخذ حقه، وشرعت الأم بالهتاف في نفس اللحظة إلى القصر حتى النصر، ومنذ تلك اللحظة أصبح ذلك الهتاف شعاراً. لا أعرف من تلك هي السيدة الجسورة ولكن أذكر جيداً بعد هتافها ما كان من رجال البوليس الذين تواجدوا أمام المشرحة إلا وأن نكّسوا بنادقهم ورفعوا قبعاتهم وانضموا للتظاهرة).
٤/أكتوبر اليوم وفي استطلاع وسط طلاب جامعة النيلين، كانت بداية الاستطلاع مع محمد النور – طالب بكلية القانون جامعة النيلين، والذي قال لآخر لحظة: إن ثورة أكتوبر لها نكهة خاصة، لكونها الثورة التي توافقت فيها القوى السياسية وكان وقودها الطلاب، وغالبية شهدائها كانوا طلاباً، موضحاً أن الذكرى لا تمر دون الاحتفاء باستشهاد أيقونة الثورة الشهيد القرشي، مترحماً على أرواح شهداء الحركة الطلابية ومتمنياً أن تكون ذكراها جرس إنذار لكل القوى السياسية السودانية بضرورة الجدية في تحقيق السلام والعدل والديمقراطية. على القرب من عثمان، كانت زميلته لينا الطيّب والتي أوضحت رأيها بالقول: إنهم كطلاب سيحتفلون بطريقتهم الخاصة بثورة أكتوبر، وسيكون الاحتفال بشهداء الحركة الطلابية الذين أشعلوا شرارة الثورة، ويكون الاحتفال في شكل أركان نقاش ومنتديات يتم فيها استصحاب سيرة شهداء الثورة حتى لا ينسى الطلاب نضالاتهم، موضحة أن الطلاب الذين سبقوهم في الدراسة كرسوا لهم ذكرى أكتوبر وعلموهم بأن لا تمر عليهم دون الاحتفاء بها علها تعود يوماً.
لوحت مودعاً لينا، فإذا بالطالبة هدى أحمد تطلب مني أن تقول رأيها، لكنها تريد أن تعرف الموضوع، وعندما عرفت أن الاستطلاع يخص ثورة أكتوبر، قالت إنها لا ترى فرقاً بين أكتوبر وديسمبر، وقال رفيقها أحمد ساحباً رفيقته بعيداً عني.. (الموضوع ده حنك سياسيين.. دا ما بنفع معانا ونحن ما ناس سياسة لا أكتوبر ولا بطيخ).
آخر لحظة.