نذر أزمة في الطريق: سوق بشائر بضاحية مايو.. إخلاء وإحلال

الخرطوم ـ عرفة وداعة الله ـ أبوذر على
أزمة جديدة في طريقها للانفجار جنوبي الخرطوم، سببها سوق بشائر بضاحية مايو، وبشائر سوق قائم منذ 1996، ممتد في مساحة شاسعة من الأرض، يحتوي على أكثر من “4000” محل تجاري، وإن كانت غالبية المحلات صغيرة ومشادة بالزنك والمواد المحلية إلا أنك تجد فيها كل شيء، الأواني المنزلية والملابس والحلي النسائية والهواتف النقالة وصالونات التجميل للرجال والنساء والتوابل واللحوم ومواد البناء، وكل ذلك بأسعار تتناسب مع أهل المنطقة، إن كنت ذاهبا إلى ذاك السوق فعليك أن تبلغ نهاية شارع المطار ومن ثم تذهب مع طريق الأسفلت حتى سوق بشائر الشهير بـ(سوق ستة) بحسب التسمية الشعبية له، وهي سانحة لنتعرف على مايو وأسواقها عن كثب.
التخطيط هو المشكلة
وصلت (اليوم التالي) عديد الشكاوي، جميعها من أصحاب محلات في سوق بشائر وتتعلق بالقرارات الأخيرة الصادرة من وحدة النصر الإدارية التي تتبع لمحلية جبل أولياء ويقع السوق ضمن مسؤولياتها، القرارات تمحورت حول تخطيط السوق تخطيطا جديدا وتمليكه للتجار الذين سحبوا القرعة في وقت سابق، توجهنا إلى هناك للوقوف على أصل المشكلة.. في الواقع لم يكن الدخول للسوق أمرا سهلا، خاصة إذا تمت معرفة هويتنا كصحافيين، أول من التقينا الباشمهندس (محمد أبكر محمد) الذي رافقنا إلى أن وصلنا مغلقا صغيرا للأدوات الكهربائية ومواد البناء حيث كان علينا أن ننتظر رئيس الغرفة التجارية ورئيس لجنة السوق (النعيم حامد النور حامد) ونحن في انتظاره تصببت حبات العرق من الذين يرافقونا بالمكان وباستفسارنا عن عدم وجود المراوح كان الرد صادما: (لا كهرباء داخل السوق) ولكن بعض الدكاكين تعمل بالمولدات الكهربائية علما بأن السوق أنشئ منذ العام 1996 حيث تم تحويله من سوق ستة القديم بحسب النعيم الذي قال (لليوم التالي) إن مكان السوق في الماضي كان عبارة عن بركة مياه وبالذات في فصل الخريف وبتعاون جميع التجار المرحلين تم ردمه.
إخلاء السوق
في عهد وزير التخطيط العمراني شرف الدين بأنقا أصدر قرارا بأن يخطط السوق ويملك لأصحاب المحلات مع مراعاة أبسط الإمكانيات، وفي العام 2007 بدأ سحب القرعة لجميع المتقدمين، ولكن لأسباب غير معروفة ـ بحسب النعيم ـ كان أغلب الذين ظهرت أسماؤهم في الكشوفات بعد سحب القرعة من خارج السوق، وبلغ عدد التجار الساحبين للقرعة حوالي 2140 تاجرا، وفي العام 2014 وعند زيارة معتمد محلية جبل أولياء مجاهد الطيب، قرر أن يبدأ تسليم المحلات للذين سحبوا القرعة على أن تحفظ حقوق الذين لم يسحبوا القرعة ولم تظهر أسماؤهم بتعويضهم في أراض صدقت عليها وزارة الإسكان وتقع شمال السوق (أرض الصرف الصحي الآن)، وفي رأي النعيم أنه لا توجد أراض على أرض الواقع، قبل شهور صدر قرار تسبب في موجة من الغضب، يقضي بتفريغ السوق وإخلائه بحجة تخطيطه وتم ذلك بدون قرار مكتوب من الجهات الرسمية لذلك تم رفضه وتمسك التجار بعدم الخروج من السوق.
النساء يتحدثن
من تحدثوا إلينا أكدوا أن سوق بشائر به أكثر من أربعة آلاف محل تجاري، أصحابها يساهمون في كل الفعاليات الوطنية، من دعم مجاهد وغيره، بجانب التزام التجار بدفع الضرائب والزكاة والنفايات وتجديد الرخص، وتتراوح قيمة إيجار الدكان بين (200-500) جنيه، وأكدوا أنهم كتجار مع تخطيط السوق ولكن بشرط أن يراعى في توزع الدكاكين أن تكون الأولوية لأصحابها العاملين فيها، وقالوا إن لهم لجنة من المهم إشراكها في التخطيط.
(محمد أبكر محمد) مهندس تخطيط ومساحة وهو من رافقنا في سوق بشائر، كان محتجا على عدم تمثيل المرأة في لجنة السوق وقال إن (حقوقهن مهضومة) علما بأن غالبية التجار في السوق من النساء، بناء على ملاحظته توجهنا إلى (كلتوم موسى)، وهي صاحبة محل، تفتح أبواب محلها منذ الصباح الباكر لتكسب رزقها من بيع التوابل لأكثر من ثمانية عشر عاماً، وعند سحب القرعة لم تجد كلتوم فرصة لتسحب ووعدت بأن يتم فتح باب القرعة مرة أخرى وقالت: “قالوا لينا في أسماء مؤجلة ووعدونا بفتح باب القرعة مرة جديدة وها نحن ننتظر”.
تخطيط ثم تخطيط
(الهادي محمد أصيل) تاجر بالسوق منذ العام 1996، قال لـ (اليوم التالي): تم تخطيط السوق خلال الفترة الماضية ثلاث مرات، وأشار إلى أن الخروج من السوق لتخطيطه مكلفاً مادياً، وغير آمن للتاجر، لأن بضاعته قد تتعرض للسرقة أو يتعرض هو في نفسه للخطر أثناء حراسته للبضاعة، ومضي قائلا: التطور في كل العالم أدى إلى اكتشاف جهاز (جي بي إس) فالكثير من المساحين يخططون بوساطة هذا الجهاز ويمكن الاستعانة بهم، وبحسب الهادي فإن 480 تاجرا لم يسحبوا القرعة ومن سحبوا القرعة معظمهم تجار من خارج السوق، وأشار لأن الإحساس عند غالبية التجار بأن السوق سيصبح ملك غيرهم إذا تم تخطيطه.
ترحيل مؤقت
من بين المقترحات المقدمة أن يتم ترحيل تجار سوق بشائر إلى سوق منطقة سوق بانقا وهو سوق حديث نسبيا، إلا أن هذا الحل المؤقت لم يجد الترحيب من تجار سوق بانقا إذ يتخوفون هم بدورهم من أن يرفض تجار سوق بشائر الخروج من دكاكينهم التي تم تمليبكها لهم بعقود، المهندس محمد أبكر رفيقنا في هذه الرحلة كان له رأي واضح وهو أن التخطيط لا يحتاج لإخلاء السوق بتاتا، وبدا ساخرا من المهندس المسؤول عن تخطيط السوق حيث طلب تسليم السوق شاغرا لتخطيطه وقال (هل هؤلاء المهندسون اتوا من مقابر فاروق؟) أي لم يدرسوا التطور في الأجهزة وكيفية التخطيط بالأجهزة الحديثة وقال إن رسوم التخطيط للسوق المؤقت (سوق بانقا) بلغت 102 جنيها، وأكد استعداد مهندسين كبار وأساتذة هندسة للإدلاء برأي فني إذا طلبوا في المحكمة بأنه يمكن إعادة تخطيط السوق دون ترحيل أصحاب الدكاكين من مكانهم.
حريق مستندات
أحد التجار يدعى (بابكر محمد عبد الله) كان في حالة غضب وأشار إلى أنه يعمل في سوق بشائر منذ العام 1998 وأنه إبان احداث قرنق قام بإجراءات التخطيط لدكانه وكان الرد الصادم حين الاستلام من قبل الوحدة الإدارية بأن ورق الإجراءات تعرض للحرق خلال الأحداث المصاحبة لرحيل قرنق، وبعد العديد من المعالجات في العام 2003 قام بتجديد الإجراءات ودفع رسوما وقدرها 6.800 جنيه عبارة عن شيكات إلا أنه لم يقم بسحب قرعة، ومنذ العام 2006 وإلى الآن يتردد بأبكر يوميا على مكاتب الوحدة الإدارية بحي النصر ولكن دون فائدة، وقال: “كل مرة يأتي الرد بأن الدكاكين جاهزة ولكن لا تسليم”، بابكر بدا مستعدا لأخذ حقه (بالقرعة أو القوة بحسب قوله (بأي فهم) لأنه باع كل ما يملك ليكمل رسوم التخطيط ومن ثمة التمليك.
اليوم التالي