من مدرسة الحیاة “الغافل من ظن الأشیاء ھي الأشیاء”

د. الفاتح إبراهيم
ونحن على اعتاب الشھر الفضیل شھر رمضان تعود بي الذكرى لسنوات ماضیة
في ربوع الوطن حین كانت الحیاة اكثر نظاما وسلاما وامانا .. ولكن لحسن الحظ ما
زالت البلاد تتمتع بخیرات وموارد طبیعیة وبشریة كفیلة بإقالة عثراتھا ..
“قولوا لعین الشمس ما تحماشي” أغنیة لشادیة كنت أستمع لھذه الاغنیة القرن الماضي یومیا وانا ذاھب للعمل مع نسمات الصباح عبر المذیاع في برنامج الصباح الذي كان یقدمھ حمدي بولاد والمرحومة لیلى المغربي .. وقد تعود الذكرى الى
عصر التلفزیون الذھبي وسھرة تحت الأضواء تقدیم حمدي بولاد قبل ان تبتلعھ بحار الاغتراب كغیره من الكفاءات .. وكثیرا ما أتذكر ذلك البرنامج الباذخ “تحت
الأضواء” كلما ظھر على الشاشة ھنا في أمریكا نجوم السھرة أمثال دیڤید لترمان وجو لینون وجوني كارسون وغیرھم .. ومن حسنات وابداعات ما یفعلھ الفن الأصیل ھو تخزین الأزمنة واللحظات الجمیلة في الذاكرة حتى اذا احتاجھا الانسان
لجأ الیھا بعد ذلك في أي وقت من الأوقات یستعید ویعیش تلك الأزمنة مرات ومرات.
لتكون بمثابة تلطیف وتھدئة وسكن .. وھذا ما كانت تفعلھ شادیة وأغنیة شادیة وبرنامج نفحات الصباح .. كان الكثیرون یعتقدون ان الاغنیة من أغنیات الغزل حتى اتضح انھا ما ھي إلا أغنیة وطنیة تخلد ذكرى ضحایا قریة دنشواي الذین تم
اعدامھم في الحادثة الشھیرة ابان الاستعمار الإنجلیزي لمصر ..
أما المرحومة شادیة كثیر منا یعرفھا شادیة المغنیة والممثلة السینمائیة التي تتوھج القا وجمالا على الشاشة البلوریة .. ولكن لم یُعرف على نطاق واسع شادیة النبیلة المحسنة ذات القلب الرحیم .. كثیر من الناس قد یخضعھ المظھر ویتسرع في الحكم
على شخص ما دون الغوص في المخبر” وھذا من شأن الدنیا كثیر” مقولة طالما رددھا لي خلال حواراتي معھ المرحوم البروف عبد الله الطیب ..
ما اود تسلیط الضوء علیھ ھنا لیكون عبرة لمن یعتبر ھو بعض المواقف التي تعكس الجوانب الأخرى في سیرة الانسان خاصة المشاھیر ..
یروى عن المرحومة شادیة انھ في إحدى أعمالھا الكثیرة وھي مسرحیة ریا
يوم وسكینة يوم 15، كان الممثلون یتلقون أجرھم فى المسرحیة كل ممثل مظروف خاص بھ ، إلا شادیھ كانت تتسلم أجرھا حسب مظروفا ، أحد المظاریف بھ أجرھا لدورھا في المسرحیة ، وأربعین 41 طلبھا في
ظرفا فارغا ..
وتقوم السیدة شادیھ بتوزیع قیمة الاجر من المظروف الملیان ووضع أجزاء منھ بالتساوي فى المظاریف الأربعین الاخرى .. وتمر السیدة شادیة على عمال المسرحیة والكومبارس ، وتعطي لكل واحد منھم مظروفا .. واللافت للنظر ، إن شادیة
وھي الفنانة الكبیرة المشھورة لا تستدعیھم أو تبعث من ینوب عنھا وانما تذھب هي بنفسھا وتمر علیھم فردا فردا وتسلمھم المظاریف ..
ومما یروى عنھا انھا تكفلت بعلاج زمیلتھا في المسرحیة الممثلة المصریة سمیحة توفیق التي كانت تعاني من مرض الكبد لمدة تقارب الثلاثین عاما حتى وفاتھا عام ٢٠١٠ .
وبناء مركز طبي عند مسجده بشارع جامعة الدول العربیة بالمھندسین، فما .. وفى بدایة الثمانینیات نمى الى علمھا أن الدكتور مصطفى محمود لدیھ مشروع
كان منھا الا ان تتبرع بشقتھا لبناء أول وحدة لتشخیص وعلاج مرض السرطان ، ألف جنیھ ، یعنى أكتر 150وكانت الشقة مكونة من سبع غرف ، وقیمتھا وقتھا كان
ملیون جنیھ حالیا .. 10من وتحولت السیدة شادیة الى السكن مع والدتھا في شقة ایجار عند حدیقة الحیوان .
القلوب الرحیمھ ھي التي ینظر الله سبحانھ وتعالى إلیھا یوم الحساب.. إنما . بالجیزة .. كذلك تبرعت بأرض تملكھا لبناء مجمع طبي ..
الصدقات تربو وما عند الله باقٍ ھناك من یتربى في أجواء التقوى أو یتخصص في علوم الدین في الازھر الشریف
أو أي مؤسسة دینیة ویواصل خدمة الدین معلما أو واعظا وتمضي حیاتھ ھكذا لم
یتعرض لتجارب اخرى .. ولكن أن تكون مھنة الانسان وسیرتھ كما كانت
المرحومة شادیة في الجانب الآخر ومغریات الفن والشھرة وتترك كل ذلك وتكرس كل إمكاناتھا للعمل الصالح ھذا ھو التحدي الأكبر الذي یحتاج الى قوة الایمان وعزائم الأمور .. إنھا لحظة الاختیار الحر ..
وقد قال الامام الشعراوي رحمھ الله تعالى:
“الناس یمحون ماضیك الجمیل مقابل موقف سيء منك ، والله یمحو ماضیك السيء مقابل توبة منك، فأیھما أحق بطلب الرضا؟” ویحضرني ھنا في ھذا الصدد ما قالھ المرحوم مصطفى محمود : ” اذا اردت ان تفھم انسانا فانظر فعلھ في لحظة اختیار حر وحینئذ : سوف تفاجأ تماما فقد تري القدیس یزني ، وقد تري العاھرة تصلي , وقد تري الطبیب یشرب السم , وقد تفاجأ بصدیقك یطعنك ، وبعدوك ینقذك ، وقد تري الخادم سیدا في افعالھ، والسید احقر من احقر خادم في اعمالھ ، وقد تري ملوكا یرتشون ، وصعالیك یتصدقون” ..
وقال الفیتوري رحمھ الله تعالى واحسن الیھ :
دنیا لا يملكھا من يملكھا
الخاسر من لم يأخذ منھا ما تعطیه على استحیاء أغنى أھلیھا سادتھا الفقراء والغافل من ظن الأشیاء ھي الأشیاء .