(من ) البديل ؟

لاتكون مناقشة سياسية ، وما أكثرها ، الا ويطرح السؤال الخاطئ : من البديل، فى اشارة الى ان الشخص الحاكم اليوم ، على رداءته التى يقر بها السائل ، الا انه افضل من فلان وفلتكان ، الذين حكموا بحكم دعم الولاء الطائفى وبلغوا من العمر عتيا ، ولم يقدموا ماقدمه الحاكم بامره اليوم .
السؤال ، على خطئه يحمل بعض جوانب الصواب . فقد كانت العهود الديموقراطية عهود مكايدات سياسية مع اهتمام بالذات ومن حولها مباشرة ، ولولا ذلك ماوصل من يحكم اليوم الى الحكم . ولااظن ان الامر يحتاج الى امثلة فهى كثيرة ولابد انها ماثلة فى اذهان كل من عاصر اوحتى سمع عن تلك العهود . فلو ان الصادق المهدى ، مثلا ، قبل رأى المحكمة الدستورية فى قضية حل الحزب الشيوعى وطرد نوابه من البرلمان لما كانت مايو . ولو ان الحزب الشيوعى استمع الى رأى اغلبية لجنته المركزية ، التى كانت ضد الانقلاب ،بالرغم من انه طرح شعارات الحزب وجاء كرد ،بشكل او آخر على ما حدث فى الديموقراطية الثانية ، لما كان الانقلاب المايوى وتأييده له من باب قبول ما وقع ومحاولة تطويره الى ثورة . ولو ان الصادق ،مرة اخرى ، قبل ما اتفق عليه من الجميع بعد اتفاقية الميرغنى /قرنق ،لانتهى التمرد وقتها ولتوحد الجميع امام الجبهة الاسلامية ، التى كانت تعد للانقلاب بجميع وسائلها المعروفة وغير المعروفة ! ولو ان الحزب الاتحادى لم يطرح شعار تحرير لاتعمير وفعل شيئا على الارض من باب التنمية ،لما كان فخر النظام الحالى بشوارعه وكباريه التى دخل اكثر من نصف تكلفتها فى الجيوب ، بما يؤكده اليوم ماحدث ويحدث لتلك المنشآت القشرة !
ونعود الى السؤال الخاطئ ، الذى ثبتته فى خاطر جماهير الشعب السودانى الثقافة السياسية والدينية التى أشاعها طلاب الحكم . فقد ثبت من هذه السياسة والفهم الدينى المغلوط ، ان هناك دائما شخص تفوق ملكاته ملكات الناس العاديين ، وان ذلك الشخص هو القائد والمعلم والمنقذ ..الخ فالازهرى هو صانع الاستقلال ، وليس الشعب السودانى ، ونميرى هو حارسنا وفارسنا وقد صنعنا منه نحن ذلك ، فالرجل عندما جاء الى السلطة كان ياكل الفول مع حرسه ولايدخن امام اساتذته السابقين ، ولكنه اصبح فى نهاية حكمه المعلم الذى يجمع من عينهم كمستشارين ليبين لهم كيفية أداء اعمالهم ! وسوار الذهب ،هو أول رئيس عربى يترك السلطة بعد عام ، ويتضح اليوم لماذا ولمن ترك السلطة ! اما رئيسنا عمر البشير فهو الرجل المناسب للمرحلة ، خصوصا بعد القرار الشجاع فى الانضمام الى عاصفة الحزم !
ونعود مرة أخرى الى السؤال الخاطئ لنبين سبب خطئه :السؤال الصحيح هو : ما البديل وليس من البديل؟ وقد كنت دائما عندما يسأل المناقش هذا السؤال أرد عليه : أنت البديل أو أى شخص يختاره الناس فى عملية ديموقراطية حقيقية .وهذه هى فى رأيى بداية التصحيح . يجب ان يكون مانسعى اليه هو كيف نحكم وليس من يحكم .فالديموقراطية هى الحل وقد ثبت ذلك للكل .فحتى فى بلدان الاشتراكية التى كانت والتى كانت تقول بديموقراطية اجتماعية او ديموقراطية جديدة ، ثبت انه لابد من ان تواكب الديموقراطية الاجتماعية ، التى توفر العيش الكريم للاغلبية ، لابد ان تواكبها ديموقراطية سياسية .هذه الديموقراطية هى التى ستضمن الاداء الصحيح والشفاف لكل مكوناتها وذلك من خلال :
– فصل السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية ،فصلا حقيقيا ، غير (مدغمس)
– ضمان الحريات الاساسية من تنظيم وكلام وحقوق انسان …ألخ
– الرقابة المتبادلة بين السلطات ومن السلطة الرابعة ومن الشعب بشكل مباشر
هذا بالطبع لايعنى ان هذه وصفة لايأتيها الباطل ، وانما هى افضل ماتوصلت اليه البشرية من نظام حتى الآن . ولاشك انه من مميزاتها الاساسية انها تسمح باصلاح نفسهامن نفسها .وهى لاتعطى اى جهة او جماعة او فرد شيك على بياض وانما تعطيه فرصة محددة ينجز فيها وعوده فاذا فشل يكون من حق الناس تغييره باساليب غير مخادعة وعادلة .يقول البعض اننا نريد ديموقراطية على ان تكون مثل ديموقراطية كذا وكذا من البلدان . ونقول لهؤلاء ان تلك البلدان لم تستيقظ من نومها فوجدت ماهى عليه اليوم .فمن صفات الديموقراطية الاساسية انها نظام يتعدل طوال الوقت مستفيدا من اخطائه ونحن لم نعطها ابدا الوقت ولا الجهد الكافى للتطور . سنتان فى المحاولة الاولى ،ثم خمس سنوات فى المحاولة الثانية ، ثم ثلاث فى المحاولة الاخيرة .عشر سنوات يكمل فيها التلميذ بالكاد تعليمه الاولى !
غير اننا لنضمن ديموقراطية مستدامة وعلى اسسها الصحيحة فلابد ان ننظر الى الخلف كثيرا ، وننقد اخطاءنا جميعا ونتعاهد على عدم تكرارها . ثم اننا لابد ان نطمئن من يسأل عن البديل باخلاص ، وليس كسبب لاستمرار ماهو كائن (!) ،باننا نسعى فعلا لبديل ديموقراطى حقيقى ، وليس بديلا يتيح لنا العودة الى الحكم بنفس اساليبنا القديمة . وايضا لابد ان نوضح للناس وبشكل تفصيلى ماهو برنامجنا لايقاف الحروب ورد المظالم الجماعية والفردية واعمال التنمية المستدامة بدءً بالمناطق المهمشة ..الخ
هذا الامر يحتاج الى وسيلة اعلامية حديثة اعجب فى ان المعارضة لاتضعها فى اول اولوياتها مع ان الطرف الآخر يعمل ليل نهار فى غسل الامخاخ بجميع الوسائل ، وخصوصا الاعلامية ، الاترون كيف ان العملية الانتهازية التى تمت بالدخول فى العاصفة اصبحت خط الدعاية الاول فى الانتخابات ، بينما ليس هناك ذكر لفشل اجتماع اديس واسبابه ؟!
عبدالمنعم عثمان
[email][email protected][/email]