الصراع بجنوب السودان: حكايات عن القتل والاغتصاب من بنتيو

توجه مراسل بي بي سي آلاستير ليثيد إلى مدينة بنتيو النفطية في جنوب السودان، ليتحقق من قصص القتل والاغتصاب في تلك المنطقة، التي تعد الأكثر تضررًا في الصراع الضاري الدائر بالبلاد.

وقابل ريبيكا، وعمرها 20 سنة، وتظهر عليها علامات الحمل، في أحد أقسام مجمع الأمم المتحدة في بنتيو المقسم إلى جزئين، أحدهما مخصص لأفراد قبائل الدينكا بينما الآخر للأجانب.

ونجحا في إيجاد مكان هادئ بعيد عن الأنظار يتجاذبان فيه أطراف الحديث.

وكانت ريبيكا عصبية جدا وهي تروي ما حدث لها بعد إحكام قبائل النوير السيطرة على المدينة مرة أخرى الشهر الماضي.

وتجدر الإشارة إلى أن العنف الجنسي لا يعتبر من الأمور التي يسهل الحديث فيها بشكل صريح مع مواطني جنوب السودان، التي نالت استقلالها عن الخرطوم عام 2011.

وقالت ريبيكا إنها كانت مستهدفة من جانب المتمردين لأنها زوجة أحد جنود الدينكا.

وقام المترجم بتلخيص القصة التي روتها ريبيكا وكيف أن المقاتلين أمسكوا بها وهي تحاول الهروب إلى معسكر الأمم والمتحدة وضربوها بمقبض البندقية وطلبوا منها ممارسة الجنس مع جنديين، لكنها رفضت فاغتصبوها.

وقالت ريبيكا: “كان السبب الذي أخبرني به المقاتلون لما فعلوه بي هو وجود الرئيس سيلفا كير في السلطة وأنه يقتل ذويهم.”

وأضافت: “أخبرني المتمردون أنهم يغتصبونني لأن مقاتلي الدينكا فعلوا نفس الشيء مع نسائهم عندما جاءوا إلى هنا.”

وأخبرها الرجال أيضًا أنهم يريدون التخلص من جنينها الذي ينتمي إلى قبائل الدينكا، إلا أن الاعتداء عليها لم يسفر عن إجهاضها.

وتتشابه قصة ريبيكا مع العديد من القصص التي ركز عليها تقرير جديد لحقوق الإنسان صادر عن الأمم المتحدة، والذي وصف تلك الممارسات بالوحشية وأنها “جرائم ضد الإنسانية” ارتكبها الجانبان على مدار أربعة أشهر ونصف الشهر منذ بداية الصراع.
الوقت يداهم الجانبين

وقالت رئيسة بعثة الأمم المتحدة بجنوب السودان، هيلدا جونسون، لبي بي سي، إن التقرير أظهر “كيف أن التوجهات العرقية السائدة في المنطقة أسهمت في تأجيج العنف على نطاق واسع في أشكال القتل الجماعي، والاغتصاب، والعنف الجنسي بأشكاله المتنوعة، وعمليات الخطف، وغيرها من الممارسات الخارجة عن القانون.”

وأضافت: “يقف جنوب السودان حاليا على المحك، فهناك مخاطر بتصاعدا وتيرة العنف الدائر هناك علاوة على الكارثة الإنسانية التي من الممكن أن تتفاقم أيضًا وتتحول إلى مجاعة بنهاية العام الجاري.”

وتابعت جونسون: “نحن في موقف متأزم والوقت يحاصر الزعماء من الجانبين لتدارك الموقف.”

في غضون ذلك، سجلت تصريحات لأعداد كبيرة من النساء اللاتي ينتمين إلى قبائل النوير واللاتي يجري خطفهن من قبل جنود موالين للحكومة، ومن ثم يتعرضن للاغتصاب داخل أكواخ قريبة من القاعدة العسكرية في جوبا، وذلك أثناء مغادرتهن مجمع الأمم المتحدة لشراء الإمدادات.

وكانت شهادات عشرة على الأقل من هؤلاء النسوة قد تضمنت وصفًا لنموذج اغتصاب على أساس عرقي من بينها ما صرحت به إحدى النساء من أن المقاتلين كانوا يقولون لهن: “هذا ما نفعله بكن، نقتل رجالكن ونغتصبكن.”

ولقي الآلاف مصرعهم منذ اندلاع الأزمة في الخامس عشر من ديسمبر/كانون الأول الماضي بين الرئيس سيلفا كير ونائبه المعزول رياك مشار، وهو ما أدخل البلاد في دوامة من العنف العرقي.

تجدر الإشارة إلى أن الخلاف اتخذ طابعا عرقيا نظرًا لانتماء رئيس البلاد إلى قبائل الدينكا بينما ينتمي مشار إلى قبائل النوير، وهما فصيلان عرقيان بينهما صراع تاريخي في جنوب السودان.

وبينما كانت هناك عمليات قتل جماعي بين أبناء المجموعتين المتناحرتين في شتى أنحاء البلاد، كان لبنتيو وضع خاص، حيث إن الأجانب كانوا مستهدفين أيضا.
ثياب مضرجة بالدماء

ويتردد الحديث بأن الحكومة تستخدم مرتزقة من حركة العدل والمساواة، المعروفة بميليشياتها المتوحشة والتي تشير أصابع الاتهام إليها على أنها المسؤولة عن أعمال الاغتصاب والدمار الذي حل بإقليم دارفور المتاخم لجنوب السودان.

لذلك عندما أحكم المتمردون الموالون لرياك مشار قبضتهم على مدينة بنتيو الشهر الماضي، أصبح المنتمون لقبائل الدينكا والأجانب مستهدفين في المدينة ? وقتل كل من يُشتبه في كونه من دارفور.

ويقدر تقرير الأمم المتحدة لحقوق الإنسان أن من لقوا حتفهم داخل المساجد والكنائس والمستشفى بلغوا المئات.

ولا زالت هناك أدلة داخل المسجد على ما شهده من أحداث منذ أسابيع قليلة.

فالمكان لا زالت تفوح منه رائحة الموت، ولا زالت الجدران ممتلئة بالثقوب الناتجة عن طلقات النار، وما تزال متعلقات وملابس الضحايا الملطخة بالدماء متناثرة في أرجاء المكان بعد نقل الجثث.

وظلت الجثث منشورة في أرجاء المكان لأيام قبل دفنها لتنهشها الكلاب والخنازير في البلدة قبل أن تُحمل إلى مقابر جماعية حفرت في نهاية الأمر لمواراتها التراب.
ثماني طلقات

وقالت سيدة نسبت إلى نفسها اسم إسماعيل يونس، وهي تاجرة سودانية، إن المقاتلين “في البداية دخلوا إلى المسجد وطلبوا من الموجودين الأموال والهواتف المحمولة.”

وأضافت السيدة، التي رفضت الإفصاح عن اسمها بالكامل، أن “عددًا من الجنود ترددوا على المسجد طلبًا للملاذ الآمن من القتال بالخارج، وبعد سيطرة المتمردين على المدينة كانوا يترددون على المسجد طلبا للمال”.

وذكرت أن رجلًا كان واقفًا في مدخل المسجد مشهرًا بندقية آلية بالإضافة إلى آخرين مسلحين ببنادق الكلاشينكوف وهم يصوبون فوهات البنادق في اتجاه نوافذ المسجد. وقالت: “ثم فتحو النار على الجميع وامتلأ المسجد بالدخان.”

وقالت إن أختها كانت إلى جوارها بالمسجد وأن المسلحين أصابوا رجليها وذراعيها.

وأضافت: “لقد أصابوها بثمان طلقات، وعندما حاولت حملها إلى الخارج، أطلقوا علي النار وأنا أحملها فماتت.”

وقالت إسماعيل يونس إنها رأت رجلين يجري اغتصابهما داخل المسجد، بينما اقتيد ما يزيد عن 100 شخص إلى خارج المسجد وقتلوا على الفور.

وكانت الأمم المتحدة قد فرضت هذا الأسبوع عقوبات على القيادي بين صفوف المتمردين الموالين لرياك مشار، اللواء بيتر غاديت، على خلفية عملية القتل الجماعي التي شهدها المسجد في بنتيو، ولكن اللواء جيمس كوانغ تشول كان هو المسؤول الفعلي عن قيادة القوات في المدينة.

ونفى تشول ما جاء في تقرير الأمم المتحدة بخصوص ما حدث، والذي ذهب التقرير إلى أنه حدث على يد جنود كانوا تحت قيادته في بنتيو بعد سيطرة المتمردين عليها.

وقال “إنه كلام فارغ، إن الأمم لمتحدة متحيزة جدًا في تقريرها. فالقوات الحكومية كانت تمنع المدنين من الوصول إلى مجمع الأمم المتحدة، ونجحت في الإمساك ببعض منهم. ولكن ما حدث من وفيات جاء نتيجة لإطلاق النار المتبادل بكثافة بين الجانبين، ولم يكن مذبحة كما يدعون.”

ونفى كل الاتهامات التي وُجهت إليه بأنه كان يحرض على الكراهية عبر موجات الإذاعة أو أنه كان يحرض على قتل رجال قبائل الدينكا واغتصاب نسائهم.

ولكنه اعترف بأنهم يدرسون تقارير ضحايا الهجوم على المسجد.

وقال: “إننا نحقق فيما إذا كانت تلك الجريمة قد أعد لها ونفذها جنود تابعون لنا، وإذا ثبت ذلك، فسوف يتحملون المسؤولية.”

في غضون ذلك، تطالب الأم المتحدة بالمساءلة وفتح التحقيق المستقل في ذلك الحادث.

يُذكر أن مجمع الأمم المتحدة ببنتيو يؤوي 30 ألف شخص يحتمون فيه من القتال الدائر بالمدينة ويعيشون ظروفا قاسية بسبب الإمدادات المحدودة للمياة والغذاء.

رغم كل ذلك، عندما تشرف الشمس على الغروب، يتجمع الأطفال بالمجمع للاستمتاع ببعض الرقص والغناء مستخدمين بعض الدلاء المصنوعة من البلاستيك كطبول.

ويحاول طاقم عمل الأمم المتحدة بالمدينة الجمع بين الأطفال الذين ينتمون إلى قبيلتي الدينكا والنوير ممن يلجأون إلى ذلك المخيم مرتين أسبوعيًا ليرقصوا سويًا ويمرحوا مع بعضهم البعض.

ويبدو أن هناك خطوات صغيرة يجري اتخاذها نحو استعادة الثقة العرقية بين الجانبين في ذلك البلد الذي يقف على حافة الهاوية.
بي بي سي

تعليق واحد

  1. أربعة أشهر ونصف فقط بين قبائل تنتمي لنفس العرقية يحدث فيها كل هذا السوء والمجازر وصور القتل والاغتصاب البشع الذي ورد في التقرير ، علماً بأن الحرب بين الشمال والجنوب التي دارت لأكثر من 21 سنة لم يحدث فيها عشر معشار هذه الجرائم وأكبر دليل على ذلك أن كل الذين نزحوا من الجنوب جاءوا إلى الشمال وإلى الخرطوم ولم يذهبوا إلى كينيا أو يوغندا أو غيرها من الدول الأخرى ..

    كسرة:
    اللهم ألعن الإنقاذ
    (قادة وأفراداً ورجرجة وانتهازيين مستنفعين ومغفلين نافعين)
    اللهم ألعنهم لعناً كبيراً ..
    اللهم ألعنهم بقدر ما دمروا السودان .. ودمروا اقتصاده ..وموارده وإنسانه وطاقاته وقدراته ..
    اللهم ألعنهم بكرة وعشياً ..
    اللهم أرنا فيهم يوماً أسوداً كيوم عاد وفرعون وثمود ..
    اللهم آمين
    اللهم آمين
    اللهم آمين

  2. الحمد لله الذي اذهب عنا الاذى وعافانا وانا ال اعرف لمذا يلام البشير على فصل الجنوب ؟ الاس ديل كدة كدة ما فيهم فنفع لماذا البكاء عليهم؟

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..