الشيوعي والبعثي والكوز .. الأشياء تتداعى..

طاهر عمر
ما يربط بين الشيوعي السوداني والكوز والبعثي أنهم ثلاثتهم يجسدون بطل رواية الأشياء تتداعى للنيجيرى أشيبي وقد أخذ أشيبي عنوانه من قصيدة للشاعر ييتس كتبها في أعقاب الحرب العالمية الأولى وفيها يرى أن أوروبا قد ودّعت عالم ظن كثر أنه خالد لا يزول.
عالم سيطرت فيه ثقافة المسيحية وقد خيمت بظلال ليلها على عوالم أوروبا لقرون وإذا بها أي اوروبا تستيقظ على زوال أحلامها وتدرك أنها تسير في نومها تحت ضغط كوابيسها وما الحرب العالمية الاولى إلا أولها لنهاية انتظار ألفين عام لعودة المسيح.
ييتس في قصيدته زى سجند كمنغ قد أرسل ما أتخذه أشيبي عنوان لروايته الأشياء تتداعى حيث يبرز فيها أن كون المسيحية على عودة المسيح قد طرحت ميلاد مسخ أو دجال قادم وكلها تهيئة بأن كل شئ كان ذو قيمة قد مسخ وبدأ مسيرة زواله.
في قصيدته كما يتنبئ بالمسخ الذي يحل مكان نبؤة عودة المسيح كذلك يتنبئ ييتس بقدوم النازية والفاشية وهي مسخ جديد حيث تعاود أوروبا تكرار الحرب العالمية الثانية بدلا من السلام الذي ترنو إليه بعد ما رأت مأسي الحرب العالمية الأولى وتصبح الأشياء تتداعى تسلسل من السئ الى الأسواء في حلقات متواصلة في تكرار أوروبا لحروبها العالمية المتعاقبة وتكرار الزعازع في تحول مجتمع أشيبي وبطل روايته حيث سارت حياته من سئ الى أسواء الى لحظة إنتحاره.
وقفة لكي ننبه القارئ لقدرة ييتس في كيفية ضغط الزمن حيث تتساوى ألفين عام من تاريخ المسيحية وانتظار عودة المسيح مع حقبة ما بين الحربين العالمتين حيث ينضغط الزمن في عقدين بين حربين ليساوي ألفين في إنتظار عودة المسيح وتصير الأشياء تتداعى سلسل من السئ الى الأسواء حيث تولد النازية و الفاشية كشبيه لميلاد المسخ الذي يحبط إنتظار عودة المسيح.
تنبيه آخر للقارئ وهو أن إدورد سعيد في إتهامه للغرب بأن شراكه قد نجحت في أصطياد مثقفي العالم الثالث حيث ساروا في خط ما رسمته الثقافة الغربية من أجل الهيمنة وقد ذكر مثالا تأثر أشيبي وقد إتخذ من قصيدة ييتس عنوانا لروايته إلا أن ادورد لم ينتبه الى أن أشيبي لم يكن صيدا سهلا بل فهم ما يرنو إليه ييتس في قصيدته.
اشيبي في روايته سار على هدى ييتس في تحسره على صحو أوروبا على تغيير يفوق تجربتها مع المسيحية وعودة المسيح وقد صحت على كوابيسها بدلا من أحلامها بعودة المسيح كذلك أفريقيا قد استيقظت على عالم متغيير بشكل فظيع وهنا تكون نقطة إلتقاء أشيبي مع ييتس.
نقطة إلتقاء ييتس مع اشيبي كأنها تمثل الوحدة النفسية العاطفية للانسانية قاطبة حيث يصير أشيبي صنوا لييتس كمقياس لشدة الزلازل والزعازع التي تصيب المجتمعات مع إختلاف مشاربهم الثقافية.
ييتس يرى أن الأشياء تتداعى في أعقاب حرب زلزلت أوروبا واشيبي يرى الأشياء تتداعى في مجتمع أفريقي قد استيقظ على أصوات جيوش تدق أبواب ثقافة أفريقية لم تألف ما أتت به جيوش الاستعمار وما صاحبها من مبشرين بالمسيحية وقد قضت على ثقافة افريقية ضاربة الجذور وهنا يأتي رد أشيبي على جوزيف كونراد في روايته قلب الظلام.
الأشياء تتداعى تفقد ادورد سعيد حجته بأن الأدب الأوروبي قد قام بتهيئة شعوب العالم الثالث لكي تكون على إستعداد لقبول الاستعمار في وقت نجد أوروبا نفسها ضحية تتطورها الداخلي الذي قد أوردها الى تتداعي الأشياء وقد سارت حلقات تداعيها من سئ الى أسواء كما كانت تتنبئ قصيدة ييتس وقد تنباء بقدوم النازية والفاشية والحرب العالمية الثانية.
بالمناسبة في نفس زمن كتابة ييتس الى فكرة الأشياء تتداعى وتنبؤه بالفاشية والنازية نجد جون ماينرد كينز الاقتصادي الشهير قد قال أن ما فرض على المانيا من قيود وإكراهات سوف يفتح على حرب عالمية ثانية وقد صدقت أفكاره كما صدقت قصيدة ييتس وفكرة الأشياء تتداعى.
وهنا يتجاور الشعر مع الفكر الكنزي كما تجاور الشعر والفلسفة ذات يوم في شعر هولدرلين وفلسفة هيغل وهذا الذي لم نجده يتجاور في محاولات إدورد سعيد مما جعله يعتذر عن كتابه الإستشراق وأعترف بأنه أي كتابه الإستشراق قد خدم الأصولية والفكر الأصولي أكثر من أن يخدم التنوير.
إدورد سعيد في كتابه الاخير الأنسنة والنقد الديمقراطي قد أكد على نزعة انسانية وقطيعة مع التراث كان إدورد من أكثر المدافعين عنه لدرجة جعلته في كتابه الاستشراق يخدم الأصولية أكثر من خدمته للتنوير. في كتابه الاخير نجده قد تراجع عن أفكاره كتراجع ميشيل فوكو عن هجومه على عقل الانوار ومعروف أن ادورد سعيد يتكئ بشكل واضح على أفكار ميشيل فوكو كما يتكئ ميشيل فوكو على أفكار فردريك نيتشة.
في أعلى المقال قد رأينا كيف تجاورت أفكار كينز كاقتصادي مع قصيدة ييتس زى سكند كمنغ في تنبؤهما بأن أوروبا تتداعى حلقات أحداثها من سئ الى أسواء هنا سوف نؤكد تجاور أفكار رينيه شارل كشاعر مع أفكار ييتس حيث يؤكد رينيه شارل بأن أوروبا لم يتبقى لها من المسيحية غير أنها تراث ولكنها لم تعد عهدا أو ميثاق.
أو قل لم يعد تراث المسيحية دينا لأن المسيحية كدين كانت تسمى العهد الجديد وكتابها يسمى كتاب الحياة أو كتاب البشارة وما مرّ على أوروبا من أحداث غير مسبوقة بعهد تجعل أوروبا رهينة الأشياء تتداعى حيث تعلن نهاية فلسفة التاريخ التقليدية وميلاد فلسفة التاريخ الحديثة.
استيقظت أوروبا على كوابيس الحرب العالمية الأولى وقبل أن تجف دماء الضحاياها ودموع اليتامى والأرامل فاذا بييتس يتنباء بالأسواء كحلقة قادمة وهكذا الأشياء تتداعى حلقة سيئة تجر أسواء منها.
ومن حلقات ييتس السيئة التي تجر الأسواء منها كانت حياة بطل أشيبي الى لحظة انتحاره و لهذا كان اختيار أشيبي من قصيدة ييتس مناسبا لتسلسل حلقات بطل أشيبي وليس شرك من شراك الادب الغربي لإصطياد مثقفي العالم الثالث كما يظن ادورد سعيد وهو مخطئ ويصر على هجومه ويبرر هيمنة الثقافة الغربية.
هنا يظهر فرق المناهج بين ادورد سعيد و أشيبي حيث نجد أشيبي يتكئ على بنوية كلود ليفي أشتروس حيث تتساوى الحضارات أي أن الحضارة الغربية لا تتفوّق على بقية الحضارات التي نظن أنها بدائية بل نجد أن هناك دقة متناهية في الحضارات التي تسمى بدائية تجعلها صنوا للحضارة الغربية ومتساوية معها في تفسير الظواهر الاجتماعية.
فكرة ادورد سعيد في هجومه على الحضارة الغربية يؤكد من حيث لا يدري أنها متفوقة بعكس رؤية البنوية التي تضعها متساوية مع الحضارات البدائية بل نجد أن كلود ليفي اشتروس يرفض بأن توصف أي حضارة بأنها حضارة بدائية و معروف أن كلود ليفي أشتروس ينتقد أفكار ميشيل فوكو التي يعتمد عليها ادورد سعيد.
وكما ذكرت في هذا المقال أن كتاب ادورد سعيد الأخير أي الأنسنة و النقد الديمقراطي فيه تراجع واضح من ادورد سعيد عن أفكاره التي قد جعلت جهده خادما للأصولية والأصوليين أكثر من خدمته للتنوير.
نعود لعنوان المقال حيث نجد الشيوعي السوداني ما زال في خصام مع فكرة الدولة من الأساس كمفهوم حديث والسلطة كمفهوم حديث بل صارت نسخة الشيوعية السودانية تفسيرا لفكرة الأشياء تتداعى حيث كل حلقة تجر الأسواء منها وكامنة في تاريخ الحزب الشيوعي السوداني حيث ما زال عاجز عن الوصول لفهم نمط الانتاج الرأسمالي كتاريخ طبيعي للانسانية قاطبة وهو أي تاريخ الرأسمالية وحده القادر على إيقاف سلسلة الأشياء تتداعى أي إيقاف الحلقة التي تجر حلقة أسواء منها حيث نجد الشيوعي السوداني منذ جهوده في إسقاط حكومة حمدوك لا يختلف عن الكوز مهما إجتهد.
أما البعثي السوداني ففي إنتظاره لوحدة عربية وأمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة يجعله من المرجئة حيث تمر الدهور في انتظار ميلاد أو عودة مسيح وقطعا لا يصحو القومي العربي إلا على الأشياء تتداعى كما استيقظت أوروبا بعد ألفين عام من انتظار المسيح وعودته على الأشياء تتداعى كما أبدع ييتس حيث لم يعد المسيح بل مسخ كما نجده في تاريخ البعث وحروب صدام العبثية ووراثة ابن حافظ الأسد لأبيه فلا تنتظر من بعثي أيها السوداني دعما لتحول ديمقراطي فاقد الشئ لا يعطيه.
أما الكوز فلا أظن أن أي سوداني يحتاج لتفسير وتوضيح كيف كان الكوز في انتظاره لجامعة إسلامية قد كان روح الأشياء تتداعى وكل سنوات حكمهم في السودان كانت حلقة سيئة وشريرة تجر حلقات أكثر سواء وأكثر شر ولكن الأمل والخبر الجيد لكم أيها السودانيون أن الكوز والبعثي والشيوعي سيختفون جميعا من مسرح الأحداث كما أختفت الشيوعية والنازية والفاشية من مسرح الأحداث.
ولكن ننبهكم الى أن إختفاء النازية والشيوعية والفاشية قد كلف البشرية كثير من الدم والعرق والدموع ولكن يمكننا أن نتجنبه بإرتفاع مستوى وعيكم أي بأن تفهموا أن الكوز والشيوعي والبعثي هم تجسيد للشيوعية والنازية و الفاشية وكما كانت النازية والفاشية والشيوعية نتيجة حقبة عابرة بسبب إنشغال البشرية بين نهاية ليبرالية تقليدية وبداية ليبرالية حديثة.
كذلك سيكون البعثي والكوز والشيوعي في السودان نتيجة لحقب عابرة لم يكن فيها المثقف السوداني مدرك لما يفسر الظواهر الاجتماعية التي تجعل الانسان في مسيرة مأساوية وتراجيدية فرضتها عليه الحياة والحداثة ولا يمكن مجابهتها إلا بفهم فكرة ضمير الوجود وتجربة الانسان.
وفي الختام نقول لكم زى سجند كمنغ ومن داخلها كقصيدة نذكّركم بروح الأشياء تتداعى ستتذكرون أن مصير الكوز والشيوعي السوداني والبعثي السوداني لا يختلف عن مصير بطل رواية النيجيري العظيم أشيبي وحينها لم يجدوا من ينزلهم من مكان انتحارهم لأنهم وفقا لثقافة أشيبي أنهم قد تلوثوا.
يمكن أن يختفي الكوز والشيوعي والبعثي والناصري بلا شك واذيدك يمكن أن يختفي أنصار السنه والصوفية والختمية والمهدية لكن سيبقى الإسلام لانه عقيدة الفطرة الذي لا يحيد عنه الا هالك.
يا سلام عليك ختيت يدك على الجرح وداعا للديناصورات كلهم يدعوا للدكتوريات وضد الحرية والبناء
فى سياحتك بين قصيدة الشاعر الايرلندي وليام بتلر يتس ورواية اشيبي ومساهمات الفلسطيني ادوارد سعيد تفككت بعض أشياء وتبدد اشلاء.
فالاشياء تتداعي فعلا يا استاذ طاهر عمر اذا لم تفهم ان الحزب الشيوعي السوداني تبني مفهموم اقتصاد السوق والديمقراطية الليبراليبة منذ عقود.
يبدو ان الكاتب لا يعلم ان الحزب الشيوعي له موقفه الناضج والواقعي حول الموضوع منذ الستنيات وانقسام جماعة الجبهة الثورية الداعين الي حرق المراحل ونبذ الانتخابات والدعوة للكفاح المسلح، ومنذ السبعينات ايام الانقسام الأخر الداعي الي بناء اشتراكية علي ظهر دبابة وفوهة بندقية.
الكاركتير الذي رسمه الكاتب للحزب الشيوعي وتصوير موقفه كحزب معادي لاقتصاد السوق وديمقراطية وستمنستر تشوية مخل لا يوجد الا فى مخيلة الكاتب وهذا يجوز فى مهاترات اركان النقاش اللفظية، وليس فى مقال.
يا خي هل اطلعت علي ادبيات الحزب الشيوعي حول الاقتصاد الرأسمالي والديمقراطية الليبرالية ودور الرأسمالية الوطنية الهام فى بناء وتطوير الاقتصاد السوداني … وهذه ليست توصيات مؤمرات الحزب او مواقف نظرية او مجانية لقد دفع الشيوعيين السودانيين الدماء والشهداء واعدم خيرة قادتهم فى مواجهة ناس حرق المراحل والتأميم والمصادرة الجزافية و اشتراكية الاتحاد الاشتراكي السوداني.
اختزال المواقف وبناء دمي من قش لتدمير المواقف لا يدل الا علي جهل بالتاريخ القريب للاحزاب والحركات السياسية السودانية وتعقيدات ذلك التاريخ..
(فالاشياء تتداعي فعلا يا استاذ طاهر عمر اذا لم تفهم ان الحزب الشيوعي السوداني تبني مفهموم اقتصاد السوق والديمقراطية الليبراليبة منذ عقود.
يبدو ان الكاتب لا يعلم ان الحزب الشيوعي له موقفه الناضج والواقعي حول الموضوع منذ الستنيات وانقسام جماعة الجبهة الثورية الداعين الي حرق المراحل ونبذ الانتخابات والدعوة للكفاح المسلح، ومنذ السبعينات ايام الانقسام الأخر الداعي الي بناء اشتراكية علي ظهر دبابة وفوهة بندقية.)
الإقتباس أعلاه من ردك على الكاتب يا أستاذ عماد يؤكد ما ذهب إليه ما يقول به من تداعي الإشياء فيما يلي الشيوعي ، و هذه هي بداية التداعي ، فهذا الإنقسام بين بين الإشتراكية على ظهر دبابة ، و الأخذ بمفهوم إقتصاد السوق الحر يشكلان بداية التداعي الذي انكرت على الكاتب وصف الشيوعي به ، و على العكس مما ذكرت بانه يشكل نوعاً من النضج ، فتحول الفكرة إلى ضدها لا يعني نضوجاً بقدر ما يعني إنهزاماً للفكرة و تتداعيها ،
واضح ان الكاتب يتداعى عقله ، ولا يقرأ ، شغلنا بادوارد سعيد ورواية الاشياء تتداعى فى ثلاث ارباع المقال ، عشان يورينا انو مثقف ولكنه لا يعرف الواقع وغير مستعد ، عندو افكار فى رأسه ثابتة منمطة غير مستعد لتغييرها ، ممكن يكسر رقبة المنطق والواقع عشان تلائم افكاره ، ودة من النوع القصده احمد فؤاد نجم عندما قال :
يعيش المثقف على مقهى ريش
يعيش يعيــــــــــــــــــــــــــش
محفلط مزفلط كثير الكـــــلام
عديم الممارســــــــــــــــــــة
عدو الزحـــــــــــــــــــــــــام
بكام كلمة فاضيـــــــــــــــــة
و كام اصطـــــــــــــــــلاح
يفبرك حلول المشاكل قـــوام
يعيش المثقف يعيش يعيش يعيش
انا ارثى لك يا طاهر يا عمر
اول من يتداعى هو المتثاقف…يحفظ بعض النصوص والاسماء الاجنبية ويلطش فكرة من هنا ويخطف فكرة من هناك، وفي النهاية فان اعمدةالفكرة التي اراد الوصول اليها الا تحتمل كل هذا الوزن الثقيل من الاقتباسات المتكلفة والاقوال المجتزأة، وبعد هذه اللفة الطويلة نجد انه يريد الوصول لفكرة بسيطة لا تحتاج لكل هذا البنزين المحروق.
خلاصة الموضوع ان الكاتب المثقف يريد القول أن الكوز والبعثي والشيوعي لديه حلم سيظل منتظر تحقيقه وأن هذا لن يحدث، وأن احلامهم خبيثة.
يا اخي دع كل واحد يحلم بما يريد، المطلوب فقط هو صندوق الانتخابات، ودع الشعب يختار …وارتاح وريحنا من كل هذه السواقة والتنظير. تعدد الاحلام مفيد