مقالات وآراء

العودة إلى الخرطوم.. جدلية الإدارة وسلطة السياسة

 

صدى الوطن

آدم أبكر عيسى

في إطار الجهود المستمرة لاستعادة الاستقرار في السودان، صدر القرار رقم (152) لعام 2025 في يوليو، والذي يسعى إلى تشكيل لجنة عليا لتهيئة الأوضاع في ولاية الخرطوم لعودة المواطنين. جاء هذا القرار في الوقت المناسب، بعد قرار آخر من رئيس مجلس السيادة بإخلاء العاصمة من جميع القوات والتشكيلات العسكرية، ومنع الانفلات. وكان الهدف هو تكوين قوة خاصة من الشرطة والأمن لتأمين العاصمة، تمهيداً للعودة التدريجية للمؤسسات السيادية والوزارات.والمواطنين الي بيوتهم . قام رئيس اللجنة، وهو أحد أعضاء مجلس السيادة، مع دكتورة سلمى رئيس مجلس الوزراء د.كامل الطيب والأعضاء، بزيارة ولاية الخرطوم لإجراء تقييم أولي للوضع، حيث اعتمدوا على دراسات واستمرار التقييم لحماية عودة المواطنين.

لكن هذا المسعى الطيب يثير تساؤلاً مهماً، وهو: كيف يمكن للجنة، المكلفة بتهيئة هذا الوضع المعقد، أن تخلو من تمثيل وزارات حيوية، مثل وزارة المالية ووزارة الحكم الاتحادي ووزارة البنية التحتية؟

إن غياب هذه الوزارات يثير القلق، وقد يدل على وجود مشكلة عميقة في هيكلة اللجنة. هل كان الهدف هو تجنب وزارات معينة لأسباب سياسية معروفة، على اعتبار أن بعضها مشغول بمكونات الكفاح المسلح؟ يبدو أن هذا السؤال يصبح أكثر إلحاحاً، خاصة أن القرار جاء قبل إعادة تعيين وزراء السلام، مما يعزز فكرة انهيار التنسيق أو الإقصاء المتعمد الذي يثير الشكوك حول شفافية العملية.

إن هذا التدخل السياسي في الأمور التنفيذية، والذي يوحي بأن الأيام المقبلة ستكون مليئة بالتحديات التي قد تعرقل جهود البناء والإعمار، يدفعنا للتفكير بضرورة الفصل بين سلطات مجلس السيادة والجهاز التنفيذي. ففي وجود حكومة قائمة، كان من الأجدر أن تُترك هذه اللجان للجهاز التنفيذي، بعيداً عن تدخلات الجهات السيادية. من المهم أن تتاح الفرصة لدولة رئيس الوزراء لاتخاذ القرارات وتشكيل اللجان التي يعتبرها ضرورية، بعيداً عن التوترات السياسية التي قد تعيق العمل وتفقد الثقة في قرارات الدولة.

إن قرار تشكيل هذه اللجنة وما رافقه من تساؤلات، يمثل جانبًا من جدلية الإدارة في الدول التي تمر بمراحل انتقالية. ففي ظل الأهداف الوطنية السامية لعودة الحياة إلى العاصمة، وبين التوازنات السياسية الخفية وصراع الإرادات، يبقى الرهان على قدرة القيادة للتغلب على هذه العقبات وضمان أن تكون القرارات لصالح المصلحة العامة، بعيداً عن الضغط السياسي اللحظي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..