بعضها صدقت فيها مقولة ” تمخّض الجبل فولد فأراً” العواصم الثقافية.. مشاريع بلا (أثر) 2 ـ 2:

بثينة خضر: نريد تطوراً حقيقياً لا رغوة إعلامية!
زينب بليل: هناك أسماء بعينها تشارك في الفعاليات
الناقد محمد حسن المجمر: الفكرة نجحت إلى حد كبير في الجنينة
تحقيق: نجاة إدريس إسماعيل
درجت وزارة الثقافة في الآونة الأخيرة على الترويج للثقافة عبر مشاريع العواصم الثقافية والتي من المفترض أن تكون كافة الفنون من شعر وقصة ورواية ونقد وتشكيل ومسرح وغناء ومحاضرات مواد حاضرة فيها، امتدت مشاريع العواصم الثقافية لعدد من السنوات، وصلت في مشروع “الجنينة عاصمة الثقافة السودانية” – الذي اختتم أخيراً بحضور المشير عمر البشير رئيس الجمهورية، والذي سلم الراية لمدينة دنقلا- لمدة ست سنوات، حيت ابتدأ المشروع في عام 2011م وانتهى هذا العام .. أما مشروع “مشروع كادوقلي عاصمة التراث السوداني” فقد ابتدأ منذ عام 2015م ولا يزال قائماً، أما مشروع “سنار عاصمة الثقافة الإسلامية للعام 2017” فلا يمكن إدراجه ضمن قائمة هذه المشاريع باعتبار أنه مشروع دولي وترصد ميزانيته من منظمة الإيسسكو للتربية والعلوم والثقافة الإسلامية.
تذكرتها بالزيارة الرئاسية
الروائي معتصم الشاعر من (الجنينة) قال في إفادته لـ(الصيحة) إنه تذكر مشروع “الجنينة عاصمة الثقافة ” عندما أتى الرئيس في ختام فعالياته ليعلن أن دنقلا ستقود الحراك القادم لمشروع العواصم الثقافية، مضيفاً بأنه لم ير أي حراك طيلة السنوات الست الماضية، كما لم تتم دعوته لأي من الفعاليات، مضيفاً بأنه لم ير أي تحديث للبنيات التحتية في المدينة بخلاف مكتبة الفيتوري ومتحف السلطان تاج الدين الذي رأى الإعلان عنه ليلة افتتاحه، وأكد الشاعر بأنه حتى الإعلام المحلي بالجنينة لم يعط ” مشروع الجنينة عاصمة للثقافة “حقه من حيث الإعلان عنه أو الترويج، مضيفًا بأن الحفلات الغنائية هي التي تجذب الجمهور للبرامج الثقافية، نافياً مشاركته في أي منشط حتى يستطيع تقييم الإقبال الجماهيرى على تلك الفعاليات الثقافية من عدمه ..
وختم الشاعر حديثه: لولا الإعلام المصاحب لمشروع الزيارة الرئاسية في ختام المشروع لما سمعت عنه، ولكنت مثلي مثل الشخص الذي يسكن في ولاية البحر الأحمر مثلاً.
فكرة جيدة
الروائية بثينة خضر مكي رئيسة رابطة الأديبات السودانيات قالت في إفادتها لـ(الصيحة) إن فكرة تسليط الضوء على عواصم ثقافية بعينها هي فكرة جيدة، لأنها تجعل ولاة الأمر في الولاية المعنية يهتمون بالبنى التحتية بالمدينة حتى ترتفع المدينة المقام فيها الحدث لمستوى المناسبة.. وأضافت: على المستوى الثقافي تبذل جهود أتمنى أن تكون مرحلة إحلال العاصمة الثقافية هي مرحلة تطور حقيقي لا مجرد رغوة إعلامية تنطفئ بانتهاء المدة حتى يتم تأسيس مؤسسات ثقافية وإنشاء مسارح ومكتبات وإيجاد إذاعة محلية وتلفزيون للمدينة التي يتم اختيارها للدور الثقافي ويصب كل ذلك لصالح تطوير المدينة المعنية مضيفة أن المشروع جميل وبادرة طيبة لإعطاء بعض الجهد للثقافة حتى لا يرتكز كل الجهد المالي في توجيهه نحو الأمن مشيرة إلى أهمية الثقافة في تعزيز الأمن والسلام بالبلاد، وختمت الروائية بثينة حديثها بأن مدة مشروع العاصمة الثقافية هي مدة طويلة نسبياً وكان الأجدر أن تكون كل سنتين بدلاً عن أربع سنوات أو ست.
ليست جديدة
الناقد محمد حسن رابح المجمر قال في إفادته لـ(الصيحة) إن فكرة العواصم الثقافية في السودان ليست جديدة أو لنقل إنها عملية إعادة تنظيم لفعاليات موسمية كانت قائمة أصلاً وإن كان ذلك بشكل جزئي ومحلي بسبب صعوبات الاتصال، إذ لا تنفصل الثقافة عن النشاط الاقتصادي للمجتمعات المحلية فهى كل مركب يحمل في داخله كل هذه الانشغالات (الحياتية)، وإذا كانت الحرب الأهلية التي اقتطعت وقتاً ثميناً من تاريخ بلادنا قد أقصت النشاط الثقافي الجماعي نوعاً ما، إلا أننا نجد في العمل بنظام العواصم – في أحد وجوهه – أهم الأدوات التي تستخدمها الدولة ممثلة في وزارة الثقافة لتدارك خطر تمزق النسيج الاجتماعي ودعم عمليات الاتصال الثقافي بين ولايات البلاد المختلفة بتوظيف السياحة كعامل جذب مثمر لتحقيق هذه الغاية ، وفضلاً عن جدواها الثقافية فإنها تسهم وبشكل كبير في توفير موارد مالية تعود على الاقتصاد الوطني بالنفع .
نجاح
وأضاف مجمر بأن الفكرة نجحت إلى حد كبير في مدينة الجنينة؛ نسبة لوجود بنية تحتية للنشاط الثقافي في هذه المدينة الجميلة التي استجابت مجتمعاتها المحلية لعمليات التثاقف مع الآخرين وتقبلته بصدر رحب، وقد لعب الإعلام بمختلف وسائطه دورًا فاعلاً في هذه الأنشطة وهو ما تحتاجه فعلاً هذه المدن التي يقع عليها الاختيار لتكون عاصمة للثقافة كل عام، وهذا نجاح يعكس مدى جدية الحكومة في صناعة السلام الاجتماعي من بوابة الثقافة، ونأمل أن تتوسع مشاركة منظمات المجتمع المدني والمراكز الثقافية الوطنية والأجنبية في هذا النشاط السنوي.
تمنيات
أما القاص والروائي صديق الحلو فقد ثمن وجود عواصم ثقافية ولائية في مناطق السودان المختلفة ، مشيراً إلى أنها تعمل على تحريك العمل الثقافي في المنطقة ويتم عبرها تشييد البنيات الأساسية وأشار الحلو في إفادته لـ(الصيحة) لأهمية أن تكون هناك بيوت للثقافة في كل مدينة كبيرة؛ وذلك لضمان استمرارية الفعل الثقافي بدلاً من أن يكون العمل الثقافي موسمياً ويتم في يوم الاحتفال فقط، مضيفًا بأن ذلك يسهم في التعريف بثقافات المناطق المختلفة ومن شأنه أن يعزز ثقافة السلام، مؤكداً بأن الفنون المتنوعة ترسخ للوحدة والثقافة وتكون دائماً جاذبة وتجد القبول من مختلف ألوان الطيف؛ لأنها تجمع كل المكونات في فسيفساء موحدة رغم خصوصية كل مكان عن الآخر، إلا أن المحصلة هو سوداننا الذي نحب والذي نعيش فيه بكل طقوسه وأجوائه التي نعرفها. وأضاف الحلو بأن الفكرة ممتازة إذا طبقت بالصورة المثلى. وكنت فقط أتمنى استصحاب بعض المبدعين في مجالات مختلفة للمشاركة في مثل هذه الفعاليات. وأن تهتم وزارة الثقافة بتفريغ البعض ليكتبوا عن تلك المناطق بمعرفة.
(سكّيتي)
نفت الروائية زينب بليل في إفادتها لـ(الصيحة) أن تكون قد سمعت بمثل هذه المشاريع، مشيرة إلى أن مثل هذه الفعاليات تكون (سكّيتي) وتشارك فيها شريحة بعينها من المثقفين. وتساءلت الروائية زينب هل مشروع مثل “كادوقلى عاصمة التراث السوداني” مقصود به أهل جنوب كردفان فقط ولماذا لا يشارك كل المثقفين بكافة ألوان طيفهم في تراث كادقلي ويقصدون أناساً بعينهم وينطلق المشروع (سكّيتي) دون أن يشارك فيه الجميع للحديث عن تراث كادقلي أو للمشاركة في فعاليات الجنينة الثقافية، فهذا يحد من فعالية مثل هذه المشاريع ولماذا لا يستنفر المجلس القومي للثقافة والفنون كل المثقفين بمختلف انتماءاتهم السياسية وبكافة فنونهم للمشاركة في فعاليات هذه المشاريع الكبيرة حتى يهب للفعاليات هذه الشعراء والروائيون والقصاص والتشكيليون والمسرحيون والنقاد للمشاركة .
غياب تام للثقافة
القاص محمد المختار عبد الرحمن من مدينة نيالا قال في حديثه لـ(الصيحة) إنهم لم يشعروا بالجنينة كعاصمة ثقافية طيلة السنوات الست الماضية حيث لم تكن هناك ندوات ولا محاضرات ولا ورش ولا أمسيات ثقافية بل ظهرت الأعمال يوم الختام فقط بالزيارة الرئاسية، مضيفاً بأن تقسيم الولايات إلى ولاية شرق دارفور وغرب دارفور حد من التواصل بين المثقفين، ولكن عاد ليقول إذا كانت البرامج جاذبة كان يمكن الذهاب إليها ولكنها لم تكن موجودة أصلاً.
وعزا عبد الرحمن غياب المناشط الثقافية في مشروع “الجنينة عاصمة الثقافة السودانية ” إلى أن العمل أوكل لموظفين ليست لهم علاقة بالثقافة أصلاً.
عمل هزيل
أما على مستوى البنيات التحتية التي نفذها المشروع، فأشار محمد المختار إلى أن العمل كان هزيلاً وليس كالتصور الذي كان يحلم به المثقفون بالولاية، فمتحف السلطان كان موجوداً أصلاً فتم ترميمه فقط، وكذلك المسرح الذي تم ترميمه مضيفاً بأن الأمر لم يكن فيه أي إنجاز ولم يستفد منه المثقفون بشيء كما تم تغييبهم تماماً.
ظلم كبير
المخرج المسرحي ربيع يوسف أوضح لـ(الصيحة) أن مثل هذه المناسبات كان يمكن أن تكون فرصاً جيدة لاختبار طرائق مختلفة في إدارة العمل الثقافي وإرساء قيم كالشفافية والعدالة، وتوزيع الفرص، تخيلي لو أعلنت وزارة الثقافة عن رغبتها استلام ملفات تضمن تصورات وأنشطة ثقافية لهذه العواصم واشترطت أن يستوفي الكيان المتقدم لهذا الإعلان (جماعات ثقافية، شركات إنتاج … إلخ) الشروط القانونية وله سيرة معتبرة في المجال، ما هي النتائج المتوقع تحقيقها من هكذا تنافس، أقول أبسط نتيجة كانت ستكون تفادي شبهة المحاباة التي يستشعرها البعض، بسبب تكرار ذات الأسماء والشخصيات عند أي عمل ثقافي حكومي، هناك شخصيات تمثل اللجان وهي نفسها المتمتعة بموارد الأنشطة. مسألة أخرى أتمناها وهي أن ينقلب الأمر مرة واحدة، بحيث تتقدم المؤسسات المعنية بهذه الملفات بحساب جرد ينشر، وتقر فيه بعجزها عن تحقيق ولو عشرة في المئة من خطتها المعلنة، ذلك بدلاً من تقاريرهم التي تصورهم كآلهة تحقق حد الكمال. أما فيما يتعلق بالمسرح وحظه من هذه العواصم فإننا نستشعر ظلماً كبيراً، فلا بنيات تحتية كافية ولا تدريب لكوادرنا ولا أنشطة تستوعب طاقات المسرحيين.
غياب الرؤية
مدير مكتب الإعلام بوزارة الثقافة الأستاذ الطيب المكابرابي قال رداً على أسئلة (الصيحة) إنه لم تكن هناك رؤية متفق عليها بشأن المدن الثقافية بين الوزارة والولايات المقامة بها هذه المشاريع، مشيراً إلى التزامات أي طرف تجاه المشروع والالتزامات المشتركة ولكن أخيراً تم إقرار موجهات لهذه المشاريع من خلال الاجتماع التنسيقي لوزارء الثقافة الولائيين مضيفاً بأن لكل مشروع ميزانيته المخصصة له .
تعتيم وزاري
وكيل وزارة الثقافة الأستاذ كرم الله حامد قال في حديثه لـ(الصيحة) إنهم الآن في خواتيم مشروع ” الجنينة عاصمة الثقافة السودانية” والتي هي التجربة الأولى في المشاريع الثقافية التي نظمتها الوزارة.
وعن تكلفة المشروع أشار عباس إلى أن الوزارة لم تحصل على التقرير النهائي بعد وستحصل عليه قريباً، لذلك فإنه لا يستطيع أن يعطي رقماً بعينه فيما يختص بالقيمة المالية للمشروع، خاصة أن المشروع امتد لمدة ست سنوات وتعاقب عليه عدة وزراء.
قسمة ضيزى
وتختم الروائية زينب بليل وتتساءل: من هو المستفيد من الفعاليات إذا لم يكن المثقفون أنفسهم ومن المسؤول ومن المستفيد منها ومن الذي يرشح أسماء بعينها للمشاركة في فعاليات العواصم الثقافية كـ(قروب ) معين، مضيفة أن الشللية والقبلية والجهوية والأيدولوجية هي التي فرقت السودان وجعلته مللاً وقبائل متنافرة، وأصبحت القسمة في هذا الوطن هي (اقسم لي واقسم ليك!) وأضافت بأن اختيار المشاركين في مثل هذه المشاريع يتم من هنا؛ لأن أهل الثقافة في تلك المناطق المهمة قد لا يكون لديهم رأي في الكتاب أو المسرحيين الذين يمثلون في تلك الفعاليات والمفروض أن يكون الاختيار بالتفويض لا أن يذهب وفد محدد كل مرة ويقسم.. وأضافت رئيسة منتدى “السرد والنقد كمثقفين أصبحنا ضيوفاً في الأمور التي تخصنا لذلك لا يكون لنا رأي فيها .. أما عن مدة المشاريع هذه فقالت الروائية زينب بليل إن المدة المخصصة للمشروع طويلة جداً مضيفة بأنها سمعت عن “مشروع سنار عاصمة الثقافة الإسلامية ” منذ زمان بعيد ثم جاء المشروع ليجسد عبارة “تمخض الجبل فولد فأرا ” مضيفة بأن ستة شهور فقط تكفي للحراك الثقافي في تلك المناطق وختمت حديثها بأنها لا ترى منتوجاً لمثل هذه المشاريع التي رصدت فيها الأموال الباهظة والتي لا تعرف أين ذهبت !..
الصحية.