(حالة اضطراب) ليست هي المرة الأولى التي تتراجع فيها الحكومة عن قرار اقتصادي .. البنك المركزي يسمح باستيراد القمح

الخرطوم- نازك شمام

?تراجعت الحكومة عن تحرير القمح? هكذا أبلغ رئيس اللجنة الاقتصادية بالبرلمان ووزير المالية الأسبق علي محمود الصحفيين أمس الأول، وأشار إلى عزمها تولي استيراد كميات كبيرة من القمح خلال الأيام المقبلة وتوفيره في الأسواق وقال إن الحكومة أبلغت لجنته عزمها تولي استيراد القمح، واستيراد كميات كبيرة من المواد البترولية، مشيراً إلى أن استيراد القمح والبترول يمثلان (70 %) من نسبة الطلب على النقد الأجنبي. وأشار إلى أن استيراد القمح والبترول بواسطة الحكومة يساهم في خفض أسعار العملات الأجنبية مقابل الجنيه وتابع: ?هذا الأمر أفضل من إعطاء الموردين عملة محلية للاستيراد لجهة أنهم يعتمدون على السوق الموازي لتحويل الجنيه لعملات أجنبية بغية الاستيراد?.
(1)
ليست هذه المرة الأولى التي تتراجع فيها الحكومة عن قرار اقتصادي فالقرارات الاقتصادية التي تراجعت عنها خلال الفترة السابقة أضحت تتزايد وترتفع بوتيرة عالية بما يعكس أن ثمة اضطرابا ما في السياسة الاقتصادية، فمنذ شهر نوفمبر الماضي والجهات الاقتصادية وعلى رأسها بنك السودان ووزارة المالية تصدر قرارات ومنشورات ولا يمضي عليها وقت إلا وتتراجع عنها الدولة .
في نوفمبر الماضي أصدر البنك المركزي قرارا يلزم المصدرين ببيع 25 % من حصائل الصادر إلى البنك الأمر الذي أثار حفيظة المصدرين للفجوة الكبيرة بين السعر الرسمي وقتها وسعر الأسواق الموازي ومن ثم حدث تراجع عن هذا المنشور في شهر يناير الماضي بعد أن أعلن تنازله عن النسبة.
(2)
قرار آخر تم التراجع عنه وهو السماح لشركات الذهب الخاصة بتصدير الذهب إلى الخارج مع إلزامها ببيع نسبة تقدر بـ(30 %) ثم ارتفعت النسبة إلى (50 %) من إنتاجهم إلى المركزي وتصدير النسبة الأخرى لحساباتهم غير أن المركزي شدد على إلغاء هذا المنشور بشكل مغلظ خلال الأيام القليلة الماضية حيث أكدت الرئاسة السودانية على احتكار الحكومة شراء وبيع وتصدير الذهب عبر بنك السودان.
وبدا التراجع الأخير عن سياسة تحرير القمح الذي أعلنته اللجنة الاقتصادية بالبرلمان غير مفاجئ في ظل الأوضاع الراهنة لاسيما وأن هذا القرار لم يمض على إقراره سوى أسابيع قليلة فقد أعلنت وزارة المالية تحرير سلعة القمح بصورة رسمية في الأسبوع الثاني من تطبيق الموازنة فارتفعت أسعار الخبز وأصبحت القطعة منه بجنيه الأمر الذي زاد من معاناة المواطنين المعيشية وأدى إلى اندلاع احتجاجات سلمية في مختلف أنحاء السودان.
ومع بوادر تحرير القمح احتج عدد من أصحاب المخابز بأن السعر الآني للخبز غير عادل بالنسبة لهم حيث أن استيراد القمح سيتم عبر مواردهم من النقد الأجنبي بسعر الأسواق الموازية بما يعني أن هذه الأسعار ستبدو غير ثابتة وسترتفع توازنا مع ارتفاع أسعار الصرف بالأسواق غير الرسمية.
(3)
يرى المحلل الاقتصادي، د. هيثم محمد فتحي أن إصدار القرارات يتطلب الكثير من الإلمام والأحاطة بالمعطيات والمتطلبات الواقعية، وأكد تعرض الحكومة لضغوط كبيرة من البرلمان ومؤسسات المجتمع المدني المعنيه بالأمر الاجتماعي وخبراء الرأي الاقتصادي وأشار إلى أن حزمة القرارات الاقتصادية الصادرة مع موازنة العام 2018 وقعت على الناس وقع الصاعقة وفاقت التوقعات حجما وعمقا وأكد على أنها ترجمت حجم التدهور الذي أصاب الاقتصاد القومي خلال السنوات الماضية بعد خروج البترول من صادراتنا وعبرت عن واقع اقتصادي جديد مؤلم جدا.
وقال فتحي إن تحرير القمح لم يكن فى مصلحة الكثيرين بالذات في هذه الموازنة ولا مصلحة الطبقة الوسطى ولا العمال ولا الفقراء، وأشار إلى إنها تسببت في حالة الفوضى فى الأسعار التي أضرت بالجميع. وأضاف: الحكومة بيدها أن تتخذ من الإجراءات ما يحقق قدرا من التوازن والعدالة فى توزيع العبء الناجم عن موازنة العام الحالي بالتدخل لمساندة الإنتاجية الزراعية والصناعية والخدمات المتأثرة بتلك الزيادة بما يحقق قدرا من الحماية لأصحاب الدخول المحدودة والمتوسطة ويحد من الارتفاعات المتزايدة في الأسعار.
ونوه إلى ان التفكير الاقتصادي ينادي بضرورة اتخاذ الإجراءات القاسية دفعة واحدة . لكن يتطلب في الوقت نفسه التدرج في تصحيح المسار والتأكد من اتخاذ الإجراءات الحمائية لتلك القرارات القاسية مبينا ان هذه القرارات أوصى بها البرنامج الثلاثي المنتهي في 2014م ثم البرنامج الخماسي المنتهي في 2019، وأن القرارات جاءت نتيجة سياسات اقتصادية محددة تبنتها الدولة منذ 1992 والذي عجل بها هو زيادة عجز الموازنة والدين العام إلى مستويات خطيرة ونضوب الاحتياطي النقدي وتراجع معدلات الاستثمار والإنتاج والإنتاجية والصادرات. وأكد فتحي أن هذه الأسباب يدفع ثمنها المواطن اليوم ارتفاعا في الأسعار وتراجعا في قيمة العملة الوطنية وندرة في فرص العمل.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..