صعود الوعي بدور التراث والثقافة

صعود الوعي بدور التراث والثقافة

جماع مردس
[email][email protected][/email]

سوق عكاظ مهرجان ثقافي وأدبي عربي قديم، وهو بدلالاته في ذاكرتنا الثقافية العربية يقودنا للمعلقات السبع وكل الآثار الأدبية العتيقة والجميلة، ويحمد للمملكة العربية السعودية إعلائها من شأن الدور الوظيفي للثقافة والتراث العربيين، كما يحمد لقيادتها الرشيدة وعيها بدور المهرجانات الثقافية وبالذات دور الأدب في تجسير الروابط الشعبية وتعميق العلاقات البينية والوجدانية، فالثقافة هي التي توفر لنا الأسباب الذاتية لبناء إرادة جمعية تتعاطى بفعالية وإيجابية مع تحولات العالم وتطوراته. وفكرة إحياء مهرجان سوق عكاظ تجيء في سياق هذا الاهتمام لتعكس جانبًا من وعي متميز لسمو الأمير الشاعر خالد الفيصل ونظرته الاستراتيجية لصناعة الوعي وتعميم المعرفة في الوسط الاجتماعي، فالوعي هو البوابة الحيوية التي تصنع مجتمعًا قادرًا على تحمل المسؤولية والقيام بواجباته. صحيح أن المنابر الثقافية العربية تتباين في تقديم ما هو ثقافي على السياسي، ولكن يتضح يومًا بعد يوم أن دور ما هو ثقافي
أكثر جدوى في تعزيز وتمتين ثقافة الأمة وتشكيل وعي صحي لواقعها ولمستقبلها
من ما هو سياسي.

ومهما يكن فإن لسوق عكاظ دلالات مكانية وزمانية مهمة، إذ يحوز على رصيد مدهش في الوجدان العربي، فما إن يذكر سوق عكاظ حتى تستعيد الذاكرة المطارحات الشعرية والمعارك البيانية والمساجلات البلاغية، وهو اليوم في ثوبه الجديد يقوم بوظيفته تلك مع تسويق الإنتاج الأدبي للأمة العربية ليجلي غبار تلك السنين ويشكّل قوة توحيد ثقافية هائلة لأمتنا العربية، وللمفارقة لولا المبادرة المتميزة من الأمير الشاعر خالد الفيصل بإحياء مهرجان عكاظ للتراث والثقافة لكادت ذكراه تقع في إسار النسيان وتمعن في الاندثار. ولكن بفضل هذا التبني، يبرز مهرجان عكاظ، بقوة تنفي أنه كان أثرًا بعد عين، وهكذا يولد سوق عكاظ من جديد كما طائر الفينيق.

إن مهرجان سوق عكاظ يكمل سلسلة حلقات مهرجانات التراث والثقافة، التي بدأت من الجنادرية ولن تنتهي في إحياء مهرجان سوق عكاظ أو بانتشار الأندية الأدبية والمهرجانات السياحية في المدن الرئيسية، أو بإصدارات الملاحق الثقافية في الصحف السعودية الكبرى.

مناسبة إطراء مهرجان عكاظ، تستوجبها إشادة مستحقة بإيراد بعض ما شهدته في دورة سوق عكاظ الأخيرة ، فقد كنت ضمن وفد اتحاد الكتاب السودانيين وشهدت جانبًا من فعاليات المهرجان، وفي الحقيقة بقدر ما أمتع المهرجان كل الذين أمّوه بقدر ما حرر الحاضر الثقافي مما يمكن تسميته المشكلات مع الثقافة والتراث، فقد جمع كل مدارس الأدب والأدباء مما عكس تراثًا ثقافيًّا ثرًّا، وعرفنا على الأدب العربي في أقاليم لم يكن لها إسهام معلن؛ وخصوصًا تجربة الأدب السعودي الحديث وبالذات في مجالات إحياء التراث والثقافة العربيين.

بالطبع مشروعات إحياء الثقافة العربية قديمة وسابقة على مهرجان سوق عكاظ، ويعود تاريخها إلى الفترة التي أعقبت انفراط السلطنة العثمانية، حينها أخذ مشروع إحياء الثقافة العربية في الصعود في أكثر من بلد وعبر أكثر من منبر، ولكنه ما لبث أن تحول من هدفه الثقافي إلى مشروع سياسي حاول كل منبر أن يؤطر به لمشروع وحدة الوطن العربي السياسية. ويا له من هدف، ولكن مشكلته فيمن تبناه. إذ المشروعات القومية العربية في أشكالها المختلفة تبنت هذه المشروعات الثقافية ولكن نزعت عنها تلقائيتها وعفويتها وقيدتها بالهدف السياسي وهو توحيد الوطن العربي وفي ذلك تنكّر للثقافة؛ بل وقمع لها، بل وفي الحقيقة ما لبثنا أن شهدنا محاربة المثقفين وانخراط أصحاب المشروعات في حروب ضد بعضهم البعض كما حدث بين سوريا والعراق في القرن الماضي، ولا نجانب الصواب حين نقول إن هذا الخلط بين ما هو ثقافي وما هو سياسي أضر بالثقافة العربية وبدور التراث الوظيفي في تجسير العلاقات الشعبية وخلق وحدة وثيقة العرى بين الأمة الواحدة، وفي الحقيقة حقق الخلط عكس مقاصده تمامًا، وما كان ينبغي خلط دور الثقافة بالمشروعات السياسية مثلما كان يجب التفريق بين مفهوم الوطن العربي وبين فكرة الأمة العربية، الوطن العربي مساحة من الأرض تمتد من المحيط إلى الخليج وهي جغرافية طبيعية، ولكنها منذ العشرينيات أصبحت تضم كيانات سياسية لها حدود دولية معترف بها، ولهذا إنكارها يعد قفزًا شديد التعقيد، وبالتالي لا يجوز إسقاط فكرة الأمة العربية هكذا حتى لو كان المبرر الهروب من واقع التجزئة فإن ذلك هروب صريح من واقع عالمنا العربي وأمتنا العربية.

وقد أضافت مشاركة الشاعر السوداني عبد القادر الكتيابي بعدًا في شمولية مهرجان عكاظ الثقافي، فأهل السودان هم القنطرة الضرورية والجسر الذي لا غنى عنه للثقافة العربية إلى أفريقيا جنوب الصحراء ولهم إسهام كبير في الرواية وضروب الإبداع الأخرى، ومع ذلك يشعرون بتهميش أدبهم وموقعه في المشهد الثقافي العربي، وحين يجدون كوّة يطلّون منها على عالمهم العربي فإنهم يجدون في ذلك سعادة بالغة. ومهرجان سوق عكاظ طرح نفسه في مقام الأمل المنتظر في تعزيزه لمشاركة أهل الإبداع السوداني وبالطبع في تشجيعه دور الثقافة والتراث العربيان ليعلبا وظيفتهما المحورية في دائرة التعامل مع واقع ثقافتنا العربية، التواصل الثقافي هو الذي يحيل مكاسبنا القومية والوطنية إلى مشروعات عملية، بالثقافة يتم الارتقاء بالوطن العربي من مجرد رقعة جغرافية إلى وعاء للأمة العربية لا تكون إلا به ولا يكون إلا بها …

(*) عضو اتحاد الكتاب السودانيين

تعليق واحد

  1. تحية طيبة

    مهما أختلفت الشعوب العربية تتلاقي وتتفق في الشعر والأدب مهرجان عكاظ نكتشف في كل موسم من المهرجان شئ جديد وشعار ومثقف جديد يحدثنا عن معني الحروف والكلمات وينسج لنا ابيات من عبارات مزينة بحب الأخ لأخية يذكرنا بها ماضئ اجددنا وكذلك مهرجان الجنادريا في الرياض ربط الود فيناوجمع شعوب العرب في خيمة واحد

    كما كان تمثيل الشاعر الكبير الكتيابي في المهرجان مفخر لكل سوداني مقيم في بلاد الحرمين أولا ثم لكل شوداني في جميع بقاع الأرض زين السودان بتاج من ابيات الشعر كان لحضور اعجاب ودهشة

  2. لله درك يا اخي جماع وانت تلفت نظرنا لهذا الموضوع الكبير فسوق عكاظ هو اكبر واقدم تظاهرة للشعر والادب والثقافه العربيه والمعلقات التي علقت علي جدران الكعبه وما زالت باقيه هي توثيق ادبي وتاريخي يعبر عن قيم ذالك المجتمع وثقافته …
    نسأل الله ان يوفق القائمين عليه وان تتحفنا ببعض المشاهد والاعمال التي عرضت فيه وكيفية المشاركه وشكرا………

  3. يا استاذ كلامك سمح (بلحيل)، لكن قصة (انو) السودان قنطرة أو جسر أو بوابة (ما بتلفق معانا) نهائيا. ياخ لمتين نظل نحن مجرد كبري للعبور او خفير للحراسة؟ اما ان نكون نحن السودانيين سيد (الشيء ذاتو وللا بلاش). اصبحنا (ملطشة)، نمشي (بي هنا يطردونا)، نرجع بهناك (يابونا)، وفي نهاية قلنا خلاص نبقي حراس وقناطر وجسور. (ياخ فكونا) من هذه المصطلحات (الخايبة).

  4. لك التحية والتقدير , ليس بالخبز وحده يحيى الانسان , وكما قيل أن الشعوب تنسجم مع ثقافتها وتراثها ولكن السودان يشهد تدميرا منظما لتراث بعض منطاق السودان وأصبح التراث جهوي وقبلي
    بشكل مقيت .وهكذا الحال في ظل السلطة الشمولية في سوداننا.

  5. لك التحيه الاستاذ جماع (المجموع) كما يسميك دوما صديقك دكتور ميرغني عبدالعزيز النطاس البارع له التحيه وللمبدع الكتيابي فحقيقه كما افاد احد الحضور انه ليس بالخبز وحده يحي الانسان وليس بالسياسه وحدها يعيش المرء ولكن خليط من هنا وهناك فلي رجاء ان ان تكتب عن اديبنا صاحب شاهد اثبات والافريقيات شاعرنا الكبير الذي يقاسي ويعاني وهو طريح الفراش انفض من حوله السمار الا من قرينة وفيه في اقصي ريف المغرب العربي شاعرنا الكبير الفيتوري القائل (الغافل من ظن ان الاشياء هي الاشياء). وانك يا يا استاذ ورهط من اصدقاؤك في منتدي الامام عبدالرحمن كالاديب الطيب حاج مكي والشاعر الفذ رئيس الكتاب السودانيين سيدنا عالم عباس محمد نور والدكتور ميرغني والاديب الكبير بشري الفاضل يمكن لكم ان تتبنوا ندوة تتناول اثر الفيتوري وشعره والتعريف به وتكون نواة للمساهمه بالوقوف معه في هذا الظرف الحرج ويمكن ان تستنفروا لها اهل الادب والفن ليساهموا فيها.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..