روائح نتنة

للأسبوع الثاني على التوالي نفَّذ المئات من مواطني الحارات «62، 63، 73،74، 100» شمال أم درمان تظاهرات سلمية احتجاجاً على إنشاء مكب للنفايات جوار منازلهم.

المواطنون تفاجأوا ذات صباح وبدون مقدمات بآليات تنهش الأرض بإصرار وتخترق باطنها تمهيداً لملئها بقاذورات تنشر روائحَ كريهة تحيل الحياة هناك إلى جحيم لا يُطاق.
عدد من الزملاء الصحافيين الذين يقطنون تلك البقعة أوصلوا صوتهم كتابة، لكن ذلك لم يغيِّر في الأمر شيئاً، بل خرج عليهم رئيس المجلس الأعلى للبيئة والترقية الحضرية حسن إسماعيل بتصريح أكد فيه ألا تراجع عن إنشاء المحطة في مكانها الحالي.
وحتى لا نصوِّر القضية وكأنها صراع بين مجلس البيئة والصحافيين، دعونا نتناول الأمر من عدة جوانب لنبين خطورة ما يجري هناك على المواطنين ككل.
أولاً: حتى وإن كان المكب آمناً كما يقولون ولن تصدر عنه سوى الروائح النتنة، فهذا وحده كافٍ لإلغاء المحطة حتى نقي السكان شر الإيذاء، علماً بأن المردم يقع على بعد أمتار قليلة من المنازل في الحارة «100».
ثانياً: هذه المنطقة ستكون مرتعاً للكلاب الضالة والحيوانات والبعوض والذباب، وستتأثر بالتأكيد الرقعة المحيطة بها، جراء الأمراض التي تنقلها هذه الحيوانات والحشرات، وبالتالي تصبح البيئة طاردة.
ثالثاً: تلوث الهواء ينشر الالتهاب الرئوي والحساسية والسعال وأمراض القلب، والتهابات العيون والكُلى، ويلحق أضراراً بليغة بالنباتات والأزهار والثمار.
ما حدث في مدينة الصحافيين الحارة «100» يمكن أن يحدث في أحياء الصفوة غرب أم درمان التي تبعد أكثر من «20» كيلو متراً من قلب المدينة، ويمكن أن يحدث أيضاً في الوادي الأخضر بالخرطوم بحري. لأن مواصفات وطبيعة هذه المناطق تتشابه إلى حد كبير وتلتقي جميعها في بعد المسافة.
مدن الصحافيين التي تم توزيعها لمجموعة مقدرة من منسوبي هذه المهنة، كان الهدف منها استقرارهم ووقايتهم من الإيجارات وتأمين مستقبل أبنائهم.
ورغم البُعد وقلة السكان، ارتضى نفرٌ منهم السكن وعمَّروا فيها ما استطاعوا وبذلوا جهوداً كبيرة لتنميتها قبل أن تدهمهم الآليات في إحداها وتحيل أيامهم ومستقبلهم إلى أحلام كالحة السواد.
كثير من الصحافيين تحفظوا على موقع هذه المدن خوفاً من أن تحدث مثل هذه الأشياء، وهاهي مخاوفهم تتحقق بعد سنوات قليلة من توزيعها عليهم.
قال الصحافيون حينها إن المناطق البعيدة لا تناسبهم بحكم طبيعة عملهم التي تفرض عليهم القرب من المصادر والدوائر، إلى جانب عودتهم في الساعات الأولى من الصباح، الأمر الذي يعرضهم لهجمات اللصوص والكلاب الضالة في المناطق النائية.
الأسئلة التي تفرض نفسها هي، لماذا الإصرار على إنشاء محطات نفايات وصرف صحي جوار الأحياء السكنية والمساحات الخالية موجودة على امتداد أم درمان وحتى الحدود المتاخمة للولايات الأخرى؟.
لماذا تخرج التصريحات المستفزة والمتحدية في قمة الأزمة بدلاً عن التوضيحات والاجتماعات وتبادل الرؤى والأفكار حول القضية محل الخلاف؟.
أين اتحاد الصحافيين من الأزمة الحالية؟ وهل هناك تحركات جادة لإيقاف العمل بهذه المحطة وإيجاد مكان بديل لها بعيداً عن حارة يقطنها منسوبيهم؟.
هل يحتمل سكان الحارات أذى الروائح الكريهة وخطر الأوبئة؟.

الانتباهة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..