مقالات وآراء

كيف نصنع من فسيخ الانقلاب شرباتا؟

حسين عبدالجليل

بعض المصائب تولد فرصا  نادرة  لاعادة  التشكيل والصياغة لكيان ما  بشكل مغاير  وأفضل بكثير مما  كان عليه الحال قبل المصيبة ، ولعل في الاصطفاف السياسي الذي حدث بعد أتفاق حمدوك مع العسكر بعد انقلاب البرهان – حميدتي فرصة تاريخية للقضاء علي التشرزم والتشظي الذي بليت به الاحزاب السياسية السودانية منذ الاربعينات من القرن الماضي . ماأعنيه هنا هو الاصطفاف الذي بدأ يتبلور لمعسكرين : معسكر  يساري  ثوري رافض للأتفاق ويضم الحزب الشيوعي السوداني ، حزب المؤتمر ، احزاب البعث والاتحاديين والجمهوريين . أضافة للجان  المقاومة وتجمع المهنيين  ومعسكر يميني  محافظ داعم للأتفاق سيضم حزب الامة ، الاتحاديين جناح الختمية ، الاسلاميين ، الجماعات الدارفورية المسلحة ، جماعة ترك البجاوية والسلفيين .

لأول  مرة منذ الاستقلال ستنقسم كل الكيانات السودانية لكتلتين متمايزتين  سياسيا قبل مدة كافية من أنتخابات برلمانية قادمة ، وفي هذا خير كثير يمكن أن أحسن توجيهه أن يؤدي لاختراق تاريخي في التطور السياسي لمستقبل الحزبية في بلادنا .  فبلادنا تحتاج لفترة استقرار سياسي طويل الأمد يتم فيه رتق ماخربته سني الأنقاذ العجاف من دمار ، ويتم فيها تحقيق تنمية متسارعة ومتوازنة تستفيد منها كل اقاليم السودان . لن يتحقق الاستقرار والتنمية المتسارعة المستدامة في ظل حكومات ديمقراطية أئتلافية تسيطر فيها أحزاب الاقلية علي توازن القوي بين الاحزاب الكبري. وحيث أن الفشل في التجربة الديمقراطية القادمة ليس بخيار علي الأطلاق – لذا فان كثرة وتعدد الكيانات السياسية في سودان المستقبل القريب هي رفاهية لم يحن وقتها بعد .

تجربة الجمهورية الرئاسية الانقاذية الدكتاتورية تجعل الكثيرين يتوجسون خيفة من التوجه الدكتاتوري لاي نظام يتمتع فيه رئيس الجهورية بصلاحيات كبيرة تفوق صلاحية البرلمان . لذا فأنني أتمني لبلادي نظام حكم برلماني يرأس السلطة التنفيذية فيه رئيس وزراء ينتخبه ، يستجوبه ، ويعزله ممثلو الشعب بالبرلمان .

في حالة تطوير الاصطفاف المتبلور حول اتفاق البرهان وحمدوك بحيث ينتج عنه انضواء  كل احزاب السودان في كتلتين سياسيتين متمايزتين (أثنتين فقط)  ، لكل منهما برنامج سياسي واحد تتفق عليه كل الاحزاب والكيانات المنضوية تحت لواء الكتلة  ، فستكون نتيجة الانتخابات القادمة أن تحكم السودان كتلة سياسية متناسقة ذات اغلبية مريحة  . ستكمل الكتلة الحاكمة  دورة  حكمها  كاملة دون خوف من سقوط حكومتها  قبل الانتخابات التالية .  وبذلك ستتمكن من أنفاذ برنامجها  الذي فازت  بموجبه في الانتخابات . أيضا ستكون هنالك كتلة  معارضة  قوية ومتناسقة ، تراقب أداء الحكومة القومية – في نفس الوقت الذي ربما تكون فيه كتلة   المعارضة هي الكيان   الحاكم لبعض الولايات و المدن الكبري (حكومة محلية)  وتكون الكتلة الحاكمة قوميا هي المعارضة في تلك الحكومات الولائية المحلية .

في البدء لن يتطلب انشاء كتلتين سياسيتين أن تذوب كل الاحزاب المنضوية في الكتلة في حزب واحد . يكفي اتفاقهم علي برنامج سياسي واحد يخوضون بموجبه الانتخابات القومية و الولائية .  و لكن يجب   أن يكون لهم مرشحا واحدا (فقط لاغير)  يتفقون عليه في كل دائرة انتخابية (فمثلا  ستتفق احزاب الكتلة المحافظه علي مرشح واحد  من حزب الامة في دائرة  انتخابية ما  بالجبلين  أو ربك حيث  لحزب الامة وجود معتبر .

هناك ،  بينما سيتفقون علي مرشح واحد من جماعة ترك ليكون مرشحهم في دائرة بسنكات و هكذا الحال) . في المستقبل وبعد بضع دورات انتخابية ربما تتطور الكتلة  وتصبح حزبا واحدا .

هذا هو مقترحي المتواضع لانشاء نظام سياسي ديمقراطي مبسط ، يجمع بين مايوفره النظام الديمقراطي للمواطن من حرية ، كرامة ، شفافية وحكم راشد وبين ماتوفره النظم غير الديمقراطية المنضبطة (الصين و سنغافورة نموذجا) من أستقرار وتنمية متسارعة وأمن . فان تبلور الاصطفاف الناتج عن الاتفاق المجحف الذي فرضه العسكر علي حمدوك علي حدوث هذا الاختراق السياسي التاريخي (انضواء كل احزاب السودان في كتلتين انتخابيتين أثنين فقط) فاننا بذلك  نكون قد صنعنا من فسيخ الانقلاب شرباتا .

والله المستعان

[email protected]

‫6 تعليقات

  1. ((في المستقبل وبعد بضع دورات انتخابية ربما تتطور الكتلة وتصبح حزبا واحدا))؟؟
    لزومو شنو نهدر عمر تاني لتتعلم الأحزاب أو قد لا تتعلم؟؟
    لماذا لا نركل كل الانقلابيين والفشلة عنهم ما تعلموا الديمقراطية الحزبية – لماذا لا نجرب الديمقراطية المباشرة التي تتجاوز الأحزاب وتختار الجماهير ممثليها من الدوائر السكانية والمهنية والفئوية بشرط أنيحظر قانون الانتخابات الترشح أو الدعاية باسم أي حزب سياسي وكل مترشح مسئول شخصياً ومحاسب من ناخبيه في دائرته ولهم حق سحب الثقة منه في أي وقت قبل وبعد انتهاء الدورة البرلمانية!

    1. مقترحك هذا لديمقراطية بلا حزبية هو مقترح مثالي جميل و لانظير له في العالم ولكن لن يتوافق السودانيون عليه طوعا ابدا . الفرصة الوحيدة لتنفيذه هو فرضه بواسطة نظام ديكتاتوري , وتلك محطة تخطاها شعبنا .

  2. حاول محامي سيف الإسلام لقذافي تقديم طعن في قرار منع موكله من خوض الانتخابات..فاغلق مسلحون المحكمة..بقوة السلاح..في دارفور تقاتل أفرادبطون قبيلة بني حسين ومات نفر كريم..بسبب الحق في نظارة القبيلة..نظارة البجا مرشحها.. هو مرشح الشرق..الانتخابات تحتاج الأحزاب فاعلة وتملك البرنامج والمال اللازم لنشر الوعي ومحاربة الجهوية والقبلية ..وتحتاج حكومة قوية ..تجمع السلاح وتبسط القانون ..ولذا لابد من تمديد الانتقالية ..اذا اردنا السلامة للوطن..

  3. لو وافقتك علي قولك بان (الانتخابات تحتاج الأحزاب فاعلة وتملك البرنامج والمال اللازم لنشر الوعي ومحاربة الجهوية والقبلية ..وتحتاج حكومة قوية ..تجمع السلاح وتبسط القانون ..ولذا لابد من تمديد الانتقالية ..اذا اردنا السلامة للوطن..) فكيف سنصل او نحدد الفترة الفاصلة/التاريخ الفاصل من عمر الانتقالية الطويل الممدد الذي بعده سنقيم الانتخابات المنتظرة لكون ان الأحزاب اصبحت فاعلة وتملك البرنامج والمال اللازم لنشر الوعي ومحاربة الجهوية والقبلية ?

    الانتخابات الحرة , أي غير المزورة و لو مع الجهوية و القبلية هي الترياق لعدم فرض اي دكتاتورية مدنية كانت ام عسكرية , فاختيار الشعب السوداني بجهويته و قبليته لممثليه خير من فرضهم عليه بواسطة صفوة تدعي معرفتها بما هو أصلح له .

  4. يا أستاذي ليس هنالك إنتخابات ويرأسها البرهان وحمدتي..حتي وإن جاءت أمم أخري وشرفت عليها ..كل الذي سوف يحصل سيأتي علي كرتي “وهو صاحب حمدتي” ويفك ألفي كييسو من دولارات ويوزعها و”يفوز” حزبه في الآخر ..ألا تلاحظ معنا يا أإخي كيف يتحدث الكيزان عن “الإنتخابات” بكل وقاحة؟ تحسبوها لعب؟

  5. إذا تراهن يا أستاذ حسين فلنجعل ذلك أحد الخيارات المنصوص عليها والمطروحة في مسودة الدستور الذي يتم الاستفتاء عليه في نهاية الفترة الانتقالية – التي ستأتي رغم أنف العسكر والأحزاب العديمة الجماهير – الخاطفة والمخطوف منها والانقلابية الحمدوكية والرافضة للإنقلاب- ونتيجة الاستفتاء ستثبت ما في صدور الشباب من سلوك الأحزاب في سرقة ثورتهم وهم الذين قدموا الأرواح فسبقوهم إلى اللجنة الأمنية التي بيدها السلطة وتفاوضوا معهم على تقاسم السلطة فوقعوا معهم اتفاقية يضمر كلا طرفيها باستغلال الفترة الانتقالية لصالحه -فالعسكر أرادوها سنتين واقمة الانتخابات تحت اشرافهم لاعادة السلطة للفلول وفي يدهم ما سرقوه من المال وما تحت يدهم من مؤسسات الدولة – وأحزاب قحت كانت تريدها أطول فترة انتقالية ليأسهم من الانتخابات التي لن تأتي بهم لقلة جماهيرهم ولقلة ذات اليد ولسوء سلوكهم مع الشباب باختطاف الثورة وجعل الأمر بينهم وبين العسكر واهدار أرواح ودماء الشباب بانسحابهم من الاعتصام تواطؤاً مع العسكر وترك الشباب للمجزرة والاغتصاب من أوباش الجنجويد في عاصمة البلاد وأمام مقر قيادة جيشها!! فهل بعد كل هذا يا استاذ حسين تظن أن الشباب سيقبلون بحكم الأحزاب – حزبين أو ثلاثة أو حتى حزباً واحداً؟؟؟ لا أظن ذلك، بل لا أتصور فرض الديمقراطية الحزبية مرة أخرى إلا بفرضه من العسكر والأحزاب الانقلابية إن استطاعوا وهيهات لهم ذلكمع شباب الثورة!!

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..