المثقفون.. وكرة القدم: والدة شاعر: لقد ضعت نهائياً يا ولدي

الخرطوم/ نبيل غالي
راجت مقولة بأن المثقفين يكرهون كرة القدم، إذ يعتبر المثقفون أنفسهم أنهم نخبة المجتمع، وأن الصراع على الكرة من أجل إحراز هدف (قلة شغلة). المقولة تتهم المثقفين بأنهم يتعالون على اللعبة مستندين إلى وصف توفيق الحكيم للاعبي كرة القدم بأن (عقولهم في أرجلهم). لكن الكاتب المصري أشرف عبد الشافي دحض تلك الشائعة المغرضة عن كراهية المثقفين لكرة القدم في كتابه (المثقفون وكرة القدم)، أكد فيه أن المبدعين يعشقون الساحرة المستديرة ويتمتعون بها لعباً ومشاهدة، فالشاعر محمود درويش كان يرى أن كرة القدم أشرف الحروب. أما نجيب محفوظ، فكان كابتناً في كرة القدم، ويلعب في الهجوم في مركز الجناح الأيسر، وكان هداف الفريق، لذا لم يكن مستغرباً بأن تضع جريدة (نيويورك تايمز) نجيب محفوظ في قلب دفاع تشكيلة من حائزي جائزة نوبل في الآداب. وها هو (البيركامو) أصغر الحائزين على تلك الجائزة، كان حارساً لمرمى فريق كرة القدم في جامعة وهران بالجزائر. أما ألمانيا إبان تنظيمها لكأس العالم في عام 2006م، فقد جعلت الآداب جزءاً من الترويج الإعلامي لهذه البطولة الكروية المهمة. فخصصت قسماً للأدب كان الجمهور يشاهده قبل دخول الاستاد؛ كتب وروايات اهتمت بكرة القدم فكان (باولو كويهلو) و(أمبرتو إيكو) من ضيوف المونديال، بل كانت المفاجأة أن الكاتب الألماني (جونتر جراس) الحائز على جائزة نوبل للآداب كان يقرأ مقاطع من أعمله في الاستاد الرئيسي للمونديال. ونطالع في كتاب عبد الشافي أن الشاعر الأمريكي (إليوت) كان يرى أن الكرة هي العنصر الأساسي في الثقافة المعاصرة، وكان يتهرب من الندوات الثقافية ليشاهد المباريات. وكان الروائي البرازيلي (جورج أمادو) يؤكد أن كرة القدم تحدد ثقافة الشعوب، وأن عظمة البرازيل تسكن بين أقدام الموهوبين في تلك اللعبة.
نأمل أن نجد كاتباً لدينا مثل أشرف عبد الشافي يؤرخ لبعض كتابنا وأدبائنا وفنانينا، الذين مارسوا لعبة كرة القدم وكانوا عاشقين لها، فمن ذكريات فناننا الساطع الكابلي أنه في مطلع الستينيات من القرن الماضي، حينما كان في جامعة الخرطوم، أنشأ فريقا لكرة القدم كان ينافس به فريق الرائع الكاتب الكبير أستاذنا علي المك، حيث كان كل منهما يستعين بلاعبين كبار من فريق المريخ مثل برعي، جاد الله، جقدول وماجد.. إنني الآن أتحسر ندماً لأنني لم أواصل لعب كرة القدم التي مارستها في شبابي وأدمنتها حينما أصبحت مديراً للكرة بفريق الموردة في سنار.
أنا ندمان وسافي التراب على طريقة الشاعر الروسي الأشهر (يفتو شينكو) الذي كان يلعب حارس مرمى، لكنه حينما وجد نفسه في الشعر اعتزل اللعب حتى إن أمه قالت له: “لقد ضعت نهائياً يا ولدي!”، وقد قال لي أحد أساتذتي بالمدرسة الثانوية، حينما التقيته بعد سنين عددا، قال: “أما زلت تمارس كتابة القصة والنقد؟ لقد ضعت يا ابني”..!
اليوم التالي

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..