حقيبة الداخلية بين الحكمة المدنية والعصا العسكرية ..!

المنصب الوزاري خدمياً كان أو سيادياً أو إقتصادياً في النظم الديمقراطية الشفافة تحكمه قوانين الدولة المستمدة من دستورها والتي يطبقها من يكلف به بحياد وتجرد عن اللونيات والولاءات الحزبية التي عادة ما تتبدل بالتدوال وتظل تلك القوانين ثابتة لا تتأثر بتعاقب الشخوص إلا نادراً وفقاً لمقتضيات تتم بواسطة المؤسسات التشريعية المنتخبة وليست تخضع للمزاجية الحزبية الحاكمة الضيقة لآن كوابح المعارضة الرشيدة لا يمكن أن تسمح بمرور ذلك إلا إذا رأت ضرورة وطنية ملحة لإضافة قانون أو حزف آخر !
وزيرة داخلية بريطانيا شابة وديعة قالت أنها لم تمسك مسدساً في حياتها ولكنها استطاعت السيطرة على الإضطرابات التي سادت لندن وبعض المدن في السنوات القليلة المنصرفة دون أن يطلق أى جندي طلقة واحدة تجاه مثيري الفوضى وإنما فعّلت القوانين التي تحكم مثل تلك الحالات وهي السلاح الأمضى لإستعادة هيبة الدولة وإلا في حالة فشلها سيكون أمامها الخيار الأخلاقي الوحيد وهو الإستقالة التي قد تعقبها المساءلة!
ولكن حينما هبت إنتفاضة سبتمبر الأخيرة في السودان كان ابراهيم محمود وزير الداخلية آخر من يعلم عن من الذي أطلق الرصاص مطرأً على صدور العصافير الزغب من الفتيان والفتيات ، ولم يستقل الوزير المدلل لولائه الحزبي ولم يكلف نفسه بالإعتذار للشعب السوداني أو حتى ذوي الضحايا !
الآن من الواضح أن حالة الإستقطاب بين العصا العسكرية التي بدأت تنظر لبعضها بالريبة لاسيما داخل القوات المسلحة والنظامية وتسعى بالمقابل لتهميش الدور المدني الحزبي في دوائر الحكم بغية الإمساك بزمام الشارع المتململ وخشية أن تنحاز بعض الوحدات العسكرية في الشرطة والجيش الى جانب الجماهير في حالة تحركه وقد بلغت الأرواح الحلقوم !
فعودة الفريق عصمت الى الداخلية ليحتل مكان وزير الولاء الحزبي المغمور عبد الواحد يوسف الذي لم يعرف له ظاهر أو باطن لقصر المدة التي تولى فيها المنصب ، دون شك عودة لها ما بعدها وهي تنذر برفع العصا العسكرية في وجه الشعب بكل تأكيد !
فهل يعلم أهل الإنقاذ أن صيانة الأمن تتأتي بالعدل ونزاهة الحاكم وتوفير العيش الكريم للناس ، ولنا من الأمثلة ما يؤكد أن الحكمة المدنية ربما تكون أكثر قابلية لبسط الأمن في ربوع الوطن ،فقد كان الأمير عبد الله نقد الله وكلمنت امبورو وسيد أحمد الحسين نموذجاً حياً في هذا الصدد
ولكن هل يدرك أهل سياسة أم دلدوم في هيجة غياب العقل الراشد أنها لا ترهب غبن الأحرار ولن تحقق الحد الأدنى من الإستقرار !
ليتهم يعلمون !
استاذنا المعلم والكاتب والصحفى ذو القلم الانيق مع احترامى اليك واعتذارى لما اقوله (انت بتأذن فى مالطا) ليتهم يسمعون آذانك وسيسمعونه قصبا عنهم بأذن الله لأن شعبنا معلم الثورات انه شعب السودان العظيم .