الناقد السوداني السر السيد: منهج السلطة تجاه الدراما تجاوز الرقابة إلى القتل المتعمّد

صلاح الدين مصطفى : يعتبر الناقد الدرامي السوداني السر السيد: أن مشروع حكومة الإنقاذ لا يعترف بالدراما كفعل ثقافي يعبر عن هوية البلد، ويرى أن هذا المفهوم يتجاوز عقبة الرقابة التي تقبل بالدراما، لكنها ترفض ما لا يتوافق مع مشروعها الحضاري.
ويقول السر- الذي شغل منصب مدير إدارة الدراما في التلفزيون قبل عدة سنوات- في حوار مع «القدس العربي»، إن الإنقاذ لها منهج واضح ومقصود في تغييب الدراما.

■ كيف تفسر غياب الدراما التلفزيونية السودانية خلال الخمس والعشرين سنة الماضية؟
□ للنظر لهذا الموضوع يجب أن نرجع للوراء، فمنذ نشأة التلفزيون السوداني في ستينيات القرن الماضي، كانت الدراما جزءا أساسيا في برمجته، وكانت تقدم على الهواء، ثم تم التركيز على شهر رمضان بعد انتشار (الفيديو). وتعتبر الفترة بين 63-1990 فترة إنتاج غزير نسبيا، مقارنة بما بعدها، لكن حكومة الإنقاذ التي جاءت عام 1989 عملت على تفكيك كل ما كان موجودا، خاصة في مجال الإعلام، وفقا لتخطيط ممنهج، عكس الأنظمة السابقة التي كانت تهمل الثقافة بشكل عام.
جاءت الإنقاذ بكتّاب ومخرجين بمواصفات محددة، وظلت تتدخل في كل عمليات الإنتاج واختيار الموضوعات، وعلى سبيل المثال، منعت ظهور المرأة بشعر مكشوف حتى لو كانت في غرفة نومها.. وقس على ذلك!
■ وما الأثر الذي أحدثه هذا الوضع على الدراما السودانية؟
□ الأثر كان كبيرا، وعلى مستويين: حدث قطع لتاريخ إنتاج الدراما وانعدمت بذلك فرص التراكم والتطور، وأحدثت هذه القطيعة مع الإنتاج الوطني، فراغا عريضا، تم ملؤه بالدراما العربية، فإضافة للمسلسل المصري، عرض التلفزيون السوداني دراما سورية وتركية ووصل الأمر للدراما الصينية.
■ لكن هذه الدراما التي ذكرتها أكثر بُعدا عن مشروع الإنقاذ الحضاري؟
□ فطن بعض المسؤولين لهذا الأمر، وعملوا على إنتاج دراما سودانية بمواصفات خاصة، منذ عام 1994 وحتى عام 2000. وظل إنتاج الدراما السودانية في تصاعد مستمر، ولم يكن ذلك ناتجا عن تخطيط ثقافي شامل، فقد كان مدير التلفزيون آنذاك الطيب مصطفى يرى أن الدراما العربية لا تعبّر عن المشروع الحضاري للإنقاذ ولا يمكن التحكم فيها.
■ لقد توليت إدارة الدراما في التلفزيون في تلك الحقبة، ماذا فعلت لإعادة الأمور لنصابها؟
□ كنت على قناعة باستغلال الهامش الموجود، وبدأنا نشتغل وفقا للتصورات العامة الموجودة، ووفقا لقناعتنا بضرورة وجود إنتاج محلي وبخبرتنا استطعنا تحريك عجلة الإنتاج لسقف معقول جدا، واستطعنا تنويع القضايا التي تتناولها الدراما، وكنا محاصرين بذهنية مضادة لوجود الدراما، بل لوجود الفعل الثقافي عموما، وكنا في حالة مد وجزر لستة أعوام، لكن ومنذ عام 2000 وحتى الآن توقف الإنتاج إلا من بعض الأعمال التي تظهر هنا وهناك.
■ يدعي كثيرون أنّ إنتاج الدراما فوق طاقة الميزانيات المعتمدة، كما أنّ السودانيين ? وفقا لادّعاء آخر ? لا يحبون مشاهدة الدراما المحلية؟
□ هذه الادعاءات ظلت تتردد بكثافة، لكن الواقع فنّدها كلها، فالتلفزيون السوداني يشتري دراما عربية (30) حلقة في كل شهر و(12) مسلسلا سنويا، ولو خصص 50% من تكلفة شراء هذه المسلسلات لإنتاج دراما محلية لكانت النتيجة أفضل على كافة المستويات، والسودانيون يحبون نجومهم، فمعظم المعلنين الآن يستعينون بنجوم الدراما، كما أن أسماء المسلسلات تكتب على لافتات المحلات التجارية وعربات النقل والمواصلات العامة مثل (الدهباية، أقمار الضواحي، الشاهد والضحية ، دكين) وغيرها من أسماء الأبطال، وهنالك جانب مهم، هو انتشار الدراما السودانية وتسويقها في شرق ووسط أفريقيا، وبدأت هذه المحاولات في إرتيريا، تشاد، أفريقيا الوسطى وغيرها، لكن بعد توقف الإنتاج السوداني ملأت الدراما النيجيرية هذه الأسواق.
■ إذن ماذا كسبت حكومة الإنقاذ من محاربة الدراما السودانية؟
□ للأسف لم تكسب شيئا وخسرت ما لا يمكن تعويضه، اتضح لاحقا أن الأفق الفكري والوطني لمن بيدهم صنع القرار ضعيف جدا، فالدراما من أكثر الفنون التي تعبّر عن ثقافة البلد، وهي التي تحكي قصص الناس وحكاياتهم وتغرس فيهم الحس التنموي والسياسي وتدعم بالتالي الأمن القومي. وعلى أرض الواقع (إنضربت) كل ادعاءات الحكومة وإعلامها وذابت الهوية السودانية، فزفة العرس الآن على الطريقة المصرية والعربية، بل تعدت ذلك للموسيقى الغربية، وأضحى هنالك تنميط ونمذجة للشخصية السودانية، بحيث أصبح اللون الأصفر (للبنات) هو مقياس الجمال الشعبي.
■ هنالك أمر مهم أعاق إنتاج الدراما لكنك لم تتطرق له وهو (الرقابة)؟
□ الرقابة موجودة في كل العالم، وهي موجودة عندنا في مجال النشر، حيث تتم مصادرة الصحف والكتب باستمرار، وهذا لم يوقف الإبداع ولا النشر، لكن القضية بالنسبة للدراما أكبر من ذلك بكثير، هنالك من لا يريدون أي إنتاج للدراما السودانية، سواء كان خاضعا للرقابة أم خارجا عن إطارها. في السابق ? ولوقت قريب- كانت الرقابة بمفهومها الإخلاقي والسياسي موجودة، ولكن في وجود إنتاج، فبعد إيقاف مسلسل «الأقدام الحافية» قدمت أعمال عديدة، وحتى فيلم «الجنرال» عندما مُنع من البث في الجهاز القومي تم عرضه في تلفزيون ولاية الخرطوم. والمبدعون لديهم أساليبهم الفنية في الالتفاف على الرقابة، لكن الموضوع أكبر من ذلك بكثير.
■ ما هو موقف المنتجين والمبدعين من إصرار حكومة الإنقاذ على وأد الدراما السودانية؟
□ للأسف الغالبية العظمى منهم ليس لديها موقف، فكثيرون يعتبرون أن وجودهم في هذا المجال الغرض منه (أكل العيش) فقط، وكثير من العاملين في مجال الدراما غير معنيين بخلق شروط إنتاج جيدة، ولا بضرورة وجود حرية تعبير ولا يوجد تخطيط أساسا لأيّ عمل درامي، ماعدا قلة تصارع وسط أمواج هائلة، وحتى على مستوى الإعلام لا يوجد وعي كاف بأهمية هذا الموضوع، والإعلام السوداني أساسا غير معني بالقضايا العميقة وهو إعلام تعبوي وترفيهي ولا يتعمّق في قضايا وإشكالات الثقافة الحقيقية.

صلاح الدين مصطفى

القدس العربي
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. كيف يا السر السيد و أنت جزء من السلطة و جزء من الرقابة و جزء من عملية القتل؟ انت قايل زاكرة الشعب السوداني مثقوبة ولا شنو؟ انت احد صبية السلطة و مسؤول مسؤلية كاملة عن كل ما اقترفته في حق الدراما و زملائك الدراميين.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..