استقالة القراي: لم ينجح أحد

لدكتور القراي في استقالته الحزينة مأخذ قوى مستحق على السيد حمدوك رئيس الوزراء. فصدر قرار حمدوك بتجميد شغله على رأس لجنة المناهج بعد مشاورات ناقدة ومعادية للمنهج شملت طيفاً من المؤسسات من غير أن يجلس إليه ولا مرة واحدة حتى بعد أن سعى إليه لتوضيح ما عنده بوجه شانيئه. فأغلق رئيس الوزراء بابه في وجه القراي في حين دخلته المتردية والنطيحة وما أكل السبع. وهذه ظلمات لا بحق القراي فحسب بل بحق الثورة. فمعلوم أنه تجمعت سحب معارضة المناهج منذ فتح القراي خشمه بعد تعيينه في أكتوبر ٢٠١٩. وغير خاف أن المناهج كانت “ثغرة الدفرسوار” (ثغرة بين جيشين مصريين نفذ منها الجيش لإسرائيلي غرب القناة وطوقهما ورجّح الكفة لصالحه بعد نصر مصر المباغت في حرب أكتوبر ١٩٧٣) ركبتها الثورة المضادة وحققت منها نصرين. أما النصر الأول فهو اجبارها الحكومة أن تستغني عن موظف كبير بها مهاناً مذلولاً مضافاً لكسبها في إعفاء دكتور أكرم من وزارة الصحة. أما الثاني فهي فرض أفقها المضاد لما تكون عليه المناهج وتأمين حضورها في عملية تغييرها.
لابد أن القراي عاش وحشة كئيبة لعام ونيف يصطلي نيرن الثورة المضادة وغير المضادة. لقد عَدِم الزمالة التي في ندرة الكبريت الأحمر في صفوة المعارضة التي عرفتها عن كثب. فلم أقرأ للجمهوريين من خاصته يسندون ظهره بهجوم مضاد على المنهج القديم وهم من أحسن نقده في كتاب النور حمد وخلف الله عبود الذي عرضته هنا يوم أمس. ولم يجد هذا السند من فائز السليك، مستشار رئيس الوزراء، وهو صاحب أدق النظر في بعض مناهج الإنقاذ. فلا أعرف من طعن فيها مثله وباختصار. فعرض لكتاب “الثقافة الإسلامية” (٢٠٠٩) المقرر الجامعي من تأليف النعمان محمد صالح وحسن عووضة ومبارك عبد الله الذي قال عن الديمقراطية إنها أحد “صور الشرك الحديثة”. وانتظر مثل المؤتمر السوداني تجميد المنهج ليستنكره ولم يحرك ساكناً طوال ما كانت العوة واقفة. فقال بعظمة بيانه إن المنهج تعرض لهجوم في منصات الرأي العام “وكان من اللازم مناقشة الجهة التي وضعت المناهج والتحري معها حول رؤيتها وحول الأخطاء ومن ثَمّ إجراء اللازم وفق الأسس العلمية والمهنية”. ولا أعرف كيف لم يلزمهم هذا اللازم بالتدخل في الأمر خفافاً إما تربوياً من فوق رؤية تربوية اختصوا بها، أو من جهة الإجراءات في التحري في ما استثار هذه المنصات وأزعجها. ولما لم “يتب” (يثب) الحزب في عنفوان الصراع بإيجابية جاء بآخرة بعد خراب مالطا لينتقد رئيس الوزراء مما هو سياسية عاقبة في سياسة عاقبة من مشهورات قحت كأننا ناقصين.
أما خسارتنا الأكبر للثورة والإسلام فهي في فرض مجمع الفقه الإسلامي نفسه في خطاب المناهج كديدبان الهوية السودانية. وعَزّى حمدوك نفسه حيال هذا الفرض بقوله إنهم أعادوا تشكيله “بواسطة حكومة الثورة ليعبر عن روح الإسلام والتدين الذي يرفض التطرف والغلو . بل خرجتُ بغصة من بيان جماعة الأنصار التي احتفلت بقرار تجميد المنهج بإشادة مسرفة بمجمع الفقه. ولا أعرف المرات التي نبهت إلى خطر هذا المجمع على ابتلائنا بتحديات الحداثة. وليس قولي بخطره من صنعي بل مما استفدته من الدكتور حسن الترابي في دراستي الموسومة “الترابي وثيولوجيا الحداثة”. فلم ينشأ هذا المجمع إلا على جثته كما يقولون. فقد رفضه قيامه وهو في الشوكة حتى خرج منها بالمفاصلة في ١٩٩٩. وله في ذلك رؤية متقدمة. فمن رأيه أن رجال الدين من نعرف زائدة دودية في جسد الإسلام صادروا التشريع تاريخياً من الأمة واحتكروه لأنفسهم. وعليه فقد استبعدهم إلا بشروط من تبعة مقارعة التحدي الذي مثلته الحداثة للإسلام. ونزع منهم حق الفتوى في ابتلاءات الحداثة إلا في إطار مجمع علمي يشمل تخصصات في الطب والعلوم والعلوم الاجتماعية والإنسانية.
وبقدر ما حاولت عبر السنوات تعميم هذه المعلومة عن خطر مجمع الفقه كما رآه الترابي لم أجد سوى التبكيت من معارضي الإنقاذ الرسميين ناهيك من الاتهام بالكوزنة. فأنت لا تقرأ الترابي في عرفهم. فهو لا يصلح إلا للردم. ويظن حمدوك أنه أصلح المجمع إصلاحاً سيخرجه من التزمت للإشراق الديني. ولم نر منه هذا الإشراق في معركة المناهج الحالية بل أسرف في الغلو والتطفل.
اشفقني خطاب استقالة القراي على خلق الزمالة بين طاقم الموظفين الذين انتدبناهم لقيادة الثورة. وساقتني الشفقة إلى أيام في عهد مايو استوحش فيها التكنوقراط من مثل جعفر بخيت ومنصور خالد وإبراهيم منعم في صراعهم مع كادرات الاتحاد الاشتراكي وآخرين سماهم منصور بتجار السياسة. وكتب جعفر بخيت يندب بؤس الزمالة بينهم. وأذكر أنه استشهد بالمتنبي حمّال الأسية:
وما يقبض الموت نفساً من نفوسهم إلا وفي يده من نتنها عود
ووجدتُ الثورة المضادة تنتظر متلمظة سقوط ثالث بيدها هي بعد كرم والقراي.
هل يرجى من الوهبية إلا الغلو و التزمت و الماضيوية
حمدوك سقط
الوضع يحتاج الي مراجعه شامله و أصلاحات عاااااااااجله ..
كان من الاجدر كتابة تربط اهمية درس أسباب النهضة و عصرها الغربية الي المنتهي الحداثي وتنبيه أهمية و شرط الخروج من نمط الاستهلاك للانتاج باتباع حرفية (دافنشي و مايكل انجلو) أو علي الاقل فك الارتباط الجمالي عن الروحي بالدروس.
الناس اهتمت بالموضوع بعد الشغل وصل مراحل متقدمة، عشان كده الشك في الـprocess ظهر. التجميد دا مفروض الناس تستفيد منو في توضيح الكلام التم والأطر الحكمتو. من غير مهاترات تكفيرية ثورية، لأنو بقى في محاولة تكوين مجمع فقه قيم الثورة وناس بتدعي الحق في تأويل الثورة. الحرية والسلام والعدالة ما عليها خلاف، وهي نفس المبادئ البتملي علينا إنو من حق السلفي برضو إنو كلامو يتسمع ويتوزن بعدين يا أتأخد بيهو يا الأغلبية اتجاوزتو. عندنا مشكلة صفوة عايزة تعمل “مشروع حضاري” مضاد، عشان تجر الشعب الجاهل لى قيما الراقية.
فتوى مجمع الفقه ترتقي للنشاط التكفيري فعلاً، لكن برضو في مجتمعنا في حوجة لى خدمات فتوى، وحتى لو الحكومة رفعت يدها منو ممكن يظهر كمنظمة مجتمع مدني، محتاجين تنظير لى إطار أخلاقي وقانوني لعمل الأجسام المشابهة. ومحتاجين إعادة تعريف رجال الدين برضو، أقترح إنو المناصب الدينية والدعوية من الإمامة وحتى الفتوى يتم ربط رخصة ممارستها بالحصول على درجات علمية في العلوم الإنسانيّة أيضاً وليس الدينية فقط، وخاصة في مؤسسات زي مجمع الفقه، كأن يشترط حصول العضو على درجة الدكتوراة في الفلسفة أو علم الاجتماع مثلاً، أفتكر إننا محتاجين مراجعات كبيرة في طريقة تربية رجال الدين والعساكر.