ثم تغير كل شيء..!ا

اوراق متناثرة
ثم تغير كل شيء..!!
غادة عبد العزيز
نشر الكاتب الصحافي الأمريكي «جيف جرينفليد» كتابا في مارس 2011م، بعنوان «ثم تغير كل شيء». وحاول الكاتب ان يدرس تاريخ امريكا السياسي الذي كان من الممكن أن يكون بدلا من التاريخ الذي سجل لنا اليوم. والتاريخ الأمريكي حافل خلال العقود الماضية بالكثير من الأحداث المثيرة، فمثلا كان هنالك اغتيال الاخوين كندي، وبدأ الكاتب يحاول ان يدرك ماذا كان سيكون حال امريكا لو أن الاخوين نجحا في تفادي محاولة اغتيالهما. وأدى «جيف» القسم ليصبح رئيسا فعليا للولايات المتحدة؟ وهنالك العديد من السيناريوهات الاخرى التي حاول «جيف» دراستها في كتابه. ووجدتني انغمس في احتمالاته التي حاول تصورها للقراء.
وبالرغم من مقولتنا المأثورة بأن «لو» حينما تقال فهي تفتح للشيطان «والعياذ بالله» الف باب وباب، إلا أنني وجدت نفسي غير قادرة على تجاهل اقتراح «جيف». و«ضبطت» نفسي وهي مندفعة تفكر في السيناريوهات والاحتمالات التاريخية المختلفة التي كانت من الممكن أن تشكل بلادي اليوم. وبدأت من القدم بالاستعمار، ماذا «لو» ان السودان لم يستقل من بريطانيا؟ وبالرغم من أن البعض يحاول ان يظهر ان وضع البلاد كان افضل في ظل الاستعمار وانه لربما نحتاج الى ان نعيد المستعمر مرة أخرى إلى البلاد حتى نتمكن من استرجاع بعض ما كان لنا، إلا انني اجدني اعارض بشدة. فكان قرار الوطن سيكون في ايدي غيرنا، وكنا نستطيع ان نجد في الاستعمار الشماعة المثالية التي نعلق عليها خيباتنا «وفي الحقيقة نحن لا نزال نفعل هذا حتى بعد استقلالنا باكثر من نصف القرن»، إلا اننا ندرك الآن ان اخطاءنا هي ملكنا وحدنا ولا يمكن لغيرنا إصلاحها.
أما أكبر «لو» بدأت اخوض فيها، كانت ماذا سيكون تاريخ السودان اليوم ووضعه في العالم إذا لم تقع الانقلابات العسكرية المتعاقبة. فلقد كان هنالك انقلاب «عبود» ثم «نميري» ثم الجبهة الإسلامية، وظلت الديمقراطية مجرد لقب يضاف إلى اسم بلادنا الرسمي زينةً اكثر من كونها ممارسة فعلية في البلاد، بالرغم من أن معظم الشعب السوداني يطمح في الديمقراطية ويسعى لها. إذا ترى، هل كان السودان سيكون بلدا ديمقراطيا؟ وبعملية حسابية بسطية، منذ بداية الاستقلال وحتى اليوم، كان من المفترض ان تجرى أحد عشر انتخابات، بل وكان من المفترض ان نكون هذه الأيام على اهبة الاستعداد للانتخابات الثانية عشر، بدلا عن الانتخابات الأربعة التي شهدها السودان حتى الآن.
وماذا «لو» وضع قادتنا، على مدار تاريخنا غير الديمقراطي، مصلحة هذه الامة نصب اعينهم باعتبارها هدفا اولا. كان الاهتمام سيكون كبيرا بالتعليم والعلاج والعمل، بل وحتى الاحتياجات الاساسية، مثل المياه والكهرباء التي تجاوزتها معظم دول العالم «حتى غير المتقدم» والتي لا تمتلك ذات الامكانيات التي يختزنها السودان. لكننا نجدنا لا نزال في ذات الدائرة وذات الحديث، وكل عام يمر ونلقي ذات التحذيرات «بالمناسبة، الخريف قد قارب موسمه، حتى لا يأتي هذا العام بغتة كما يحدث في كل مرة». إن الأحلام تظل مشروعة، والسيناريوهات المختلفة تظل مطلوبة، ليس للتحسر على سنوات ضائعة، ولكن رغبةً في الاهتمام بالسنوات المقبلة، حتى نستلب محاولة لنغير فيها «كل شيء»!
الصحافة