ايديولوجيات التدين المحمولة جوا، بين السلفية والصوفية

المعارك الأخيرة بين الصوفية والسلفية، والتي ضجت بها المساجد واهتزت لها الزوايا و وسائل التواصل الاجتماعية (ولم تسلم منها صينية الغداء)، تعكس تماما حجم الخطر الداهم الذي يهدد أمن السودان واستقراره الاجتماعي.
على الرغم من أن التدين في أصله حرية شخصية، إلا أن الأمر إذا تعلق بتمويل فكري ودعم مالي مشبوه أنتج رجال دين ميسورين تطال أيديهم مناهج التعليم وأهلها نائمون، يصبح الأمر حينها على الاقل في عرف الدول ذات السيادة قضية أمن قومي.

لغة الحوار المستخدمة ذات ألفاظ معبأة بمفاهيم متفجرة وجمل تكفيرية تنفي عنصر البراءة وصدق التوجه، لم تعد (وجادلهم بالتي هي أحسن) هي أصل الدين، ولم تعد شمائل المصطفى سنة تحتذى، انما هو الاقصاء والقتل المعنوي كمرحلة أولية تمهيدية تسبق القتل المادي.

لم يعد الدين موجها للنفوس والارواح صوب بارئها وخالقها الذي فطر الناس على معرفتة، وجعل كتابه المنظور دليلا وأمارة صدق على كتابه المسطور بصورة تستفز العقل وتشحذه للتدبر.

الدين في السودان، في جميع تمظهراته يتمايز في سمته عن باقي شعوب العالم الاسلامي في علاقة جدلية، تأثير وتأثر وتبادل أدوار ماتع وجميل، وبالازاء شعوب العالم، هي الأخرى تتمايز بعضها عن بعض، ولا يقدح ذلك في لب الدين ولا في جوهره ولا في روحة التوحيدية الأصيلة التي تفرد بها، وكلنا يفهم التوحيد من سورة الإخلاص (قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد) وليس لنا حاجة لمزيد ايضاح فايضاح الواضح ابهام.

ما الذي استجد وانقلب؟

إنه إذن التدين عابر القارات والبلدان، وكلنا يدرك الفارق بين الدين والتدين، بين جلباب السلفية وجلباب الصوفية، التدين في أصلة هو تفاعل بين ثابت الدين ومطلقه وبين الواقع البشري المتحرك، لذلك تجد تدين الصديق غير تدين الفاروق وتدين أبو ذر الغفاري غير تدين عثمان ابن عفان وتدين طلحة والزبير غير تدين علي، رضوان الله عليهم جميعا، وكلهم حاز سبقاَ.

غير أن التدين عابر البلدان والقارات هو في جوهرة ايديولوجيات تبشيرية من بلدان تبحث عن النفوذ والسيطرة، يمثلها شيوخ ذوي سحنات بيضاء ومقومات نجومية تشده المشاهد وتجعله يبتلع ما يسمع شهوةً لا عقلاً وفكراً، أصبحت الفضائيات السودانية منبر لدعاة السعودية وشيوخ حضرموت، وعلماء السودان يجلسون القرفصاء بين أيديهم تبركاً وتقرباً، حتى الفتاوى والمعاملات اليومية التي تتمايز بها الشعوب بحسب ثقافاتها، تصدى لها شيوخ السعودية ذوي الخلفيات البدوية الصحراوية التي لا تشبه أهل الزراعة أرباب الحضارات، وليس الأمر قدحا فيهم ولكننا لسنا هم.

لم يسلم مسجد من عراك وسجال حول المندوبات والمستحبات على ألسنة قوم تدينوا بين عشية وضحاها وأصبحوا شيوخاً فحق عليهم القول من الرسول الكريم صلوات ربي عليه وسلامه (إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ الْعِبَادِ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا).

صديق النعمة الطيب
[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..