جماعة الاخوان الميتين

سيكون علينا أن ننتظر مزيدا من شهيدات وشهداء الأخوان، لكي نتأكد من أن الجماعة الدينية التي فشلت في حكم مصر لا تزال موجودة. فبدلا من أن تموت، حكمت الجماعة على اتباعها بالموت.

بقلم: فاروق يوسف

ما جرى عند أسوار نادي الحرس الجمهوري في القاهرة حين قُتل أكثر من خمسين شخصا يمكن استعادته في أماكن أخرى. ذلك لان جماعة الاخوان المسلمين وهي التي تبشر اتباعها بموت خال من الخطيئة لا تزال مصرة على أن توهم أولئك الاتباع بان المطالبة بعودة مرسي إلى الحكم هو فريضة شرعية.

سيقال أن الجماعة ترتكب خطأ تاريخيا في حق أتباعها حين تضللهم بهذه الطريقة البشعة. ولكن متى كان للتاريخ شيء من التقدير في مسيرة تلك الجماعة التي كانت حاضنة لكل الحركات الارهابية التي لا تزال تتخذ من الدين ستارا لتنفيذ مخططاتها في تجريم المجتمع والاقتصاص منه.

لقد دخلت الجماعة إلى عالم السياسة بذريعة الحق الالهي وهي تعرف جيدا أن أصول اللعبة السياسية ستأخذها بعيدا عن الدين، الذي هو تمرين روحي، يغلب عليه الجانب الشخصي.

كان الاغتيال هو الوسيلة التي تصفي من خلالها الجماعة خصومها السياسيين. من النقراشي باشا إلى الرئيس جمال عبدالناصر امتد خيط الدعوة الدموي، الذي كان حاملوه على يقين من أنهم يضحون بارواحهم من أجل قضية سامية.

لم تكن السياسة ولا السلطة هي الهدف. لقد غلفت الجماعة أدبياتها بالعقيدة. فكان أتباعها يرتكبون جرائمهم التي تدخل في اطار الاغتيال السياسي وهم على ثقة من أنهم لا يرتكبون اثما. بل كانوا يؤمنون بانهم عن طريق القتل إنما يطهرون الأرض من الفاسقين والكفار.

وهذا بالضبط ما كانت عليه أحوال فرقة الحشاشين من أتباع حسن الصباح في القرن الحادي عشر. لقد كان فدائيو قلعة آلموت ينفذون جرائمهم السياسية علنا وهم يعرفون انهم ذاهبون إلى الموت لا محالة، غير أنه الموت الذي ستتبعه حياة أبدية أعدها لهم سيدهم بمزاج ذكوري فاخر.

ما نراه اليوم في مصر يؤكد أن لعبة حسن الصباح لا تزال ممكنة.

فالمرشد الاخواني الذي هو وريث حسن البنا في منصبه قد ورث من حسن الصباح لعبة مزج الدين بالسياسة بمهارة فائقة، بحيث يبدو العمل السياسي نوعا من العبادة، وهو ما جعل الاتباع المضللين يطابقون ما يسميه الأخوان بشرعية بقاء محمد مرسي حاكما بالشريعة التي يؤمنون بها قانونا أبديا للحياة.

بالنسبة لأولئك الاتباع وبعدما غسلت عقولهم بمادة عقائدية لا ينفد مفعولها بيسر فان كل ما تقوله الجماعة هو الحق المطلق. فلا معنى للإيمان بالله من وجهة نظرهم من غير التقيد بما تأمر به الجماعة. وإلا ما معنى البيعة التي يستلهمها المرشد الاخواني من نص قرآني صريح كان قد خص بدلالاته النبي وحده.

إن رهان جماعة الاخوان المسلمين في مصر في هذه المرحلة انما يقع في هذه النقطة الحرجة بالذات. وهو ما يعبر عنه اقبال أتباعها على الموت بيسر من أجل نيل الشهادة. وإلا كيف يمكننا تفسير اقدام جموع من البشر على اقتحام مبنى عسكري هو نادي الحرس الجمهوري الذي يفترض ان يكون محصنا؟

الجماعة الدينية تراهن اليوم على قتلاها.

أمن أجل عودتها المستحيلة إلى الحكم أم من أجل الدفاع عن عزلتها عن الحياة السياسية في مصر؟

كان الشعار المرفوع في رابعة العدوية يلخص فكرة الأخوان عن موت يمكنه أن يكون عنصريا فيميز بين شخص وآخر. “قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار” ألا يبشر ذلك الشعار بمزيد من القتلى، مغمضي العيون، مقفلي العقول؟

سيكون علينا أن ننتظر مزيدا من شهيدات وشهداء الأخوان، لكي نتأكد من أن الجماعة الدينية التي فشلت في حكم مصر لا تزال موجودة.

فبدلا من أن تموت حكمت الجماعة على اتباعها بالموت.

فاروق يوسف
ميدل ايست أونلاين

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..