مقالات سياسية

استراتيجية الغرقان: العلاقات المصرية السودانية

المستشار اسماعيل هجانة

يمثل المشهد السياسي المتكشف في السودان، والذي يتميز بشبكة معقدة من التحالفات والصراعات، منعطفًا حاسمًا لمصر. وفي خضم هذه الاضطرابات، تعكس المناورات الدبلوماسية والاستراتيجية التي تجريها مصر مزيجاً من الفطنة التكتيكية والغموض الاستراتيجي، وربما قدر من التوهان. ويسلط الدعم الذي تلقاه البرهان، على الرغم من انتماءاته إلى جماعة الإخوان المسلمين، الخصم التقليدي للقاهرة، الضوء على النهج المعقد، والمتناقض أحيانًا، الذي تتبعه مصر في التعامل مع التضاريس السياسية في السودان. تحاول مصر من هذه الرشاقة التكتيكية، التي تهدف إلى وضع مصر كوسيط أو قوة لتحقيق الاستقرار، تهدد بترسيخ الانقسامات وإدامة الوضع الراهن الذي يتسم بالتشرذم والصراع.

إن الاعتماد على تحالفات مؤقتة وغياب رؤية طويلة المدى لاستقرار السودان يجسدان ديناميكية إقليمية أوسع حيث غالباً ما يتم السعي لتحقيق مكاسب فورية على حساب الحلول المستدامة. إن هذا الفراغ الاستراتيجي، إلى جانب التفاعل الديناميكي بين مصر والسودان، يسلط الضوء على ضرورة وجود إطار استراتيجي يتوقع السيناريوهات المستقبلية ويعمل على تحقيق السودان المستقر والمزدهر. وفق معادلة جديدة لم تتحسب لها مصر من قبل.

وبينما يمر السودان بتحولات كبيرة، خاصة في المناطق الغربية مع ظهور قوات الدعم السريع كعنصر فاعل محوري، تواجه مصر حاجة ملحة لإعادة ضبط نهجها. إن التعامل مع الحقائق الجديدة على الأرض، بما في ذلك صعود قوات الدعم السريع، ليس مجرد خيار دبلوماسي، بل هو ضرورة استراتيجية لمصر للحفاظ على نفوذها والمساهمة بشكل فعال في الاستقرار الإقليمي. ويجب أن تتجاوز هذه المشاركة المناورات التكتيكية وتشكل جزءًا من استراتيجية شاملة تهدف إلى تعزيز علاقة تعاونية مستقرة مع السودان.

إن الدفء الأخير في العلاقات بين نظام البرهان وإيران يقدم بعدًا حاسمًا للمعادلة الإقليمية، مما قد يؤثر على المصالح الاستراتيجية لمصر، خاصة في ممر البحر الأحمر. ويستلزم هذا التطور من مصر استراتيجية دقيقة واستباقية لموازنة نفوذ طهران المتزايد وحماية أمنها القومي وهيمنتها الإقليمية. وتؤكد الديناميكيات المتطورة حاجة مصر إلى التفكير فيما وراء الوضع الحالي، مع الأخذ في الاعتبار التداعيات المستقبلية للتدخل الإيراني في السودان.

إن الاعتبارات الإستراتيجية، بما في ذلك أمن ممر البحر الأحمر، وتوازن القوى الإقليمي، واحتمال نشوب صراعات بالوكالة، تسلط الضوء على الطبيعة الحاسمة للبصيرة الإستراتيجية لمصر التي يبدو انها باتت تعاني من بعض الشلل. إن التكيف مع المشهد الجيوسياسي المتغير أمر ضروري لمصر للحفاظ على أمنها ومصالحها الاقتصادية ونفوذها الإقليمي. إن الفشل في معالجة هذه الديناميكيات المتطورة بشكل استباقي يمكن أن يقلل من مكانة مصر على الساحة الإقليمية والدولية، مع ما يترتب على ذلك من عواقب بعيدة المدى على أمنها القومي وأهدافها الاستراتيجية.

علاوة على ذلك، أدت الأزمة الإنسانية في السودان، والتي تفاقمت بسبب الصراعات المستمرة، إلى تدفق أعداد كبيرة من اللاجئين السودانيين إلى مصر. يمثل هذا الوضع التزامًا إنسانيًا وتحديًا اقتصاديًا للقاهرة. ويشكل تزايد عدد اللاجئين ضغطًا إضافيًا على موارد مصر وخدماتها، وسط اعتباراتها الاقتصادية الخاصة والمعقدة. إن تلبية احتياجات اللاجئين السودانيين وإدارة الآثار الاقتصادية تتطلب نهجا شاملا يتضمن التعاون والدعم الدوليين.

تقف مصر على مفترق طرق استراتيجي في تعاملها مع الأزمة السودانية. إن الحاجة إلى استراتيجية متماسكة وتطلعية تشمل التعامل مع جميع الجهات الفاعلة المؤثرة، بما في ذلك قوات الدعم السريع، تعالج التداعيات الإقليمية لتورط إيران، وترى أن التأثير الإنساني والاقتصادي لتدفق اللاجئين السودانيين أمر بالغ الأهمية. ومن خلال القيام بذلك، تستطيع مصر التغلب على تعقيدات المشهد السياسي في السودان، والحفاظ على نفوذها الإقليمي، والمساهمة في إنشاء مستقبل مستقر ومزدهر لكلا البلدين. إن إعادة المعايرة الاستراتيجية هذه ليست مسألة مرونة دبلوماسية فحسب، بل هي ضرورة استراتيجية في مواجهة المشهد الإقليمي سريع التغير والتحديات الإنسانية والاقتصادية المصاحبة له.

استراتيجية الغرق: العلاقات المصرية السودانية” هو وصف مناسب للمستنقع الذي تجد مصر نفسها فيه وهي تبحر في المياه المضطربة للأزمة المستمرة في السودان. وعلى الرغم من إظهار الفطنة التكتيكية في استجاباتها الفورية، فإن افتقار مصر إلى رؤية استراتيجية طويلة المدى يهدد بالوقوع في شركها. في دورة من التدابير التفاعلية التي تفشل في معالجة الأسباب الجذرية أو تشكيل طريق نحو الاستقرار الدائم. ومع استمرار تطور المشهد السياسي المعقد في السودان، مع ظهور جهات فاعلة جديدة وتحول الديناميكيات الإقليمية، يتعين على مصر إعادة معايرة نهجها وتطوير استراتيجية جديدة. إن الاستراتيجية المتماسكة التي تتجاوز التحالفات المؤقتة أصبحت أمراً ملحاً على نحو متزايد. وبدون مثل هذا البصيرة الاستراتيجية، فإن مصر لا تخاطر بتقليص نفوذ علاقاتها في السودان فحسب، بل تخاطر أيضاً بأمنها ومكانتها الإقليمية. وفي نهاية المطاف، فإن نجاح العلاقات المصرية السودانية وفقا لروية حديثة ومتجددة ومتجاوز للارث الملغوم، سوف يتوقف على قدرة مصر على الظهور ومن الأعماق الاستراتيجية والسير في مسار يضمن الرخاء والاستقرار المتبادلين، وبالتالي منع غرق علاقاتهما الثنائية في التيارات المضطربة للتكتيكات قصيرة النظر.
اسماعيل هجانة
المستشار الاستراتيجي للشون الانسانية والتنموية
[email protected]

‫9 تعليقات

  1. طالما انك سوداني فابدأ باسم بلدك : العلاقات السودانية المصرية
    أو اذا اردت وصف الجانب المصري فاكتب : رؤية مصر في العلاقة مع السودان

    المهم انه في حالة الحديث عن امر مشترك , يقدم الانسان اسم بلده

    1. يامناضل ….!!!!!
      الرجل لايعاني من عقد الدونيه التي تعاني منها فلا بأس مطلقا لو قدم اسم مصر علي اسم السودان في طرحه
      مامعقول ابدا ولا منطقي ان يكون الزول كوز وتافه وحقير ونتن وحمار في وكت واحد.!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
      لعنة الله وملائكته والناس اجمعين علي كل كيزان الارض .
      فرق كبير جدا بين مايطرحه الخبير الاستراتيجي الدكتور اسماعيل هجانه والحمير الاستراتيجيين الكيزان .!!!!!!!!!!!!!!!

      1. الالفاظ السوقية يا (كوز كشف الله له سوءات الكيزان وتاب عليه وغفر له ) تعطينا رسالة واضحة عن سلوكك المايل

        اما غلطة الكاتب في تقديم اسم البلد الاخر فهي أمر يتفق عليه العقلاء من جميع الدول و لا يشذ عن هذه القاعدة الا غير المهنيين او الجهلاء او الذين يقلدون كالببغاوات و الصنف الاخير هم من يشعرون بدونية بلدانهم

      2. ههههههه اها يا مناضل اهو في واحد طلعك كوز هههههه
        في ناس اصابتهم فوبياكوز و علشان تاني ما تقول انا كوز و انت ما بتعرفني زي صاحب التعليق اللي قال عنك كوز.

  2. الغريب في الامر ان الخلايجة الذين يدعي مثقفونا انهم علموهم استطاعوا فهم عقلية الدولة المصرية و استخباراتها و تعاملوا معهم كما يحلو للخلايجة بينما نخبتنا في السودان ما زالت الاستخبارات المصرية تلعب بهم , بل و تسيطر على مدير جهاز الامن السابق الذي يقيم هناك منذ اربع سنوات و ربما طرش لهم كل المستور و اعطاهم فوق ذلك اموالا من السحت الذي أكله من شعبنا الغلبان

    عن اية استراتيجية تتحدث و الاثيوبيون لعبوا بنا و بالمصريين فيما يتعلق بسد النهضة

  3. يا كاتب المقال مصر أصبحت لا دور لها و فقدت مكانتها الإقليمية لصالح دول الخليج و هي علي وشك الانهيار…انتوا عايشين في العالم ده ولا عالم آخر؟

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..