أخبار السودان

والي النيل الأبيض يشن هجوماً كاسحاً على الحكومة.. وصحافي يرسم المعاناة

الخرطوم – الزين عثمان
لا شيء كان ينتظره الثوار حين تضيق بهم الطرقات غير أن يفتح لهم الأبواب القطار القادم من (عطبرة) مدينة الحديد والنار، لم تكن سوى رمزية مؤكدة على أن هذه الثورة تمت صناعتها في المدن البعيدة والبلودات الحزينة، فمن من السودانيين بإمكانه نسيان ما صنعه سكان قرية (العقدة) بالجزيرة بمواكبهم التي لم تكن لتعرف التراجع أو لم يتفق الجميع بأن هذه الثورة صُنعت في الدمازين ثم ذهبت إلى عطبرة فدنقلا فالفاشر فبورتسودان، قبل أن تلتحق بها الخرطوم التي سرعان ما استحوذت على كل شيء، الثورة ومخرجاتها، بينما بقيت الأرياف البعيدة في هامش الذاكرة، وفي رواية أخرى أنها في آخر اهتمامات الحكومة التي تم تشكيلها في الخامس من سبتمبر.
1
تجاور ولاية النيل الأبيض ولاية الخرطوم أو مركز صناعة القرار الرسمي، مما يجعلها بحسابات الجغرافيا الأقرب وأن قضاياها أولى بالاهتمام، لكن بدا واليها المكلف اللواء حيدر الطريفي وكأنه يردد بيت الشعر العربي القديم (ولكن قرب الدار ليس بنافع.. إذا كان من تهواه ليس بذي عهد). بالأمس كان الوالي ذو الخلفية العسكرية والمكلف من قبل المجلس العسكري الانتقالي في فترة سابقة، يشن هجوماً عنيفاً على الحكومة المركزية، وهو هجوم ارتبط بشكل مباشر بمدى التزام حكومة الثورة بمطلوبات الشعب الذي أنجز ثورته. في حواره مع صحيفة السوداني يعلن والي بحر أبيض عجزه عن القيام بدوره في تنفيذ مطلوبات اللحظة الراهنة للمواطنين في ولايته.
2
يرسم الطريفي صورة قاتمة لأوضاع المواطنين في بعض مناطق الولاية وينعتهم بالمساكين الذين يقطعون القلب من خلال وجودهم في العراء، يأتي ذلك في أعقاب السيول التي ضربت الولاية في وقت سابق وتضررت منها حوالى 223 قرية، بحسب إفادات رسمية قالها الوالي الذي كشف عن أن أهالي القرى الآن يقيمون في العراء وتعجز الحكومة عن الوصول إليهم لنقص المعينات، وبدا الوالي متحسراً على سحب الطائرة الوحيدة التي كانوا يصلون بها إلى المتضررين وهي طائرة لم يكن له أن يتحصل عليها إلا من خلال صفته العسكرية، باعتباره ضابطاً في القوات المسلحة. في ثنايا بحثه عن معالجات لأوضاع مواطنيه، يقول الوالي إنه وصل إلى رئيس مجلس الوزراء ووزير التجارة ووزير التربية والتعليم ووزير المالية، لكنه في نهاية المطاف قبض الريح، في إشارة لعدم استجابة الحكومة لتقديم الدعم لمواطنيها، وبدا اللواء غير مبال باستمراريته في المنصب ولو للحظة، بحسب تعبيره. لا ينتهي الأمر عند هذا الحد في وقت يرسم حقيقة أخرى، مفادها عدم وصول أي من المسؤولين إلى المناطق المتضررة في النيل الأبيض، حيث تبدو الصورة هناك أقرب لكونها كارثة تحتاج لتضافر الجهود لمواجهتها، ويستجدي الوالي الحكومة المركزية بالاستجابة لإغاثة مواطنيها في النيل الأبيض.
3
إلى هنا انتهت إفادة والي النيل الأبيض التي تقرأ في ثناياها انتقاداً للاهتمام بالقضايا ذات الطابع المركزي، وفي المقابل إهمال قضايا من هم بعيدين عنه مما يفرز تساؤلاً حول هل هذا الأمر جديد أم أنه قديم؟ يقول الناشط السياسي علي جمال حول الأمر “منذ البداية تمت إدارة التفاوض كأنما السودان هو الخرطوم.. رغم أن الثورة انطلقت من الأقاليم”.. ففي الوقت الذي أنفقت فيه الساعات والأيام على شكل الحكم المركزي وضرورة تسليم البلاد إلى مدنيين، لم ينتبه أحد إلى أن الولايات تحكم بحكام عسكريين، حتى اللحظة أن قضايا مثل التمثيل والنوع قد تبدو رفاهية في بعض الأقاليم التي تعاني انعداماً أو عدم استقرار في الاحتياجات الأساسية، لقد أدار أبناء الخرطوم التفاوض بمعزل عن الجميع.. ومن الطبيعي أن تكون النتائج هكذا، ليس بسوء نية لكن لا أحد يستطيع معرفة المشاكل التي لا يعايشها، وبطبيعة الحال هو لن تتوفر له حلول لها أفضل من أصحابها أنفسهم، فمثلاً أصدر تجمع المهنيين بياناً بلهجة قومية في شرق السودان هي أصلاً ليست طرفاً في الخلاف الموجود.. الأمر الذي بدا رغم حسن المقصد.. أنه إرسال رسائل سلبية في ظرف لا يحتمل حتى في قضية فض الاعتصام.. يتحدث الخطاب الرسمي كأنما الاعتصام الوحيد الذي فض كان هو الموجود في قلب العاصمة، ويتم تجاوز ميادين الاعتصام في المدن الأخرى.
4
بالنسبة للبعض فإن ما يحدث الآن في ولاية النيل الأبيض يمكن النظر إليه بأنه استمرار لمشروع اللا مبالاة التي تتعامل بها السلطة المركزية مع أقاليم البلاد المختلفة، ففي الوقت الذي تم التداول فيه في معظم القضايا ما تزال قضية الكيفية التي ستدار بها الأقاليم طي الكتمان، وهو أمر من شأنه أن يثير مشكلات معقدة، بحسب كثيرين، يقرأ هذا الأمر في سياق رؤى أخرى تنتقد احتفاظ الحكام العسكريين بمناصبهم كولاة للأقاليم في بلاد يتمشدق حكامها الجدد بعبارة (مدنياو)، في الوقت الذي يواصل سكان المدن البعيدة والولايات انتقاداتهم لحكامهم الجدد، وهي انتقادات تنال فيها قوى الحرية والتغيير نصيبها، لكونها تعاملت مع الأقاليم وكأنها قطارات مهمتها أن تقود القوى السياسية وتصل بها إلى ساحة القصر الجمهوري ومقاعد الوزارات، وأن هذا الأمر يجب أن ينتهي بانتهاء مراسم الثورة.
5
يشير البعض في تقييمهم للثورة إلى أنها لم تنضج بعد، وأن مجموعة من الإجراءات تنتظر من وصلوا بها إلى هذه المحطة لأجل تحقيق غاياتها وأهدافها وهم المتواثقون على شعار (حرية، سلام وعدالة)، العدالة التي يحتاجها في البداية أولئك الذين دفعوا فواتير (التهميش)، لا لشيء فقط لأن الحكومات كانت تنظر إليهم من خلال منظار أن “البعيد عن العين بعيد عن القلب”، وهو أمر سيؤثر على قلب البلاد برمتها وهي تسعي في سبيل تدشين عهد جديد أساسه المواطنة، التي تتطلب في المقابل التساوي في الحقوق والواجبات بغض النظر عن أي شيء آخر.
لا أظن أن ثمة مبرراً يمكن أن تطرحه المؤسسات الرسمية في البلاد لغيابها عن الحضور ومشاركة مواطني بحر أبيض خوض وحل المعاناة، وبالطبع هذا الأمر من شأنه التأثير سلباً على الصورة العامة لمشهد التغيير نفسه، فلم يخرج السودانيون ضد الحكومة التي منعتهم الحق في الحياة من أجل أن يأتوا بحكومة تتفرج عليهم وهم يمضون نحو حتفهم.
اليوم التالي

‫6 تعليقات

  1. لم يكن نظر الحكومات السياسيه منذ عهد مابعد الاستقلال لادارة البلاد الا انها من داخل القصر وكانما الدوله التي كانت تتسع لمليون ميل مربع هي في نطاق سور القصر والبرلمان
    هذه ليست بجديدة على العقليه السياسيه بالبلاد ولكن نامل ونامل ان ما بعد التغيير ان تكون هناك نظرة (حتى عابرة )على قول الراحل وردي للاقاليم وكيفية اداره الولايات والمجالس التشريعية الولائية واركز المجالس التشريعية التي هي السبب في كل نقطة فساد في البلاد

  2. البلد كلها في حال معسر الخرطوم انتقل إليها كل أهل الهامش فتريفت وتوسعت ليس فيها أي معالم حضارية جبال من النفايات والاكل الغير صحي والتبول في الشوارع المشكلة كبيرة جدا البلد في غرفة إنعاش لا يستطيع حمدوك أو حكومته فعل شيء بدون رؤي موحدة الغد واستشراف الخير والمعونات الأجنبية لن تحل مشكلة بلد عاجز عن زراعة أراضيه تربية مواشيه وكل عشرين فرد كونوا حركة مسلحة واجتماعات في أديس وباريس لا يوجد أحد
    مشغول بقضايا الغلابة بعد موت محمود شريف الكل عاوز يسكن المعمورة وكرسي وزارة والغبش ما في زول يتذكرها إلا عندما يكون عاوز وزارة نصيحتي للجميع فتتوا السودان وكل قبيلة حكومة وسيارات وريحونا

  3. اولا الي قبل اسبوعين كان هذا الوالي ممثلا عن المجلس العسكرى اي بعد بداية الخريف لم لم يتكلم عن هذه الاوضاع ولم لم يتوقع حدوثها ولم لم يهاجم المجلس العسكرى ومتي استلمت الحكومة حتي يتم الغاء اللوم عليها ام هى ذات المحاولات لاظهار فشل الحكومة المدنية توطئة لصعود الجيش وما يحير العقل هو ذهاب البعض من المحللين والمعلقين لما ذهب اليه الوالي والله نصحيتي لحمدوك وطاقمه تقديم استقالاتهم لاننا وببساطة شعب لا نستاهل

  4. في كل بلاد الخلق … و في الوارث الكبيرة من فيضانات و زلالزل و غيرها يتدخل الجيش بقواته و عتاده و يكون له النصيب الاكبر في العمل ..خصوصا الاسعافات الاولية و الايواء و غيرها من المهام العاجلة .. فيما بعد تتحرك مؤسسية الدولة الاخرة لعمل اللازم و رمرمة الامر كله …!!!

  5. أسعاف ديــمـوغـرافيا الأرياف – تفاديا لعمق المتوسط و أن لا تفترش الارض وتلتحف السماء

    مر البلاد الان بأخطر وضع و كارثة يمكن ان يتصوره عقل أثر اوضاع سياسية و أقتصادية و و بالتالي أمنية و مجتمعية أرث حقب حكم و ادارات سابقة تم تتويجها علي أيدي عقلية لم يتم وصفها بمايليق بعد بالرغم من مجهودات كبار المفكرين السودانيين أمثال الاستاذ الشهيد محمود محمد طه الاستبصارية و المرحوم محمد أبو القاسم حاج حمد في شموليتها و عالم الأجتماع الدكتور حيدر ابراهيم في واقعيتها و جل الكتاب الصحفيين و الشرفاء.. عقلية الحكم الاسلاموي التوليتاري الفاشيستي الذي اورد البلاد المهالك والعباد المصارع في جور التبعية والأستعباد والتطفل علي موائد الغير مخاطرين عمق المتوسط و تجار البشر و أسواق النخاسة. طاربين الطناش في امكانيات تفجر موارد لا حصر لها متكفيين بالتكسب السهل و السريع حين لانت السدة بيدهم لاكثر من ربع قرن جبروتا و طاغوتا.

    ما يزيد الطين بلة الان التغير المناخي المحذر منه و عواقبه المباشرة لضرب اي مفهوم تخطيطي للحواضر و غيرها فمابلكم بالغير مخطط و مدروس فاوساط السودان و تخومه الان يغرق في سيول و فيضانات و مياه لا حد لها و لهشاشة البنية التحتية و غيابها من مصارف و جداول لتصريف المياه معدة و مهندسة تضاعفت الكارث بغياب عدد من القري و المنازل داخل المدن.مما يعني زحزحة لديموغرافيا اوجدت لنفسها بعد مشغة هنية سكن و منشط فجل هذه القري لم يتم التخطيط لها فتطورها نابع من الشكل الاجتماعي الطبيعي و الاسبقية للتواجد. و الان تواجه هذه الاسر و الجموع البشرية حياة التشرد و التصرف الفردي الذي غالبا ما يظهر في شكل نزوح الي حواضر مجاورة و بالاخص المدن الكبيرة لما يفترض ان تجود بها من مأوي للسكن و فرص عيش افضل و بديل من صحة و فرص للعمل فهل المدن قادرة علي ترتيب نفسها و كفاية ساكنيها دعك من الجديد؟؟ و من بعد الهروب الجماعي الدياسبوري الي الجوار و أوربا وغيرها من بلاد اكثر حظا.

    الامر هنا ليس دفاعا عن مكتسبات المدن الهشة و لكن فالتبشر بمزيد من الفوضي من تقاطعات ثقافية و ازدحام في تناول الخدمات المتاحة و مظاهر تشرد و تعاسة من الاصل تعج بها مما يعني مزيد من الاجرام و التسكع و الباعة مفترشي الطرق و المتجولين و فاقدي التعليمو السند .. الخ .وبالتالي لا اصحاح بيئي و لا بلديات قادرة.

    أذا اين يكمن الحل؟؟ و الحل لمن؟؟ و لماذا؟؟ و متي؟؟ و كيف؟؟ و ماهي الاولوية ؟؟ أسئلة مشروعة و وجودية تواجه منظومة البلاد المؤسسية و تلعب فيها مؤسسيات المجتمع المدني نفسه الجهد الاكبر و المسؤولية ان نشطت و وعيت بترتيب حالها كمنظومات و هيكلية خدمية و ليس مطالبية فقط.

    حتي لا تفترش الناس الارض و تلتحف السماء تظل المأوي سيدة و مفصل التخطيط و هو قصد و رحمة للانسان في انسانيته بلافرذ في لونه او عرقه او مناطقيته و عشاريته او معتقداته و انتمائاته او مجمل تبايناته المختلفة. و لازام ذلك و عجالة امر لابد من استصراخ الامكانيات الداخلية و المتاحة و تفعيلها الي اقصي درجة ممكنة تحت امرة الحادبين علي امرة البلاد الان و التبداء بالايواء الموقت نعم الموقت و في نفس المنطقة او القرية المنكوبة أو الحي المنهار لعل منشطهم الاقتصادي يستزعف و يسهم. و لا تكفي الخيام الخليجية و المساعدات العابرة.

    فهناك نوع من المنازل القابلة للنقل و مهيكلة من مواد خاصة تقي من الحر و البرد و لها منافعها الصحية و ترصف في شكل مجمعات سكنية و عادة ما تشيد للقري و المشاريع الموقتة و هي اثر اكراما و نفع من الخيام و الرواكيب. اجادت بعض دول أسيا في تصميمها و صناعتها. و طالما ان مثل هذه الكوارث لن تتوقف و لا نمتلك بعد أداة رصدها و التنبؤ بحجم تكرارها. فاستجلاب هذه المأوي و التعجل لها يظل امر أولوية.كما ان من جدواها و أقتصادياتها يمكن اعادة تشيديها و تركيبها في اي منطقة اخري فيما بعد. حتي انه يمكن الأستفادة منها في معسكرات المشاريع المأمولة أو حتي اعادة بيعها الي الجوار و التدخل الانساني في القارة مما يعني تعزيز مفهوم اللجوء الايجابي المبكر.

    و الي ذاك الوقت تمتلك اجهزة البلاد وافر الوقت لتخطيط مدروس أساسه تعزيز الديموغرافيا المنتجة بالبلاد و ضمان تواجدها الكريم.

    أرجو مراجعة الموقع:
    https://karmod.eu/page/refugee-camps-shelters

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..