حوار

(آخر لحظة) تُقيّم مع زعيم الأنصار ورئيس حزب الأمة الصادق المهدي
انقلابات السودان
– كافة انقلابات السودان (باطلة) وانقلاب الإنقاذ الأكثر سوءاً وفشلاً
الانقلابيون ليست لديهم برامج مدروسة ويظنون أن الحكم (مجرد شعارات)
الحزب الشيوعي أكبر ضحايا نظام مايو
المصالحة الوطنية منحتنا هامش حرية مكننا من التحرك فكانت انتفاضة (رجب أبريل)
حوار: سلمى عبدالعزيز
عبق الكتب والأوراق المُتناثرة في أروقة مكتبه تُوحي بالكثير، تفحصت المكان جيداً، سيماه البساطة والترتيب مع شيء من أناقة لا تنم عن الثراء، طوى كُتيباً كانت تحتضنه راحة يده بسرعة، بدا لي وكأنه كان يطوي الزمان بتفاصيله الحُلوة والمُرة، وكأنه كان يقول (دعكي من الماضي، نحن أبناء اليوم)، ولكننا قررنا بعثرة التاريخ والغوص في ثناياه أولاً فكان الحوار الآتي:
*شهد السودان العديد من الانقلابات العسكرية، أشهرها انقلاب (25) مايو (1969) ؟
-انقلاب(25) مايو قامت به مجموعة مُغامرة من ضباط القوات المسلحة، الذين تبنوا فكراً مشتركاً (شيوعي، ناصري).
*ذكرك بأنه كان مُغامرة يعود لعدم إيمانك به، أم بالانقلابات عامة؟
-بالطبع ـ قالها بحزم.
*لماذا؟
-أعتقد أن كافة الانقلابات التي حدثت في السودان (باطلة).
*بمَ تفسر ذلك؟
-كل الوعود التي يجزمون تنفيذها لا تتحقق، يقولون سنقوم بإحداث تغيير، ولا يتغير شيء، بل يزداد الوضع فساداَ، كما أنّ كل الانقلابات قادت إلى نتائج عكسية.
*بما فيها انقلاب (1989)؟
-رد سريعاً: (ده أفشلا)، ثم استطرد وأكثرها سوءاً.
*أًريد تعليلاً لما ذكرت؟
-لأنه رفع شعارات طموحة للغاية، ثم انحدر إلى موضع مختلف تماماً عن كافة الوعود التي جاء بها، في بدايته الأُولى أخفى حقيقته، وهذه كانت أًولى خِدعه، ثم أعلن عن برنامج التوجه الحضاري، وتطبيق شعاراته الإسلامية، والآن هو نظام أمنجي، يستقطب من يؤيد استمراره، ولم تعد لديه أيديولوجية معينة لتطبيقها.
*لماذا يُصاحب الفشل جُل المحاولات الانقلابية؟
-لأن الذين يقومون بتلك المحاولات الفاشلة، يخوضون غِمارها بدون تحضير برامج مسبقة (مُجرد شعارات).
*الطابور الخامس، ألا تعتقد أنّ له دوراً كذلك ـ أعني فشل تلك الانقلابات ـ؟
-قال ضاحكاً: هناك نقطة مُهمة هي أن الضباط الانقلابيين غالباً ما يستمليهم الساسة العقائديون، إلا أنّ ذاك الاتفاق وتلك الإستمالة سرعان ما تتحول إلى مشكلة بين الطرفين، ونزاع حول من لديه أحقية اتخاذ القرار، فالعسكريون يعتقدون أن لديهم أحقية اتخاذ القرار، لأنهم هم الذين استلموا السلطة، أما الساسة العقائديون يعتقدون أن هذا الأمر ينبغي أن يؤول لهم، ودائماً ما يحصل تناقض بين الحزب السياسي والفئة العسكرية التي أحدثت الانقلاب.
*ومن الذي ينتصر في خاتمة المطاف؟
-العسكريون بالطبع، الذين تؤول إليهم السلطة، ثم ما يلبثوا أن يقوموا بتهميش الكوادر السياسية، ويتحول الأمر من برنامج أيديولوجي إلى حِراسة السلطة، وهذا بالضبط ما حدث في مايو التي بدأت برفعها لشعارات الحزب الشيوعي، وانتهت برفعها لشعارات السلفية، انقلبت (180) درجة من أجل الحفاظ على السلطة، وأكبر الضحايا لما حدث كان الحزب الشيوعي والقوات المسلحة، وما يحدث الآن في تجربة (30) يونيو يُعضد ما ذكرت.
*من يقول إن عدم الإيفاء بالوعود هو القاسم المشترك بين الانقلابات؟
-هذا الديدن والمنهج المتعارف عليه، تصفية أنصار الأمس والتخلي عنهم، تحول الأهداف من تغيير المجتمع وإعادة هندسة الإنسان السوداني… الخ، إلى مجرد أنظمة أمنجية تتخلى عن ايديولوجيتها لتحمي سلطانها.
*الملاحظ أنّ جل الانقلابيين يتخذون من الدين الإسلامي ذريعة لتحقيق أهدفهم؟
-أذكر أنه في العام 1989 اجتمعت كل الحركات الإخوانية في العالم العربي والإسلامي، وفي ذاك المؤتمر قرروا أن أيّ محاولة لتطبيق الشريعة الإسلامية عن طريق انقلاب عسكري يجب تجنبها، مستعينين بتجربتهم مع جمال عبد الناصر، أما التجربة الثانية هي تجربة (30 يونيو) في السودان، وأعتقد أنّ بهاتين التجربتين باتت لدينا مرجعية كافية لفشل من يحاولون اتخاذ ذريعة الشريعة للوصول للسلطة عن طريق الانقلابات العسكرية.
*المُلاحظ قِلة الانقلابات في النظم الديمقراطية؟
-النظم الديمقراطية تتسم بالضعف في مواجهة أيّ تحرك تقوم به القوات المسلحة، لأنها لا تسمح بأي مساءلة إلا بعد أن يقوم المتحركون بارتكاب جناية ظاهرة، كما أنها ليست لديها كوابح تمنعها من التصدي لأيّ تحرك عسكري في طور التأسيس، وليس لديها نظام للدفاع عن نفسها، وهذا ما يجعل إمكانية حدوث تآمر ضدها وارداً.
*هذا يُفسر عدم حدوث انقلابات في النظم الديكتاتورية؟
-بالضبط ، نجد أنّ النظم العسكرية الانقلابية لا يحدث ضدها انقلاب، لأنها تستطيع أن تتعرض لأي تحرك، وإن كان في مرحلة النوايا، لا تهمهم العدالة وسيادة القانون، بعكس النظم الديمقراطية التي تعتبر العدالة وسيادة القانون مهمة.
*برأيك ما هي اللبنة الأولى لحدوث انقلاب؟
-وجود أحزاب سياسية لديها طموح لتغيير المجتمع ولكنها مقتنعة بأنها لا تستطيع أن تفعل ذلك بالوسائل الديمقراطية، لذلك تتطلع دائماً للوسائل الانقلابية، أُولى لبنات حدوث انقلاب عسكري ضد الأنظمة الحاكمة.
*السيد الإمام حدثني عن المصالحة الوطنية المبرمة بينك والرئيس جعفر نميري ببورتسودان؟
-قمت بتأليف كُتيب أطلقت عليه اسم (المصالحة الوطنية من الألف للياء) لأهمية هذه الاتفاقية.
*ما الذي حدث بالضبط؟
-بعد الانقلاب الذي قمنا به بمعية عدد من الأحزاب وتعرض للفشل، أقدم النميري على إلغاء كافة الأحزاب السياسية، مفترضاً ـ حسب قوله ـ أن الأحزاب انتهت، وقد قام جعفر النميري آنذاك بمصادرة الأموال، وحل كافة الأحزاب، وفرض حظر التجول ومنع التحرك، إلا أن للشعب السوداني رأياً آخر، إذ أكد له أن كافة دعاويه تلك باطلة وخاطئة، حيث أظهر له أن القوى السياسية حية، والدليل على ذلك انتفاضة شعبان في العام (1973).
*كيف جرت حثيثيات التوقيع على المصالحة الوطنية؟
-عندما أدرك النميري أن كافة ما قام به لم يأتِ أُوكله، عرض علينا المصالحة الوطنية، وقد قبلنا بها وفق شروط محددة، ومن ثم اتفقنا على أشياء إلا أنه لم يقم بتنفيذها.
*ما الثمار التي جُنيت من المصالحة الوطنية؟
-الحرية المتاحة بعد المصالحة مكنتنا من التحرك، وأولى الثمار كانت انتفاضة (رجب أبريل) التي ما كان يمكن أن تحدث لو لا المصالحة الوطنية وما خلقته من هامش حرية جعل الأحزاب تتحرك لتنفيذ مخططاتها.
||||||||||||||||||||||||||