أخبار السودان

آلاف الطلاب المصريين يبحثون عن “باب الخروج” من معارك الخرطوم

أصوات الانفجارات وزخّات الرصاص لا تتوقف، الطعام ينفد، لا كهرباء ولا ماء في كثير من الأحيان. الخوف والقلق يطبقان على أنفاس سكان الخرطوم.

ثمَّة قلوب معلقة بأهداب السماء، ترجو في وجل توقف الجنون الكاسح، وهدنة تسمح للمدنيين بالتقاط أنفاسهم، وشراء مستلزمات الحياة اليومية، وعودة العالقين إلى بيوتهم.

من بين هؤلاء، طلاب مصريون – يُقدّر عددهم بنحو ثلاثة آلاف حتى الآن – قادهم القدر ليكونوا جزءاً من مأساة الحرب التي تدور رحاها في شوارع العاصمة السودانية.

“النهار العربي” تقصّى أحوالهم في الخرطوم، في محاولة لنقل معاناتهم، التي تتصاعد حدتها مع احتدام المعارك بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.

أحلام أسيرة

جمال محمد كامل الحلواني (21 عاماً)، شاب مصري يدرس طب الأسنان في جامعة “غاردن سيتي”، جاء إلى الخرطوم بعد اندلاع الثورة السودانية بنحو عامٍ، لم يكن يعلم أن أحلامه الكبيرة ستصبح أسيرة صراع لا ناقة له فيه ولا جمل، كل ما رجاه من رحلته إنهاء دراسته، والعودة إلى وطنه بشهادة جامعية، تسمح له بالانخراط في مهنة طب الأسنان.

يقول الحلواني لـ”النهار العربي” إنّه يقطن في شارع أوماك، المتاخم لمطار الخرطوم الدولي، وهو ما يضعه في القلب من الاشتباكات المسلحة، لافتاً إلى سقوط قذيفتين على منزلين مجاورين لمسكنه، إحداهما أوقعت مصابين اثنين، في حين ضربت القذيفة الأخرى منزلاً خاوياً.

وفي شهر رمضان الذي يعدّ مناسبة لتناول أصناف من الأطعمة الشهية، لم يعد بمقدور جمال سوى تناول القليل من المتاح، رغيفاً من الخبز، أو بعض المعلبات، بالكاد يشتريها مع الأطعمة الخفيفة، التي تبيعها متاجر قريبة تفتح أبوابها لوقتٍ قصير، وحتى هذه الأطعمة بدأت تنفد تدريجياً هي الأخرى، مع التهافت على الشراء واستمرار المعارك، على ما يقول.

يأمل الحلواني أن تتوقف الحرب سريعاً، وتجليه السلطات المصرية رفقة زملائه على غرار ما حدث مع الطلاب المصريين في أوكرانيا، لكنه لا يخفي قلقه على مصير دراسته في ظل هذه الأجواء، متخوفاً من استمرار الوضع المتأزم في الخرطوم، وبالتالي تعليق الدراسة لأجلٍ غير مسمى، متمنياً قبول تحويل دراسته هو وزملاؤه إلى مصر مستقبلاً.

معاناة مستمرة

في حي بري الملاصق للمطار كانت معاناة إسلام الماوي (23 عاماً) مختلفة بعض الشيء عن زميله جمال. يقول الماوي الذي يدرس الهندسة في جامعة “غاردن سيتي”: “مع الساعات الأولى من الاشتباكات انقطعت المياه والكهرباء تماماً. فقط عادت الكهرباء صباح يوم الثلثاء”.

لثلاثة أيّام لجأ إسلام ورفاقه في السكن إلى تزويد هواتفهم بالكهرباء في مسجد قريب، حتى يبقوا على تواصل مع ذويهم وطاقم السفارة، لكن أكثر ما يؤرقهم انقطاع المياه، ونفاد العبوات من المتاجر.

شهامة السودانيين فرجت كربهم قليلاً، إذ يقول الماوي لـ”النهار العربي”: “ثمة رجل سوداني لديه متجر خردوات قريب من مسكننا، جلب لنا كميات من المياه من دون مقابل”، ومن المظاهر اللافتة في نبلها أيضاً، وفق الماوي، أنّ الباعة السودانيين لا يستغلون الأزمة ويرفعون أسعار السلع، كما هو الحال في وقت الحروب في أماكن أخرى.

 

ومع دخول المعارك يومها الرابع، بدت المتاجر شبه خاوية بعد استنزاف مخزونها من الأطعمة الأساسية خلال الأيّام الأولى من القتال، على حد وصفه، حيث يقومون بمحاولات مضنية لشراء الخبز والمياه.

ويشير الطالب المصري إلى أنّ ثمَّة أعداداً من الطالبات المصريات المقيمات في الخرطوم أيضاً، مشيراً إلى أنّه وزملاءه يحاولون البقاء على اتصال معهن، وتوفير الخبز والماء لهن قدر استطاعتهم.

يعرب الماوي عن آماله في توقف القتال قريباً لتوفير احتياجاتهم، وربما لإخلائهم إذا سمحت الظروف، لافتاً إلى أنّ حدة المعارك خفتت، أخيراً، مما جعل بعض الطمأنينة تتسرب إلى نفسه، آملاً في أن ينفتح بابٌ للخروج من الخرطوم قريباً.

ماذا فعلت السلطات المصرية؟

يُقَدّر عدد الطلاب المصريين في الخرطوم بأكثر من ثلاثة آلاف طالب، بحسب إحصائية لوزارة الهجرة المصرية، حصلت عليها بموجب استمارة جمع بيانات وزعتها على الطلاب المصريين في السودان، خلال الأيام الأربعة الفائتة، حسبما تقول مها سالم، المتحدثة باسم الوزارة في تصريحات خاصة لـ”النهار العربي”.

وتشير سالم إلى أنّ الوزارة شكَّلت مجموعة عمل فور اندلاع الأحداث، تعمل على مدار الساعة وفقاً لثلاثة محاور رئيسية: “المحور الأول: من خلال التواصل مع المسؤول عن ملف السودان بوزارة الخارجية المصرية، والمحور الثاني: عبر التواصل مع سفارة البلاد في الخرطوم، أمَّا المحور الثالث فتم بالتواصل مع الجالية المصرية في السودان وممثل الطلاب هناك”.

تؤكد سالم أنّ مجموعة العمل هذه، أجرت لقاءً افتراضياً مع الدارسين المصريين في الخرطوم، للوقوف على أوضاعهم، ومتابعتها لحظة بلحظة، ووزعت الوزارة استمارة جمع بيانات مكّنتهم من رصد عدد الطلاب، وتعكف خلال اليومين المقبلين على تشكيل لجنة معنية بالتواصل والتنسيق مع جميع الجهات المعنية للعمل على إجلاء الطلاب، كما حدث في أوكرانيا وروسيا، في أعقاب الحرب الأوكرانية.

تعمل السلطات المصرية على جمع بيانات مواطنيها الموجودين في الخرطوم تمهيداً لإجلائهم.

تقول سالم إنّ “استمارة جمع البيانات خاصة بالطلاب المصريين فقط، أمّا بقية المواطنين المصريين من المقيمين في السودان للعمل وغيره من الأغراض، فقد أعلن عن أرقام اتصال عبر السفارة المصرية في الخرطوم، للإبلاغ عن أي طارئ”، لافتة إلى أنّه “لا يلوح في الأفق حالياً بوادر لعمليات الإجلاء، نظراً لإغلاق العاصمة السودانية تماماً جراء الاشتباكات الدائرة”.

من جهته، يقول عاطف يونس، مسؤول ملف متابعة الطلاب بالسفارة المصرية في العاصمة السودانية إنّه على تواصل لا ينقطع مع الطلاب المصريين في الخرطوم من جامعات مختلفة لتحديد أماكنهم، والتأكد من تعبئة استمارة وزارة الهجرة للوقوف على عددهم وبياناتهم بدقة.

ويكشف يونس لـ”النهار العربي” أنّ “جميع الطلاب المصريين الموجودين في السودان يقطنون الخرطوم، ولا أحد خارجها. ورغم القصف والاشتباكات فإنّ جميع الطلاب بأمان حتى اللحظة، ولم يصب أحد بأذى”.

يؤكد عضو البعثة الدبلوماسية المصرية في الخرطوم أنّ السفير المصري هناك هاني صلاح على تواصل مستمر بالقيادة السياسية، وسيتم إصدار بيان صحافي قريباً تكشف فيه السفارة عن موقف أبناء الجالية المصرية في السودان.

النهار العربي

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..