الروائية اللبنانية مريم مشتاوي إن لم أكتب قد أنفجر وأموت ، فالكتابة علاجي النفسي من كل خيبة

نشأتها في قلب الأحداث الساخنة إبان الحرب اللبنانية الدامية ، كان بمثابة موعد مع القدر لميلاد أحد أفذاذ لبنان، تشربت من واقع أشد إيلاماً، بطعن أمومتها، وخطف ابنها الذي تفشى فيه السرطان خارقاً جسده الصغير ، لتتكالب عليها فاجعة الأحداث الدامية في العراق وسوريا التي لم يقل وقعها عليّ عن وقع الحرب اللبنانية فما بين الهنا والهناك، بين عالم عربي يحتضر ويوميات لندنية أرستقراطية عاشت تجربتها المتناقضة التي تتأرجح بين الألم الشديد وحتمية مواكبة إيقاع الحياة في المدينة ، وظروف الحروب المستمرة والمتنقلة، كلاهما كانا السببين الأساسيين للجوء والاختباء خلف القصيدة وفي قلبها بحسب “مريم مشتاوي” كانت تولد دائماً بعملية قيصرية محمّلة بوجع ما قبل وبعد الولادة ، أنتجت منها ديوان ?حبيب لم يكن يوماً حبيبي ? وأنا طالبة في المدرسة الثانوية وديوان ? ذكريات في حلم? وهي طالبة بالجامعة الأمريكية ببيروت ، ليعقبها ولادة دواوين ?ممر وردي بين الحب والموت? و?هالوين الفراق الأدبي? في مرحلة أعربت بإنها أصعب مرحلة عاشتها في حياتها إذ كانت قابعة في المستشفى بجانب ابنها الصغير الذي كان يواجه المرض ، ما بين هذا وذاك دار التالي مع مريم :
مريم لماذا تكتبين؟‏
أكتب لأني أشعر بحاجة ملحة للكتابة، إن لم أكتب قد أنفجر وأموت، الكتابة علاجي النفسي من كل خيبة ، وهي صديقتي ساعة الفرح والتأمل ، فأنا أكتب لأرحل وفي رحلاتي أنتشي… الكتابة تساعدني أن أعيش حالة من النشوة الروحية ، فأنا أميل بطبيعتي إلى كل ما هو روحي لأني أشعر أنني ارتفع به فوق المادي ، فقد بدأت الكتابة في عمر صغير ، كنت طالبة في المدرسة الثانوية يومها كتبت لأعبر عن مشاعر غريبة تخضني لم أعهدها سابقاً ، كان الحب الأول بتفاصيله البريئة جاءت قصيدتي بسيطة محجوزة داخل الأنا ؛ ولا أدري إن كنت أستطيع تسميتها بـ”قصيدة”لكنها البداية ولا أخجل منها.
من بين خضم كل ذلك ؛ حدثينا عن تجربتك الثقافية الإبداعية وتشابكها مع تجربتك الحياتية؟
بعد كل ذلك الصراع صدر لي ديوان جديد عن دار المؤلف في بيروت بعنوان :? حين تبكي مريم” هذا الديوان جاء عصارة الألم بعد نضوجه في أعماقي ، قسها أمام شعوري بالعجز، وأنا أعيش الأحداث في سوريا وموت الأطفال في البحار، وقضية اللاجئين ومآسيهم وجدت نفسي ملزمة ككاتبة أن أتحرك فلجأت إلى ما أستطيع: الكتابة، شعوراً بمسؤوليتي كإنسانة أولاً وككاتبة ثانياً في طرح القضايا الإنسانية الكبرى عل الكتابة تساهم في خلق بعض من الوعي، وتدفع باتجاه عمل ما للتقليل في الأقل من مأساتنا الإنسانية، وبشكل خاص مآسي الأطفال .. شعرت أن القصيدة، وهي ما أصفها بكبسولة مكثفة، لا تسمح لي بالتعبير عن تفاصيل الألم والاسترسال بوصف كل المآسي التي تعصف باللاجئين فلجأت بدوري إلى الرواية و كتبت رواية “عشق” ثم رواية “ياقوت”. وفي الوقت نفسه، أسست صالوناً ثقافياً خيرياً في لندن لمد الجسور الثقافية والحضارية بين عالمنا العربي والغرب .. ومن خلاله أيضاً تتم مساعدة الأطفال المصابين بمرض السرطان والأطفال السوريين والعراقيين اللاجئين بمشاركة وحضور إحدى جمعيات الخيرية المعنية.
ما هي أهم رواياتك المنشورة، وما هي الرواية التي ترينها أكثر تعبيرًا عما يدور في عقلك؟
“ياقوت” هي الرواية التي تمثلني اليوم لأنها تحمل القضية الإنسانية التي تحتاج إلى علاج سريع … ما من قضية ملحة بحجم القضية السورية وموت الأطفال بالبحار وتشردهم صدرت الرواية من حوالى شهر تقريباً عن دار المؤلف في بيروت. وتدور أحداثها بين الأرض والسماء مركزة على مأساة اللاجئين السوريين في طريقهم إلى المنافي .. والكوارث التي تعرضوا لها وخاصة الأطفال الذين قضوا غرقاً في البحر .. الشخصية الرئيسة في الرواية هي ياقوت الموسومة الرواية باسمها وهي حبيبة محمد التي هربت معه إلى المنفى ولكنها ماتت غرقاً لتصعد روحها إلى السماء …ومن هناك تُعطى مهمة جديدة وهي مراقبة المراكب الفارة من الساحل التركي إلى الساحل اليوناني وإنقاذ الأطفال الذين يتعرضون للغرق قبل أن يأكلهم سمك القرش.
كيف ترصدين حركة شخصيّات رواياتك، هل يتم ذلك من خلال مشاهداتك اليوميّة أم من خلال ما تلتقطينه شفاهيّاً، أو تسمعينه؟ أم أنك تبحثين عن هذه الشخصيّات انطلاقاً من دافع مسؤولية الكاتب أمام التاريخ والإنسان؟
هناك دائماً مسؤولية أمام التاريخ والإنسان ، أحياناً تحضر بشكل تلقائي وكأني أعرفها منذ دهر وإن لم تحضر أبحث عنها في مخيلتي وأدعوها لفنجان قهوة ونتحدث كثيراً أتعرف على تفاصيلها وأصادقها فتصبح جزءاً لا يتجزأ من روحي عندها فقط تدخل روايتي..

هل مررتِ يوماً ما بحالة شعرتِ فيها أنّ شخصياتكِ باتت غير مطواعة وتتحرّك بغير انضباط بعيداً عن قدرتكِ على التحكّم فيها ؟
أحياناً أشعر بأني لا أكتب الرواية بل هي تكتبني وأصل إلى حالات أشعر بأني أسيرة أحداث وشخصيات تجتاحني تفرض علي نفسها فهي تقرر مصيرها وأنا أكتب ، وقد أصل أحياناً لحد الإغماء من حدة سيطرتها علي تأسرني وأعيش عالمها وقد أنفصم عن عالمي الحقيقي أحياناً…
كيف تنظرين إلى النقد الذي تناول تجربتك، وهل من أثرٍ له في النص الذي تكتبينه؟
أنا أقدّس النقد لأنه وسيلة للتعلم والتقدم ، ولكن واقع الحال اليوم هو غياب منهجية النقد الحيادية غير المنفلتة من أية ضوابط على اختلاف أنواعها وتشعباتها، وتوجُّه معظم النقاد الحاليين إلى ما تمكن تسميته بالنفخ الأدبيّ أي النقد التلميعيّ أو المقاربة البِلاطيّة إذا ما أردنا أن نقولها صراحة وعلانية ، كل ذلك كي يستحوذ الناقد على رضا كبار الأدباء والشعراء والمبدعين أو حتى المبتدئين منهم، مختبئاً وراء قناع الصيغة التمجيدية للكاتب، بعيداً عن أية مصداقية أدبية ؛ نكاد نقف أحيانا عاجزين أمام إيجاد لقاح مؤاتٍ لفيروس مديح كاذب، ينتحل صفة النقدية، متفشياً داخل منظومة ثقافية تحكمها كليشيهات متعفنة، مؤطَّرة باعتبارات ومصالح وتبادل “النقديات الأدبية” أو الاخوانيات النقدية .” وشتّان هنا بين هذه اللا مهنية والإخفاقات النقدية وبين ما يعتمده كبار النقاد الغربيين من منهجية نقدية تحتّم عليهم دراسة كل عمل أدبي على حدة ، بعيداً عن الاختباء وراء ألاعيب التعويم ومفردات التعميم والإشادة التي تصلح لكل عمل أدبي.
بعد كل هذا الذي تحقّق، أين أنتِ ؟ وما الذي تريدينه من الكتابة؟ وبماذا تحلمين؟ وماذا عن تصوّرك للمستقبل؟
-ليس عندي سوى حلم واحد فقط… وربما أعيش لأجله وهو أن أستغل كتابتي لمساعدة الآخرين لأصرخ معهم وأضحك معهم ونبكي معاً ، أن أكتب لأنشر ثم أنظم أمسيات شعرية وأدبية أدعم فيها الأطفال المصابين بالسرطان المستقبل لا يعنيني ، أنا أعيش اللحظة وأعمل فيها لتحسين المستقبل.. لذلك تركيزي هو في الحاضر.
كيف تنظرين للمشهد العربي بعينك من كل الزوايا ؛ خاصة الادبية؟
نلاحظ اليوم للأسف أن دور المثقف في مجتمعه قد تراجع لحد كبير لأسباب عديدة ، منها تراجع الحركة الثورية التي ارتبط بها المثقف خاصة في الخمسينات والستينات، بسبب طبيعة العصر الذي نعيش، وأيضا بسبب القمع والاضطهاد السياسي والفكري خاصة في منطقتنا العربية .
التيار

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..