الفاتحة والإخلاص والتشهد…والري الانسيابي

الفاتحة والإخلاص والتشهد… والري الانسيابي
كان الوجوم يخيم على أهل المنزل ..حينما أظهرت الفحوصات ان الوالدة ..متعها الله بالصحة والعافية..مصابة بالسكري..حتى جاء عمنا المرحوم داؤود خيري..وكان مصاباً بالسكري..وكان صاحب مهابة ودعابة وفنجرياً سواء أكان ميسور الحال أو دقيقُه..فبادرها قائلاً..( لا يوجد مرض أفضل من السكري..فالطبيب ينصحك بأكل السمك والفراخ بعد سلخها واللحوم الحمراء بلا شحم وكذلك البيض والتفاح والبرتقال والزبادي وشرب الحليب..وينهاك عن أكل الكسرة والقراصة وبالطبع تذهب معها كل اللواييق..فما تريدين أفضل من ذلك !!!؟) فضحك الجميع وانفرجت الأسارير.
ما فات على عمنا الراحل..هو ..ولأي مدى تكون هذه الأشياء متاحة ؟ وكيف ينفصل الفرد عن الجماعة المقتاتة بما لا تؤكل دون اللواييق والدمعة الحارة !؟
تذكرت هذه الواقعة وانا اقرأ نشرة زراعة القمح المثبتة في لوحات إعلانات عدة بواسطة الإرشاد الزراعي..فبعد العينة الأنجح..لا تنسى أن تذكرنا بضرورة الري بين كل عشرة أيام أو اثنتي عشرة يوماً..ما فات على كاتب النشرة هو..هل في ظل نظام الري الموجود..يمكن توفير الماء لجميع الحواشات في الوقت المحدد ؟ بالقطع لا..فنظام الري الانسيابي..الذي لُقِنا مزاياه مع سورة الفاتحة والإخلاص والتشهد..واعتبرناه فخراً وطنياً..لم يعد ذلك النظام الذي يعطي لكل مزارع حقه..فاذا تركنا مشاكل القنوات كلها جانباً..سنجد أن الدولة .. قد غادرت الكباري منذ زمن طويل..وبذا ضاعت هيبتها..وأصبح صاحب القرار..هم حمر العيون المتجاسرين على القانون..أو القادرين على السهر ليلاً..يحملون كل الأدوات..كل ذلك تم بعدم توفير عمال بسيطين في كلفتهم المالية..لكنهم كانوا يمثلون الدولة وهيبتها في هذا المكان..هم خفراء الترع..كانوا وحدهم من يحملون مفاتيح الأبواب..ويتحكمون فيها..وكان منظر المفتاح يبدو مهيباً كسلاح يقف مع العدالة..حتى تضافرت عادات بعض الجهلة وضعاف النفوس في أوساطنا مع انسحاب الدولة..فانهار النظام..فلصوصنا بدأوا بسرقة كل شئ يصلح للاستخدام الشخصي..فنزعوا أي صاج في ماسورة فحولوه إلى صاج عواسة!! ونزعوا نحاسات الأبواب وأخذوا الأعمدة لاستخدامات في الورش..وقديماً لم يكن لأحد أن يفكر في السهر ليلاً سيراً على الأقدام..لكن مع السيارات والمواتر..صار كل شخص بمفتاح باب الترعة..وإذا نزع العمود..فالبلانكو في شنطة الموتر وخلف مقعد سائق العربة. والدولة ..آخر من يكترث..فقد غلت يدها بنفسها… فخلف كل فشل لموسم زراعي..لن تكون مياه الري ..بريئة..ولن تجدي كل محاولات الإصلاح في ظل هذا الواقع..وأذهب أبعد من ذلك قائلاً..أن المشاكل الأخرى..تتقاصر في دورها عن هذه المشكلة..حتى التمويل..فإذا تركنا الدولة وتمويلها للقمح والقطن جانباً ..دعوني أسأل..كم من مستثمر بإمكانات طائلة..فشل في تحقيق الربح داخل المشاريع المروية ؟ وقارن ذلك بين مستثمرين وطنيين كأسامة داؤود أو الراجحي مؤخراً… والنجاح الباهر الذي حققه الأخيران..والسبب ..ليس فارق إمكانات في تقديري..بل يكمن في أنهم اختاروا نظام ريهم ..بعيداً عن الانحشار داخل إشكالات الري الانسيابي في مشاريعنا المروية..فاصبح توقيت ريهم بأيديهم.. وليت المساوئ قد انتهت هنا..ولكن هدر المياه وتصلب الأراضي التي تغمرها المياه غير المراقبة..والوان الحشائش التي تنبت مع كل رية..حتى انك لتحار عن وجود حشائش عند الحصاد..رغم عدد مرات الحش والمبيدات.. بإيجاز..في تقديري..فإن مجمل نظام الري في المشاريع المروية..يحتاج إلى إعادة نظر.
معمر حسن محمد نور
[email][email protected][/email]



