ثوار الليل الكتابة على الجدران.. ملاحم سرية

تقدمت مجموعة من ثلاثة شباب فى جنح الليل الحالك، يحملون (علبة بوهية) و (فرش)، كانت خطواتهم تتسم بالحذر وهم يتلفتون يمينا وشمالا خوفا من تتبع أجهزة الأمن لحركتهم السرية، لكنهم اتجهوا بخطوات واثقة نحو جدران المنازل فى احد الشوارع الرئيسية وهم يكتبون باللون الأحمر ( تسقط بس)، كانت هذه هي البداية الفعلية لشباب المقاومة.
وكان ظلام الليل داعما واحد العوامل التى شاءت أقدار الله أن تشارك بفعالية فى ستر النشاطات التى ساعدت على هبة ديسمبر فى ظل الرقابة الأمنية وتداعياتها المرعبة في الاعتقال والقتل والتعذيب.
واكد عبدالله عبدالحميد عضو لجان المقاومة السودانية أن العبارات المكتوبة على الجدران نفذتها لجان المقاومة، التى قال أنها كانت موجودة فى الأحياء والمناطق كخلايا قبل أن يتم تقنينها، وقال أنه ان بعض منظمات المجتمع المدنى و المنظمات النسوية مثل ( منسم) وغيرها ساهمت فى الكتابةعلى الجدران ، ولكنها كانت تستهدف الأماكن القريبة فى الأحياء
وحول كيفية التنفيذ كشف عبدالله أن الشباب كانوا يعملون فى أوقات غير معلنة بحسب تعبيره تجنبا لعيون أجهزة النظام الامنية حتى لا ترصدهم كتائب الظل الامر الذى قد يودي بهم الاعتقال أو الاغتيال ، مشيرا الى انهم كانوا يتحركون في مجموعة تضم من حوالى (٤) الى (٦) شباب فى حوالي الساعة الواحدة بعد منتصف الليل لان ( الليل غطى الجبال) بحسب قوله، واشار الى ان الشباب كانوا يوزعون المهام بينهم حيث. يتفرغ بعضهم للكتابة بينما يقوم البعض الآخر بعمل الحماية من الأجهزة الامنية التى تعمل على مدار( ٢٤) ساعة، واكد ان ابرز العبارات التى كانت تكتب حينها ( تسقط حكومة العسكر) واشار الى استخدام اقلام ( الشينى) فى الكتابة ، غير ان استخدام التباشير والفحم كان بشكل اكبر ، بجانب استخدام البوهية أيضا ويستهدفون الكتابة فى المساجد والأسواق والمدارس لرفع درجة الوعى لدى الناس وتحسيسهم بالحراك الموجود
من جانبه أكد المحامى حاتم الياس للانتباهة ان كتابة الشعارات السياسية على الجدران قديمة فى السودان منذ أيام الاستعمار، مرورا بعهد الرئيسين ابراهيم عبود وجعفر نميرى.
وافاد حاتم الياس قائلا : فى البداية اشتهر الشيوعيون في عهد جعفر نميرى بالكتابة على الحوائط حيث كان الحزب يلجأ للكتابة على الجدران لحث الشعب على مقاومة نظام نميرى وأبان ان الحزب كان مطاردا ومحظورا،وكان الناس يستيقظون فى الصباح بشكل اعتيادي ليجدوا كتابات تدعو الجماهير للثورة على نظام مايو موقعة باسم الحزب الشيوعى وذلك لظروف العمل السرى للحزب الشيوعى والأحزاب عموما، ووصف حاتم الياس ذلك لما سماها مغافلة الحزب الشيوعي للأجهزة الامنية حيث كان الحزب متمسكاً بان يكون موجودا فى الساحة وكان يفاجئ الأجهزة الامنية .
واضاف حاتم الياس فى حديثه لـ(الانتباهة) أن العمل السرى للحزب الشيوعى كان مصدر إعجاب وتقدير لما يحيط به من غموض وقدرة على الاختفاء ، ثم كانت السلطات المحلية لاحقا فى صباح اليوم التالى تلجأ الى مسح الحوائط ، واضاف الياس لاحقا فى الثمانينيات وحتى سقوط نظام نميرى اشتهر حزب البعث العربى بالكتابة على الجدران.
وفى السياق أوضح حاتم أن الكتابة على الجدران كان من المهم فيها اختيار مواقع ومنازل على الشارع العام، وتتم فى حوالي الثالثة صباحا ،حيث تتم الكتابة فى الثالثة صباحا بينما الناس يغطون فى نوم عميق، وقال كانت تسود روح التسامح لظروف العمل السياسى السرى ولذلك لم يحدث ان اشتكى المواطنين من الكتابة على جدرانهم بل كانوا ينظرون اليها كأنها (قلادة نضالية) شاركوا بها فى عمل المقاومة .
وكشف الياس ان الكتابة على الجدران استمرت فى عهد الإنقاذ من منظومات سياسية وأحزاب ومعارضين ناقمين على النظام ، وعندما ظهرت لجان المقاومة التى أسقطت الانقاذ تولت الكتابة وتحريض المواطنين على إسقاط النظام ، مشيرا الى ان المحاكم السودانية لم تشهد طيلة التاريخ شكاوى للمواطنين من تشويه منازلهم او مبانيهم جراء الكتابة عليها والمطالبة بالتعويض وارجع ذلك الى أن ظروف القهر السياسى والقمع والمطاردة كانت تخلق حالة من التضامن الجماعي بين الناس.
الانتباهة