وليم إيزيكيال … رحيل وتأبين رائد من رواد الصحافة والفكر والتنوير

دينقديت أيوك
تلقيتُ مساء يوم السبت الموافق 03 ديسمبر 2022م دعوة كريمة، مِنْ أُسرة أُستاذنا الراحل المقيم، الصحافي القدير وليم إيزيكيال كوجو دينق، الذي حدثت وفاته بمدينة القاهرة في أواخر شهر أكتوبر الماضي، عن طريق القيادي الشاب الدكتور فاسكوالي أكوت أجاوين، رئيس حزب الشغل الديموقراطي (أبو أوتويل)، للمشاركة في الصلوات التأبينية على روح الأستاذ الصحافي الراحل وليم إيزيكيال، وذلك بمناسبة مرور أربعين يوماً على وفاته. واُقِيمَتْ فعاليات الصلوات في كاتدرائية الكنيسة الكاثوليكية في شارع (15) بضاحية المعادي، جنوبي مدينة القاهرة، عشية يوم الثلاثاء الموافق 06 ديسمبر 2022م.
كان قد تم تكليفي بإلقاء كلمة في هذه المناسبة الحزينة، نيابة عن الصحافيين والإعلاميين. قَدَّمْتُ كلمتي في خمس نقاط داخل الكاتدرائية، وبعد عودتي إلى المنزل مساء يوم الثلاثاء، فكرتُ أن أحول كلمتي التي ألقيتها إلى هذا المقال الذي تطالعونه الآن، أيها القُرَّاء الأفاضل والقارئات الفاضلات.
جمعت المناسبة جمهوراً مِن المؤمنين السُّودانيين الجنوبيين، تكريماً للروح الراحل المقيم. وسعدتُ كثيراً بالمشاركة في هذه المناسبة لمؤازرة وتعزية الأُسرة والمجتمع في فقده الأليم، ولِنُؤبِنُ فيها واحدٌ مِن خيرة أبناء السُّودان الجنوبي المثقفين الأفذاذ، الذين قادوا مسيرة نشر الوعي والحراك السياسي والاجتماعي والثقافي في بلادنا العزيزة.
بحسب المعلومات التي أوردتها أسرته في سيرته الذاتية، وُلِدَ الراحل المقيم وليم إيزيكيال كوجو دينق، في 26 أغسطس عام 1968م بولاية أعالي النيل – مقاطعة فانيكانق – قرية أودوج. واسم والدته فاشوك أكوت أجاوين، من قرية فالو بدوليب هيل منطقة فانيدواي.
درس وتخرج في جامعة النيلين، كلية الآداب، في الفترة من 1994 حتى 1997م. وكان قد درس بجامعة جوبا قبل التحاقه بجامعة النيلين في الفترة من 1986 إلى 1988م، إلا أنه فُصِلَ مِن الجامعة، لأسباب سياسية تتعلق بنشاطه السياسي، في تنظيمٍ سياسي طلابي موالي للحركة الشعبية لتحرير السُّودان بالجامعة. كما درس مرحلة التعليم الأساسي بمدرسة الشعب الابتدائية بملكال، ثم مدرسة الدكتور سماني عبد الله يعقوب المتوسطة بمدينة ملكال، والمرحلة الثانوية في الإقليم الشمالي بمدينة مروي.
انخرط في النشاط السياسي والعمل النقابي حين كان طالباً في الجامعة، وانتسب لعضوية عدد مِن الاتحادات والروابط الطلابية، منها راطبة الطلاب الجنوبيين بجامعة جوبا في الفترة من 1986 – 1987م، اتحاد طلاب جامعة جوبا 1986 – 1988م، جمعية الكتاب المقدس بجامعة جوبا في الفترة من 1986 – 1988م، جمعية القديس أغسطينو بجامعة جوبا 1986- 1988م. هذا، إلى جانب عمله معلماً في إقليم أعالي النيل في الفترة من 1984 – 1989م.
مِن الناحية الاجتماعية، كان الراحل زوجاً وأباً. وقد تزوج مِن كل مِن السيدة كولمبيا نياندينق تيتو (من ولاية البحيرات منطقة يرول) والسيدة سوزان جيمس نياك (من ولاية أعالي النيل منطقة الناصر)، ورُزِقَ مِن زوجتيه بعدد مِن البنين والبنات.
كان الأستاذ الراحل وليم إيزيكيال كوجو دينق، مهنياً صحافياً. وقد وضعته هذه المهنة في مقام رَّجُل الكلمة أمام الرأي العام. عمل محرراً صحفياً بوكالة السُّودان للأنباء (سونا) في العام 1998م حتى توقيع اتفاقية السَّلَام الشامل عام 2005م.
أسس صحيفة الخرطوم مونيتر (Khartoum Monitor) في العام 2000م، مع كل من الأستاذ ألفريد تعبان لوقوني، وألبينو أوكينج ونيال بول أكين وآخرون، وعمل فيها مديراً للتحرير حتى عام 2003م. عمل أيضاً مستشار إعلامياً في القطاع الجنوبي، تحت إدارة الاتحاد الأوروبي 2002م. كما عمل مستشاراً إعلامياً للمدير القُطْرِي لمنظمة الأُمم المتحدة للنماء بالخرطوم عام 2003م.
ويعتبر أيضاً عضواً مؤسساً لجمعية تطوير الإعلام في السُّودان الجنوبي (AMDISS) التي تأسست في نيروبي عام 2004م والتي تتخذ من جوبا مقراً لها ولأعمالها الآن، بالإضافة إلى عمله مراسلاً صحفياً لوكالة الأنباء الألمانية في الفترة من 2003 إلى 2005م، إلى جانب مراسلته لراديو السُّودان الإخبارية Sudan Radio Service التي أصبحت الآن آي راديو (Eye Radio) في الفترة من 2004 حتى 2006م، وأصبح عضواً بالمركز الدولي للصحافيين (ICFJ) منذ 2006 حتى تاريخ وفاته.
عمل أيضاً مستشاراً إعلامياً لوزارة الإعلام في الحكومة الإقليمية للسُّودان الجنوبي في الفترة من 2006 حتى 2007م، وأسس وكالة السُّودان الجنوبي للأنباء بالحكومة الإقليمية 2006 حتى 2007م، كما أسس صحيفة The New Nation اليومية.
كان الراحل وليم إيزيكيال أيضاً سياسياً تنقل في دهاليز وأورقة الأحزاب السياسية خلال السنوات، فانضم إلى الحركة الشعبية لتحرير السُّودان (في المعارضة) في الفترة من 2015 إلى 2017م، كما انضم إلى الحركة الوطنية الديموقراطية (NDM) بقيادة السياسي والأكاديمي الدكتور لام أكول أجاوين، في الفترة من 2017 حتى 2018م.
وضعت مهنة الصحافة وليم إيزيكيال في موضع رجل الكلمة، فكتب وقال كلمةٌ جريئة بم
سؤولية ومهنية، نيابة عن شعبه وتطلعاته. كان رَّجُل الكلمة، فكتب وقال كلمة الحق، وقدم كلمة التنوير للجماهير، فكان معلماً للجماهير بالكلمة الخارجة من عقله عبر (سِنَة) قلمه. كما يُعَدُّ إيزيكيال مثقفاً مضطلعاً وناشطاً عمل على تحريك وتسريع عجلات الحركة الصحافية والثقافية والاجتماعية، وأصبح بذلك رائداً من رواد الحركة الإعلامية والثقافية والسياسية والاجتماعية في المجتمع السُّوداني الواحد آنذاك، قبل إنشاء جمهورية السُّودان الجنوبي المستقلة عبر الاستفتاء الشعبي الذي نصت عليه بنود اتفاقية السَّلَام الشامل في يوليو عام 2011م.
كان الأستاذ وليم إيزيكال أيضاً سياسياً تطلع إلى الأفضل لأبناء شعبه، وكان نشطٌ في الحركة السياسية السُّودانية في سبيل خدمة قضية أهل السُّودان الجنوبي منذ ثمانينات القرن المنصرم، وتعاون في ذلك مع كبار السياسيين مثل الدكتور لام أكول أجاوين وآخرون.
بحكم عمله كصحفي كتب كثيراً في الصحافة السُّودانية، وقدم أفكاره وأصبح بذلك مفكراً أثرى الحوار الفكري والسياسي. أسس صحيفة سُّودان تريبيون (Sudan Tribune) الورقية عام 2006م، واستخدمه كمنبر للحديث عن حق تقرير المصير، منادياً بضرورة تنفيذ الاتفاقية، وممارسة أهل السُّودان الجنوبي لحقهم في تقرير المصير وإقامة دولتهم، وقد تحقق حلمه الذي كان أيضاً حلم الوطنيين السُّودانيين الجنوبيين منذ عام 1947م في مؤتمر جوبا الشهير.
لكن في هذه الأيَّام، نرى حلم الأستاذ وليم إيزيكيال (الوطن) يمزقه الاقتتال والخراب والنزوح والتهجير في ولاية أعالي منذ خمسة أشهر، وأجزاء أُخرى مِن الوطن. ومِن المؤكد أنه لم يرضى بما يجري الآن في تونجا، فشودة وما جرى من قبل في فانجاك وأضيضيانق وفانيكانق، لو كان لايزال معنا على قيد الحياة. مِن المؤكد أنه لن يرضى بالجرائم التي ترتكب الآن، والتي يُستهدف فيها شرائح اجتماعية مهمة: النساء والأطفال وكبار السن، في حرب الجنرالات التي تستمد وقودها مِن البَازِنْقِر القديم.
كانت صحيفته منبراً عبر فيه كثيرٌ من المثقفين السُّودانيين عن آراءهم السياسية حول كثير من القضايا السياسية. كان الدكتور جيمس أوكوك، الكاتب والمحلل السياسي وأستاذ العلوم السياسية بجامعة جوبا الآن، واحد من الذين كانوا يكتبون في صحيفة وليم إيزيكيال “سُّودان تريبيون”، وكان اسم عموده (Philisophical Eye). وأذكر كاتباً آخر كذلك، هو الدكتور طواه لوي شينقوط، الذي يعمل بوزارة الصحة في جوبا منذ سنوات، وقد عمل في تلفزيون سيتيزن (Citizen TV) قبل سنوات، لمالكه نيال بول أكين، في مقر صحيفته الواقع بالقرب مِن مجمع الوزارات ومدرسة الدكتور جون قرنق العاليمة.
وكان الفنان ورسام الكاريكاتور المبدع توم داي، ينشر رسوماته الكاريكاتورية في “سودان تريبيون” بإبداعه المعهود في تعليقات مضحكة على المشهد السياسي العام والأحوال الاجتماعية في السُّودان، في ذلك الوقت.
لم التقي أُستاذنا الراحل وليم إيزيكيال من قبل وجهاً لوجه، لكنني كقارئ ومتابع، التقيته في صفحات صحيفته “سودان تريبيون” في الخرطوم، والتي كانت شعارها “منقادة بالحقيقة” Sudan Tribune .. Driven by the Truth. ألتقيتُ بالرَّجُل عن بعد في صفحات جريدته، وقرأتُ أفكاره باستمرار، وتعلمتُ مِن أسلوبه في الكتابة وفلسفته في مخاطبة القضايا. كان يكتب بأسلوب راقي ودبلوماسي. كان يبدو أحياناً في كتابته كأنه لا يُريد أن يقول الحقيقة، لكنه كان يقولها بخبرةٍ الصحفي الدبلوماسي وبجرأةٍ فريدة مِن نوعها.
كنتُ مِن القُرَّاء الذين كانوا يُطالعون تلك الصحيفة في كل صباح، إذ كانت الفترة الانتقالية لتنفيذ اتفاقية السَّلَام الشامل (2005 – 2011م)، بين حزب المؤتمر الوطني والحركة الشعبية لتحرير السُّودان، فترةٌ قرأتُ فيها الصحف الورقية السُّودانية بصورة يومية كثيراً، وتفتحت آفاقي للقضايا السياسية، وأصبحت متابعتها واحدة من اهتماماتي اليومية.
تابعتُ خلال تلك الفترة الأحداث السياسية بهمةٍ عالية، وحضرتُ فيها الندوات والفعاليات الثقافية، وتعلمتُ الكثير. وكنتُ قد بدأتُ قراءة الصحف في العام 1997م وأنا في مرحلة الأساس، إذ كنتُ اشتري صحف مثل “الرأي العام” و”الألوان” و”الصحافة” و”الشارع السياسي” وجرائد المنوعات مثل “الأوائل” و”نبض الكاريكتير” التي كان يكتب فيها كاتب (لا أذكر اسمه)، زاوية اسمها (يوميات الحاج نظرية) بأسلوب كوميدي ساخر ضد نظام الإنقاذ الإسلاموي، و”الوفاق”، ثم صحيفة “الرأي الآخر” التي كانت الصحافية السُّودانية آمال عباس المعروفة تكتب فيها، ثم أغلقتها السلطات لاحقاً، لكنها فُتِحَتْ باسم آخر “الحُرِّيَّة”.
رحل الأستاذ وليم إيزيكيال كوجو دينق مبكراً في الخمسينات من عمره، وخسر السُّودان الجنوبي بذلك صحافياً قديراً ومفكراً وسياسياً وكادراً وقائداً ووطنياً ملأه وسكنه حب الشعب والوطن. وبرحيله أيضاً، خسرت البلاد صحافياً لامعاً آخر ذات أثر ووزن خلال أربع سنوات، بعد خسارتها لرائد مِن رواد الصحافة الوطنية الأستاذ ألفريد تعبان لوقوني في شهر أبريل 2019 في العاصمة الأوغندية كمبالا.
ويُعتبر غياب إيزيكيال فقداً للمجتمع الصحفي والإعلامي في البلاد. رحل الصحفي القدير الجليل وليم إيزيكيال، لكنه ترك خلفه إرثاً ملئاً بعبرٍ ودروسٍ ملهمة للجيل الصاعد، وخصوصاً أبنائه وبناته الذين سيقتدون به. تُوفِّي عن عمر ناهز أربعة وخمسون عاماً في مدينة القاهرة يوم السبت 22 أكتوبر 2022م، متأثراً بالسرطان في البنكرياس، وَوَرَى الثرى في العاصمة السُّودانية الخرطوم. لترقد روحه في الأرض بسلام مع الآباء والأجداد والأسلاف الصالحين.
ملحوظة:
الصورة المرفقة كانت صورة يكتب بها الراحل في عموده في صحيفته خلال الفترة الانتقالية المذكورة في تفاصيل المقال.
دينقديت أيوك
عشية الثلاثاء الموافق ٦ ديسمبر ٢٠٢٢م
القاهرة
ما قلتوا انفصلتوا من العرب الاستعماريين
نعم إنفصلوا هو جاب سيرة العرب !!!! بعدين إنت قايل نفسك عربي !! اقطع البحر وقول (للعرب ) انا عربي عشان يوروك اصلك ! قال عربي قال
مبروك عليك ناس تشاد والنيجر ومالي