السياسي.. والمُنتِج .!ا

حديث المدينة
السياسي.. والمُنتِج .!!
عثمان ميرغني
كنت أسير راجلاً في السوق العربي.. فجأة عند منعطف طريق قابلت العم (سعد جمّاع) أحد قدامى السياسيين منذ عهد الرئيس الأسبق جعفر النميري.. سألته: (أين أنت من زحمة السياسة والسياسيين اليوم؟) ردَّ عليَّ بصورة تلقائية.. ردّاً يُلخِّص أزمة السودان منذ خُلق حتى اليوم.. قال لي بمنتهى العفوية ( لا.. أنا بطّلت السياسة.. وبقيت مواطن مُنتِج).. أنظر للمقابلة التي رسمها بهذه الكلمة البسيطة!.. مقابلة بين (السياسي) و(المواطن المُنتِج) .. فجعلهما ضدّان لا يلتقيان إلاّ إذا تنحّى أحدهما للآخر.. رغم أنه ? السياسي ? وللحقيقة (مُنتِج) .. وإلاّ فقولوا لي بربِّكم.. من أنتج فيلم (السودان) منذ فجر الاستـ(غ)ـلال؟ .. من أنتج الثورات والثورات المُضادّة، والانقلابات والانقلابات المُضادّة؟ .. من أنتج المحِن ما ظهر منها وما بطن؟ .. من أنتج المأساة؟ .. وبصراحة.. حتى لا أظلم الساسة.. المشكلة ليست في (السياسة) أو حالة كونك سياسيًا.. المصيبة في فهمنا للسياسة.. والأكبر منها في مفاهيمنا التي تُكرِّس خصائص السياسي ومسلكه وأفق تفكيره.. (السياسة) هي الوظيفة الوحيدة في السودان، التي لا تتطلب (شهادة) من أي نوع.. ولا حتى شهادة اللجنة الشعبية.. وممتهنها لا تطارده سلطة ولا تطالبه بترخيص أو تجديد.. وليس لها سن قانونية لبداية الممارسة.. ولا سن معاش إلاّ إذا (ما عاش) .. وليس لها سجِلُّ قيد ولا رخصة قيادة.. وليس لها (مصدر دخل).. تمامًا كما ليس لنا دخلٌ (بمصادر دخلها).. و(السياسي) مُتفرِّغ للتفرُّغ.. لكن، ربّما كل ذلك ليس مشكلة مقارنة بالمشكلة الأكبر! المشكلة الأكبر.. أن السياسي مرفوعٌ عنه القانون.. كارتفاع (فستان السباحة!).. بل يرتفع السياسي أكثر، كلما داس على القانون أكثر.. فالسياسي- مثلاً ? الذي يكسر إشارة المرور أعلى منه درجة ذلك السياسي الذي يكسر عنق رجل المرور.. فالسياسي معفي من المساءلة.. لو سبَّ.. لو صفع.. لو جرح.. لو قتل.. لو شرَّد.. لو أحرق أو نسفَ نصف الوطن، فالبركةُ في النصف الباقي ليحكمه. بصراحة.. أسأل سادتنا العلماء المختصين في علوم الدين.. في الجنة ? بعد عمر مديد ? عندما ندخلها ونجد فيها النعيم المقيم.. ظلٌ ممدود وماءٌ مسكوب.. وفاكهةٌ كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة.. هناك.. من يحكمنا؟؟ أعرف أنكم ستردّون (لا ساسة) .. إذن أين ذهبوا؟؟ الشاعر يقول (لا تُوجد منطقةٌ وسطى بين الجنة والنار). يُحكى أن رجلاً مرَّ بمقابر حمد النيل فوجد قبرًا مكتوبًا عليه (هنا يرقد السياسي والمواطن الصالح فلان) فقال الرجل: (أول مرّة في حياتي أرى رجلين في قبر واحد).
التيار
للأسف …. هكذا نحن وسنظل الي ماشاء الله …