الوساخة ومترادفاتها في العقل الأنثوي

ان من يشاهد إعلانات المنظفات وتحديدا إعلان ديتول (100%) يخرج بانطباع ان البيئة تمثل العدو الأول للإنسان فهي مصدر كل الأمراض الإنسانية، وتقوم تلك الإعلانات بتقديم دعوة إلى ابتعاد الإنسان عن البيئة التي تمثل مصدرا للخطر، وإذا ابتعدت الإنسانية عن الطبيعة فلن يكون هنالك أمراض وفق تلك الرؤية. وهذه متاجرة بالمخاوف الإنسانية من الأمراض وما شابهها من كبر وعجز، فالشركات أصبحت تتاجر في الطبيعة الإنسانية وتمنح أولئك الأشخاص الأوهام ولا نجد من يردعهم. ورغم ان علم الأحياء لم يجزم بعد في حقيقة المرض نتيجة لعدم مساعدة الفلسفة الغربية لتلك الأفكار إلا إننا نجد في الدراسات الحديثة الاتجاه إلى أعادة تعريف مفهوم المرض وعلاقته بالجينات وليس بالطبيعة، فبداء السؤال عندما رأي علماء الأحياء تعرض بعض الأشخاص لنفس الظروف الطبيعية ولكن يمرض جزء فقط، وهو ما فسر بالاختلاف الجيني بين الأفراد دون الاستمرار في شرح تلك الحالة، ولم يسر علم الأحياء بعيدا ليؤكد كما نرى ان المرض في جوهره قصور في الاستيعاب والممارسة الإنسانية عند الفرد، فالتعرض لجرثومة ما لا تجعل من الشخص مريض إلا إذا كان هنالك استعداد عند الفرد للمرض نتيجة لقصور في الاستيعاب والممارسة الإنسانية عند الفرد. فالأثر الطبيعي هو اثر ثانوي لا علاقة له بحقيقة المرض وإذا لم يظهر ذلك القصور في شكل مرضي سيظهر في أشكال أخرى مثل رفض الفرد للمجتمع والتمرد وغيره من ظواهر قصور الاستيعاب. ويجب ان ندرك ان التكامل الإنساني الطبيعي هو تكامل عضوي ولا تحقق فقاعة المنظفات الحياة المثالية كما تحاول الشركات ايهام الناس، فالإنسانية لا تتحقق إلا داخل العالم الطبيعي وليس في العالم المتخيل من منظفات وغيره.

ولكن ما علاقة كل ذلك بالمرأة؟

يعتبر هذا المقال من المقالات التي تتمني ان تنتهي منها قبل ان تبدأ كتابتها، فهو واحد ليس فقط من الكتابات المسكوت عنها ولكن من المواضيع التي يضج الحديث على النقيض منها، في المقال السابق تحدثنا عن وعي المرأة الجيني كوعي استيعابي لا علاقة له بالكلية، فيعمل على تشييد قيمه الذاتية من داخل الرؤية الكلية ويعيد تشكيل تلك الكلية فيمدد بعض القيم ويعلي من بعضها وفق الآني والذاتي الذي يحقق للأنثى إنسانيتها، ولكن عند الانتباه من جانب الأنثى لمفهوم النظافة كقيمة اجتماعية أدخلت جسدها بما يصدره داخل ثنائية النظافة والوساخة كمفهوم قيمي، فوعيها المغلوط للدورة الشهرية والدم الناتج عنها وكذلك الإفرازات المهبلية التي تأتي في بعض المرات ببعض الروائح المزعجة للمرأة ورائحة العرق وغيرها كل ذلك اوجد في وعي المرأة حساسية تجاه تلك المفاهيم وأصبحت تمدد في مفهوم النظافة حتى قادها إلى المرادفة بينه وبين النقاء، وعند النظر إلى القاموس القيمي وقاموس الذم والمدح عند المرأة نجد النظافة تمثل القيمة الأعلى بين كل المفاهيم. فأصبح مفهوم النظافة مرادف لمفهوم النقاء وهو البعد من كل الشوائب حتى تكون كاملة، وأسقطت المرأة ذلك الوعي على المجتمع في دعوته للبحث عن النقاء والبعد عن الشوائب ولو كانت طبيعية. فالدعوة للنظافة في وعي المرأة هي دعوة للنقاء والبعد عن كل الشوائب التي يمكن ان تلحق بالفرد بغض النظر عن مصدرها، فلا يجب على الأطفال اللعب بالتراب الذي يعد عبارة عن وساخة وتضخم ذلك الوعي إلى البعد عن المخالطة في اللعب والملامسة كما نجد في الإعلانات المشار إليها سابقا. وتمدد ذلك الوعي ليشمل العديد من مناحي الحياة مما يجعله مهدد حقيقي للحياة البشرية نتيجة لعدم التعامل المباشر مع البيئة ودعوته للانكفاء الذاتي داخل فقاعة من النقاء محاطة بالعديد من الكيماويات من شكل المنازل إلى الأكل والشرب.

فعلينا إذا ان نعيد تعريف النظافة وان نبعدها عن مفهوم النقاء الأنثوي، وكذلك علينا ان نفرق بين المخلفات الطبيعية القابلة لإعادة التدوير دون إضرار بالبيئة وبين المخلفات الكيماوية ذات الأضرار الخطيرة، وعلينا أولا ان نعيد للأنثى كيانها وإدراكها للاختلاف بين ما هو طبيعي مثل الدورة الشهرية وغيرها التي تعتبر نتاج طبيعي للأنوثة ولا تدخل ضمن التوصيف القيمي للنظافة، فهي في ذاتها تأكيد على مرحلة عمرية وتأكيد على الأنوثة التي تعني استمرارية الجنس البشري، فالدورة وآلامها أو بقاياها التي تأتي في شكل دماء لا يمثل وصمة عار ويجب التعامل معه بكل أريحية وبشفافية مطلقة بعيدا عن إحساس العار، فوجودها هو الطبيعي وعدم وجودها في سنين محددة هو الداعي للبحث والإجابة وليس وجودها. اما المرض وتعريفة واعادة استيعابه فسنعود له مع فلسفة التحولات الاجتماعية.

وعلينا كذلك السعي إلى نشر الوعي لدي المجتمعات لاستيعاب الطبيعية كمكمل للذات الإنسانية، فإذا كان هنالك خيار بين ما هو طبيعي وما هو صناعي على الإنسانية ان تختار ما هو طبيعي، وكذلك إظهار مساوئ ما هو صناعي حتى لا نترك المجتمعات لشركات لا هم لها سوى الاستثمار في الأوهام، نشر مساوئ المشروبات الصناعية والأكل الصناعي وتحديدا عند المجتمع السوداني الذي لا يحتاج سوى الوعي بوجود مزارع الإنتاج حول كل المدن السودانية بما فيها العاصمة السودانية، وكذلك علينا السعي إلى وقف حالة الاستسهال التي تستخدم فيها المبيدات الكيماوية والأصباغ والمواد الحافظة في المأكولات وتحديدا الموجهة للأطفال وغيرها من الأفعال التي نضر بها مستقبل أجيال قادمة ليس إلا.
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. مقال جيد جدا أقرب الى الفلسفه . كنت ان يتطرق ولو سريعا عن المفهوم الرجولى للتظافة مقابل النقاء . وشكرا

  2. كنت أحس بأن هنالك إفراط في تصوير خطورة لبيئة المحيطة بغية إستدراجنا لشراء السلع…وبعد قراءة هذا المقال المفيد وضع لي النقاط فوق الحروف….بارك الله فيك

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..