قبل ساعات من وفاته كتب الفقيد الإعلامي البحريني أحمد المرشد: السودان في طريقه لاستعادة الديمقراطية
خالد ابو أحمد

قبل ساعات قليلة من وفاته كتب المستشار والخبير الإعلامي البحريني الأستاذ احمد المرشد مقالة عن الأوضاع في السودان والجزائر، وارسله إلى صحيفة (الأيام) البحرينية، وبعد ساعات قليلة من استلام المقال الأسبوعي جاء خبر وفاة كاتبه عليه رحمة الله، كما يرى القاري ان ما كتبه الفقيد قراءة متابع لصيق للشأن السوداني.
نص المقال:
خلال الأسابيع الماضية تناولنا أحاديث متعددة عن قصص الأغاني والأفلام في محطة استراحة صيفية من السياسة وهمومها، إلا أن هذا العالم – أي السياسة – يرفض أن نتركه طويلاً فهو يلح ويفرض نفسه ولذلك سيكون مقال اليوم عن تطورات عدة، مثل الاتفاق السوداني والاستعدادات التونسية للانتخابات والأوضاع في الجزائر. وسنستعرض معاً مجمل هذه القضايا التي بلا شك تستقطب أنظار العالم وبالذات عالمنا العربي خاصة وإننا نعيش فترة عصيبة من الزمن لم تمر بها منطقتنا من قبل.
ولنبدأ بالحدث الأهم وهو السودان، ومصدر الأهمية هنا هو كون هذا البلد العربي الشقيق يدخل مرحلة جديدة لم يعهدها من قبل ونتمنى أن يحقق فيها شعبه آمانيه وتجاوز مآسي فترة حكم المدعو حسن البشير الذي تحالف مع الشيطان من أجل مصالحه الشخصية فقط لا غير، متناسياً مصلحة بلاده وضاربا بها عرض الحائط.. بلاده التي أقسم قبل تخرجه في الكلية الحربية السودانية أن يدافع عنها ويذود عن ترابها بكل ما أوتي من قوة وعزم، إلا أنه استخدم كل قوته وحيله وألاعيبه لتدمير السودان وتقسيمه، حتى إنه أوعز للمسؤولين بتشجيع التصويت بنعم في استفتاء الرأي الخاص بتقسيم السودان، فكيف للأغلبية أن توافق علي التقسيم مقابل أقلية هم أهل الجنوب؟.. وقد اكتفى البشير بحكم نصف السودان والاستغناء عن معظم نفطه لمصلحة الجنوب مقابل الاحتفاظ بحكمه وعدم تدويل القضية خشية التعرض للمحاكمة الدولية جزاء مسؤوليته عن الحروب الأهلية هناك.
ولكن وبعد توقيع اتفاق الإعلان الدستوري بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير، فقد دخل السودان مرحلة يجب أن تكون مرحلة ذهبية في حياة السودانيين، خاصة وأن الاتفاق جاء بعد فترة من الشد والجذب بين الطرفين تبادلاً فيها الشكوك والاتهامات بالرغبة في الاستيلاء على الحكم، ولكن نجاح السودانيين في تجاوز هذه المرحلة الصعبة جعلهم يقفون على أعتاب مستقبل نرى أنه مشرق، ولكن يجب على كل طرف عدم التغول علي حقوق الآخر. فالعسكريون في البداية سعوا الي الاحتفاظ بالسلطة على حساب قوة المدنيين الذين لولاهم لما خرج البشير من الحكم، فهم الذين اعتصموا واعترضوا على حكمه وقمعه، وبالتالي رأوا أن من حقهم أن يؤول حكم السودان الى المدنيين ليبدأ السودان حكماً مدنياً ديمقراطياً وهو نظام الحكم عام 1989 الذي أطاح به انقلاب البشير (العسكري – الإخواني). ولكن المجلس العسكري رأى من جانبه أنه الأحق بحكم البلاد لأنه هو الذي اعتقل البشير وعزله، ولكنه تناسى أن لولا ثورة الشعب السوداني لما أطيح بالبشير ولما تحرك الجيش للقضاء على حكمه أبداً.
لقد كتبت الثورة السودانية شهادة ميلاد موثقة لنجاح القوى الشعبية في نيل ما تبتغيه وبدء تنفيد حلم الدولة المدنية، وهنا يكتب للجيش السوداني وقوفه الى جانب القوى المدنية وانحيازه لمطالبها والقبول بالأمر الواقع الذي فرضته تسويات ووساطات إفريقية وعربية وعالمية. ومن هنا كانت محطة «فرح السودان» بداية مهمة لتفهم المجلس العسكري السوداني بضرورة تقبل الوضع الراهن وتغيير المفاهيم القديمة عن حتمية ترك الحكم للعسكريين بزعم أنهم الوحيدون القادرون على حكم الشعوب.
ولكن وهذا هو المهم أن السودانيين أمام مفترق طرق، فالمرحلة الانتقالية ليست سهلة وبالتأكيد سيكون هناك بعض المتربصين بها وهم الذين خسروا مقاعدهم ومناصبهم ومكتسباتهم خلال 30 عاماً حكم فيها البشير، ولذلك فالإرث السوداني مثقل بالهموم والمصاعب الاقتصادية ويتطلب إعادة إعمار كمن خرج لتوه من الحرب، فالاقتصاد متدنٍ ومشكلاته متراكمة مع ارتفاع معدلات التضخم والدَّين الخارجي بسبب عجز حكومات البشير عن الالتزام بالسداد للمؤسسات الدولية مع توسعها في الاقتراض الخارجي لتعويض العجز الداخلي. وثمة قضية أخرى غاية في الأهمية وهي أن تاريخ السودان مؤسف مع الديمقراطية فما يكاد يبدأ حياة ديمقراطية حتى يحدث انقلاب عسكري فيه يدمر ما تم بناؤه، ولذلك تعتبر التجربة السودانية في توقيع الاتفاق بين العسكريين والمدنيين سابقة في التاريخ الحديث، وهي تجربة تتطلب ضرورة التزام كل طرف بما نص عليه الاتفاق السياسي والعمل على انجاحه، فالسودان حتى وإن انقسم الى جنوب وشمال إلا أنه يسع جميع السودانيين بكافة مشاربهم وأطيافهم وتعددهم.
وليس أمام السودانيين في المرحلة الراهنة سوى تنفيذ ما تم الاتفاق عليه وهو العمل بجدية إنهاء الحروب وتحقيق السلام خلال ستة أشهر وتوفير حلول سريعة للأزمة الاقتصادية والقضاء على أجهزة الدولة العميقة التي خلقها حكم البشير وأعوانه من الإخوان وتوسيع فرص الشباب والمرأة في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
ومن السودان الى الجزائر الذي يواصل شعبه مشواره الثوري حتى بعد عزل رئيسه التاريخي عبد العزيز بوتفليقه في أبريل الماضي، فالوضع هناك أكثر تشابكاً مما حدث في السودان لأن الطرفين الأهم في المعادلة السياسية وهما الشعب والجيش لم يتفقا على خط سواء للسير عليه ولم يتوصلا حتى يومنا هذا الى نقاط اتفاق يبنيان عليها مرحلة ما بعد بوتفليقه وحكم رجال جبهة التحرير، فلا يزال قائد الجيش ورئيس الأركان الجنرال قايد صالح هو الرجل القوى بالجزائر ويمسك مقاليد الحكم إذ يعتبر نفسه مخلص البلاد من حكم «عصابة بوتفليقه» كما يحلو له تسمية حاشية الرئيس السابق، وبالتالي يرى أن من حقه فرض رأيه وما يراه صالحاً للجزائر على الشعب ومجموع الطلاب الثائرين الذين يرفضون كافة اقتراحاته وعلى رأسها سرعة إجراء انتخابات رئاسية للخروج من مأزق فراغ السلطة الحالي. ثم أن قايد صالح هو الشخص الذي وراء كافة قرارات اعتقالات زعماء الثورة الشعبية وغيرهم حتى أنه انقلب على وزير الدفاع السابق خالد نزار الذي سبق وأسداه نصيحة عمره بسرعة عزل بوتفليقه لأن رجال الرئيس السابق سيعزلون قائد الجيش خلال ساعات، ومع ذلك لم يسلم خالد نزار صاحب الفضل على قايد صالح من بطشه إذ أصدر قرار اعتقال له ولكنه يعيش خارج البلاد.
ويبدو أن الجزائريين لم يتعلموا درس السودان ولم يستفيدوا منه إذ بإمكانهم لو استغلوا الفرصة جيدا تجاوز أزمتهم الحالية والتوصل الى اتفاق عاجل لتقاسم السلطة كما حدث في السودان علي ألا يتقول طرف على آخر، وبذلك يجنبون بلادهم المزيد من تدهور الاقتصاد الذي بات على شفا الانهيار بعد عقود من الفساد هو الآخر عاني منها الجزائر بسبب طول بقاء بوتفليقه في الحكم حتى أصبح عاجزاً عن أداء مهامه الرئاسية والتي تولاها شقيقه زعيم ما يسمى بالعصابة الجزائرية التي نهبت البلاد.
وأزمة الجزائر في الوقت الراهن تنحصر في تركيز قائد الجيش وأعضاء السلطة المؤقتة – الذين يمسكون بزمام الحكم منذ عزل بوتفليقه – على الاستمرار في الحكم بدلا من إعادة توجيه الاقتصاد وزيادة الإنتاجية وتوفير فرص عمل الشباب الذين يشكلون المورد الأهم في الجزائر، وإن لم يهتموا بالاقتصاد فالبلاد بلا شك متوجهة الى طريق مسدود. فالشباب الجزائري هو أول من قاد الحراك الشعبي للاطاحة ببوتفليقه وعلى السلطة المؤقتة توفير الفرصة له للمشاركة في الحياة السياسية بجانب سرعة الانتقال الى حكم ديمقراطي تجنباً لمزيد من الأزمات وعلي رأسها في الوقت الراهن محاولة قائد الجيش فرض انتخابات رئاسية على الشعب بدون تغيير المنظومة السياسية، الأمر الذي يتخوف منه السياسيون والشباب، حيث أن استمرار نفس المنظمة قد يفضي بنفس طبيعة النظام السابق و»كأنك يا أبو زيد ما غزيت». ولكن ثمة مشكلة أيضا يعاني منها الشباب الجزائري بعكس قوى الحرية والتغيير السودانية وهي أنهم لم ينجحوا في تشكيل مجموعة تنوب عنهم في الحوار مع السلطة الحاكمة في الوقت الراهن.
وإذا انتقلنا الى تونس، فالوضع السياسي هناك أقل سخونة، فهي أول بلد عربي شهد ثورة شعبية ناجحة اطاحت برئيسه وهو زين العابدين بن علي، وهي الثورة التي مهدت لبقية ثورات المنطقة ابتداء بمصر مرورًا بليبيا وسوريا واليمن وانتهاء بالسودان والجزائر، ولكن يكتب للشعب التونسي إنه أيضا صاحب الريادة في تجاوز آلام الماضي وسرعة التوصل الى حلول سياسية ناجحة وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية قادت الى هدوء سياسي تنعمت به تونس حتى وقتنا الراهن.. وهي بصدد انتخابات رئاسية جديدة منتصف سبتمبر الجاري، ولكن المشهد السياسي ضبابي في هذا الاستحقاق إذ يتنافس 26 مرشحًا على المنصب الأعلى بالبلاد وسط غياب معظمهم عن العمل السياسي الذي يؤهل صاحبه في العادة الى منصب سياسي بعيداً عن التعيين، وبالتالي لا يوجد في هذا المشهد اسمًا لامعاً يعول عليه التونسيون والتكالب علي التصويت لصالحه حتى وإن كان لحركة النهضة – الإخوان التونسية – مرشحاً هو عبد الفتاح مورو نائب رئيس الحركة ورئيس آخر برلمان، والذي تعول عليه الحركة ليكون رئيساً لتونس. ولكن مشكلة هذه الحملة أنها لم تشهد حتى تنافسا بين المرشحين إذ تفتقد الى شخصية كاريزمية مثل الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي والذي سبقه المنصف المرزوقي المفكر التونسي الكبير الذي سبق وأن وصفته مجلة فورين بوليسي الأمريكية بأنه أحد مائة شخصية عالمية. حتى يوسف الشاهد رئيس الوزراء الحالي الذي يعد أبرز المرشحين مع مورو لم يصل بعد لدرجة أن يكون بمثابة الحصان الأسود لتلك الانتخابات، ولكن واقع الحال يقول إن الشعب التونسي تمكن من خياره الديمقراطي وتحول الي الحكم المدني باقتدار بغض النظر عن المنتصر في الانتخابات المرتقبة.
خالد ابو أحمد
رحم الله الرجال الذين يعرفون مكانة السودان وادخله فسيح جناته
عليه رحمه الله انا لله و انا اليه راجعون
له والرحمه انشالله والمغفرة
علي شعب السودان ان يقرأ ويتمعن هذا المقال جيدا لناء كاتبه كان صاحب رياء صايبا ومختلفها ومصيرها.من إنسان يرا كل شي علي واقعه وحقيقته وعلي الشعب الجزايري ان يفعل ما قال المرحوم المستشار والخبير البحريني احمد المرشدواتمنا ان يصل هذا المقال الي السيد رايس جمهوريه السود ان السيد حمدوك. لنا بهي عبر كثيره وواضحة لمن لهو نظره في ماكتب
اللهم تقبله قبولا حسن واجعل مثواه جنتك وصحبته الصديقين والابرار عندك
له الرحمه و المغفرة