
استرعي انتباهي أولا بيان هيئة محامي دارفور حول ما حدث في مدينة نيالا من تجمع المهنيين هناك في إطار الترشيحات لمنصب والي جنوب دارفور مما رأته الهيئة ممارسة تستحق الإدانة. وثانيا ما رشح من أسماء لقيادات من قوي الحرية والتغيير (إبراهيم الشيخ-المؤتمر السوداني، تيسير النوراني-حزب البعث، أحمد التجمع الاتحادي) لمنصب والي الخرطوم أو حاكمها أوما يتفق عليه من تسمية. القاسم المشترك بينهما هو بروز قوى الحرية والتغيير أو أحزابها الأقل حجما تاريخيا في المنافسة على منصب الوالي.
وإذا كانت أيام الاعتصام المجيدة شيئا يقاس عليه الرأي حول مشاركة (ق ح ت) التي قادت الثورة في الحكومة الانتقالية وكل الأجهزة الانتقالية الأخرى كالولاة/ الحكام وحكوماتهم، فقد كان الرأي هو رفض مشاركتها وقد قبلت هي بذلك. قبلته حتىوإن كانت مكرهة، لأن تلك كانت هي رغبة الشارع يومها.
الشاهد هو أن أحزاب ق ح ت وافقت على عدم المشاركة في أي من الأجهزة التنفيذية للحكم الانتقالي لكنها قالت إنها ستكون المجلس التشريعي وستشارك فيه كجهة رقابية علىأداء الحكومة وأجهزتها. بعد وصول الدكتور حمدوك ومنذ تكوين المجلس السيادي لوحظ التدافر المحموم من قحت لإدخال بعض منسوبيها من الصف الثاني أو الثالث إلى الحكومة. وحتى قبل ذلك وبعد تكوين لجنة اختيار الوزراء والمدنيين للمجلس السيادي لاحظ بعض أعضاء اللجنة أن مكونات التحالف لم تمدهم بأسماء المرشحين قبل وقت كاف مما يشي بأن كل مكون يحتفظ بمرشحيه وهو ما حدث إذ أن قائمة المرشحين لم تظهر حتى قبل ثلاثة أيام من وصول حمدوك.
كل هذه المقدمة الطويلة كانت ضرورية لتعبيري عن خيبة الأمل التي اعترتني بل ربما كانت ملازمة لي منذ مدة حول فشل النخب السياسية في الترفع عن المكاسب الشخصية والحزبية قصيرة الأمد. وهو انتهاز فرص ضار إذا كان على حساب المصداقية السياسية التي يجب أن يبني عليها حزب سياسته المستقبلية أمام شباب الناخبين، وهم جيل الثورة الفاقد الثقة في الأجيال السابقة.
الدائرة الجهنمية المختلفة التي أراها هي دائرة عدم المصداقية السياسية التي تبدأ بخلف العهود البسيطة وتنتهي بكضب “كبار كبار” في برامج انتخابية القصد منها خم الناخبين تنتهي بفوز النواب الذين لا يراهم ناخبوهم إلا في دورة قادمة إذا عاشت الديمقراطية التي أتت بهم ولم يحدث إذ لم تترك حلتها لتنضج أبدا.
كنت أتمنى سلوكا سياسيا مختلفا حتى نكسر حلقة فشل هذه النخب وانكسارها أمام بريق السلطة. وإذا عابت هذه القوى خاصة اليسارية منها وتلك التي تنتمي إلى يسار الوسط “كنكشة” نخب الأحزاب التقليدية وقياداتها على مقاعد السلطة في أحزابها التي تمكنهم من كراسي الحكم أليس الأحرى بها ألا تتشبه بهم؟
هل هذا الفشل وقصر النظر السياسي في الترفع متوارث وهل هو إدمان كما قال منصور خالد؟
في من إذن يثق هذا الجيل الذي فجر هذه الثورة المجيدة والمدهشة بقيادة مبدعة من تجمع المهنيين وقوى الحرية والتغيير ككل. حدث هذا في “السودنة ” بعد مغادرة الاستعمار وكانت هي أس البلاء في كل المظالم التي تلت، حتى جاء يوم “الإنقاذ” بغباره وغطائه الديني وكذبه الصراح فأنكب على وظائف الدولة وإمكانياتها كلها كغنيمة. في اعتقادي إن الخاسر الأكبر من هذا السلوك هو حزب المؤتمر السوداني لأنه حزب وليد ذو قيادات شابه عالية التأهيل وأثبت منسوبوه وجودهم في الشارع منذ عدة سنوات وشرفوا سجون الإنقاذ ومحاكمها ولا تعوزهم شجاعة ولا رأي، وهو حزب مستقبلي لأنه حزب وسط يمكن أن يرث أو يستقطب عدد كبير ممن فقد الثقة في الأحزاب التاريخية وقياداتها. لقد اختط حزب المؤتمر لنفسه مسارا لم تعرفه الأحزاب السودانية الأخرى فيما يختص بتداول القيادة كل خمسة سنوات بمؤتمر عام وشفافية كاملة فلم الاستعجال؟ عليهم بعمران خان رئيس وزراء باكستان وأين كان قبل عشرين عاما.
صحيح من المهم أن يكون الوالي مسيسا لكن ليس بالضرورة أن يكون سياسيا. الأفضل هو وضع معايير للاختيار لأي منصب وإلى أوأي منصب آخر وتعلن المعايير ويتم الاختيار بالكفاءة وفق المعايير بشفافية ويتم لجم لجان قحت في الوزارات وفي كل مكان من الضغط على المسئولين بالشللية والحزبية.
د.صديق امبده