عودة التصعيد الثوري.. بـ”خيولها ومدرعاتها وجنودها.. السلطات تتحدث لغة “الدهس” !!

ا لجريدة : عبدالناصر الحاج
شهد شهر رمضان تظاهرتين كبيرتين نظمتها لجان المقاومة في الخرطوم وعدد من مدن السودان في يومي السادس من أبريل ذكرى الانتفاضة الشعبية، وفي 29 رمضان ذكرى مجزرة فض اعتصام القيادة العامة، ولم تخلو بقية أيام الشهر الفضيل من مظاهر الحراك الثوري والذي كرسته لجان المقاومة لإفطارات الجماهيرية في بيوت الشهداء، بالمقابل نشطت قيادات السلطة الحالية في المخاطبات السياسية خلال منصات الإفطارات الرمضانية، وهو ذات التوقيت الذي شهد أيضاً عودة لنشاطات “الإسلاميين” عبر منصات الإفطارات الجماعية في شهر رمضان، ومن جانب آخر كثفت الآلية الثلاثية (الأمم المتحدة، الاتحاد الأفريقي، الإيقاد) الدعوة للحوار بين جميع الأطراف بغية الخروج من الأزمة السياسية الحالية عبر انتاج تسوية سياسية متفق عليها بين جميع الأطراف.
المقاومة تعود
ما أن انقضى شهر رمضان، حتى عادت لجان المقاومة إلى رسم جداول حراكها الثوري الذي لم يستكين منذ انقلاب الـ25 من أكتوبر الماضي، وخرجت أولى مواكب لجان المقاومة في الخرطوم في الخامس من مايو الجاري وحُددت لها مساراً يتجه صوب القصر الجمهوري، وبالفعل عادت الحشود الكبيرة للثوار من جديد، وعلى الرغم من أن شهر رمضان منح فرصة هدنة كبيرة للسلطات الحكومية في لملمة أطرافها والتواصل مع جميع الأطراف وتوجيه خطاب سياسي أكثر مهادنة، إلا أن لجان المقاومة ظلت تتمسك برفضها لكل مشاريع التسوية السياسية التي تُبقي قادة الانقلاب العسكري في المشهد الانتقالي دون محاسبة على جريمة الأرواح التي تم زهقها خلال الستة أشهر الماضية فضلاً عن جريمة فض الاعتصام التي لا زالت تمثل أهم القضايا المركزية التي تُحرك الثوار . لكن بالمقابل عادت السلطات الأمنية لقمع المتظاهرين بصورة أكبر مما كان يتصوره جميع المواطنيين، حيث حشدت السلطات جنودها ومركباتها وظهرت خيول “السواري” لأول مرة في التظاهرات، وعمدت السلطات هذه المرة لتنويع أساليب القمع، حيث اعتمدت القوات الأمنية هذه المرة على استخدام وسيلة الدهس بالمركبات العسكرية في تفريق جموع المتظاهرين، وهو ذات الأمر الذي أدى لسقوط الشهيد مجتبى عبد السلام من لجان مقاومة الصحافة دهساً بعربة شرطة وثقتها كاميرات القنوات الفضائية ووسائل التواصل الاجتماعي، ومما أجبر رئاسة الشرطة لاستصدار بيان تؤكد فيه شروعها في تحقيقات حول ما أسمته “طيش” القيادة للمركبات الشرطية، وهو الأمر الذي رفضته لجان المقاومة وعدد من القوى السياسية واعتبرته محاولة أخرى للتنصل من مسؤولية القتل العمد الموثق بعدسات الكاميرات. وكانت تظاهرات الـ5 من مايو شهدت أيضا ظهور مجموعات ترتدي الزي المدني وتحاول قنص المتظاهرين بالمسدسات، ومما وجد استهجاناً كبيراً من قبل نشطاء منصات التواصل الاجتماعي، بعدها عادت لجان المقاومة على تأكيد رفضها لأية تسوية سياسية مع الانقلاب وأصدرت جداول حراكها الثوري لشهر مايو والذي يتوقع فيه النشطاء تصعيداً ثورياً كبيراً، خصوصاً في ظل تدهور الأوضاع الأمنية بشكل ملحوظ في العاصمة الخرطوم والسخط الشعبي الكبير الذي بات يواجه المنظومة الأمنية في تراخيها في حسم ظاهرة (تسعة طويلة) التي أضحت أهم مهددات أمن المواطن في العاصمة، فضلاً عن تدهور مريع في معاش الناس وانعدام الخدمات، مع وجود إرهاصات كبيرة بعودة فلول النظام المباد إلى الواجهة من جديد وكأن شيئاً لم يكن.
لغة الدهس
اعتبر الكثيرون حادثة استشهاد الثائر مجتبى عبد السلام دهساً بعربة الشرطة، عنواناً بارزاً في مستقبل أية مشاريع تدعو للتسوية أو الشراكة مع المكون العسكري، حيث زادت الطريقة التي مات بها الشاب مجتبى من وتيرة الغضب الثوري لدى لجان المقاومة وطيف واسع من المواطنيين، واشتعلت منصات التواصل الاجتماعي بهذه الحادثة، خصوصاً في ظل توثيق مباشر لها وعلى الهواء مباشرة، وتغيرت بالمقابل لغة كثير من المراقبين الذين كانوا يظنون أن التسوية اقتربت وأن السلطات لم يعد أمامها عقبة غير مجموعات محددة من لجان المقاومة، حيث ارتفعت الشروط للتسوية للدرجة التي بات يطالب فيها كثير من المراقبين بضرورة تنحي البرهان وحميدتي عن المشهد، وكذلك وجدت عودة فلول النظام المباد استهجاناً كبيراً من لدن دوائر داخلية وإقليمية وعالمية، وصدع الوفد العالمي الأخير الذي زار الخرطوم في خواتيم شهر رمضان بذلك صراحة في لقاءاته مع البرهان، واشترطوا دعم الفترة الانتقالية بقيام حكومة ذات مصداقية لا يرفضها الشارع، مع تلميحات بعدم عدم رضا المجتمع الدولي بعودة فلول النظام المباد إلى مفاصل الدولة تحت أي مُسمى. كثيرون وصفوا استخدام إسلوب الدهس للمتظاهرين في آخر موكب للجان المقاومة، بأنه يوضح بجلاء عدم استعداد العسكريين لتقديم أية تنازلات لحل الأزمة السودانية، وأنهم ماضين في خطتهم لسحق الثورة الشعبية وإفراغ الشوارع من مظاهر الحراك الثوري بأية إسلوب وبأية طريقة، بالمقابل جاهرت لجان المقاومة بتحديها للسلطة وأنها لن تتراجع عن مقاومة الانقلاب مهما كان الثمن، ومن جانب آخر تنشط القوى السياسية الرافضة للانقلاب في إحراز تقدم ملموس في تشكيل جبهة شعبية واسعة لرفض الانقلاب، بينما الخلافات بين قوى الثورة لا زالت تُشكل عائقاً أمام الاتفاق حول طبيعة الجبهة وميثاقها وقياداتها وممثليها.
الجريدة