الوجود الأمريكي الروسي ببورتسودان.. صراع النفوذ؟

تقرير: صلاح مختار
نظر البعض إلى وصول المدمرة الأميركية “يو إس غس ونستون تشرشل”، إلى ميناء بورتسودان غداة رسو فرقاطة عسكرية روسية فيه نوع من التسابق على المياه الإقليمية السودانية من جهة، وصراع لامتلاك مواقع نفوذ من جهة ثانية، ففي الوقت الذي تعتزم فيه موسكو إقامة قاعدة لوجستية بحرية، فإن الولايات المتحدة الأمريكية أرسلت سفينتين عسكريتين في غضون أسبوعين للسودان وهو ما عده المراقبون تنافساً وصراعاً سيكون موقعه السودان مستقبلاً، غير أن البعض يتخوف من وقوع الحكومة في أحضان محور من المحاور المتنافسة على البلاد، ونصحوا بألا تقع الحكومة في ذلك الشرك باعتبار أن الوقوع في ذلك سيفقد السودان الطرف الآخر، ولكن طالب البعض بشدة أن تستفيد الحكومة من تلك الأجواء لمصلحة البلاد السياسية والعسكرية والأمنية التي حرم منها في الأوقات السابقة.
سفن أمريكية:
ويأتي وصول المدمرة الأميركية إلى السودان بعد قيام واشنطن بشطب الخرطوم عن لائحة الدول الراعية للإرهاب في نهاية 2020. وقال القائم بأعمال سفارة الولايات المتحدة في السودان براين شوكان على تويتر، إن هذه السفينة “هي الثانية التي ترسو في السودان هذا الأسبوع”ـ مضيفاً أن ذلك “يدل على الدعم الأميركي للانتقال الديموقراطي في السودان”. وقال أحد صحافيي فرانس برس إن المدمرة الأميركية وصلت صباحاً وكان في استقبالها قائد البحرية السودانية وعدد من الدبلوماسيين الأميركيين. وكانت سفينة النقل السريع “يو إس إن إس كارسون سيتي” رست الأربعاء الماضي في بورتسودان، وكانت “أول سفينة تابعة للبحرية الأميركية تصل السودان منذ عقود” كما قالت السفارة الأميركية في الخرطوم في بيان. وفي الأسبوع الأخير من يناير الماضي زار الخرطوم السفير أندرو يونغ نائب قائد القيادة العسكرية الأميركية لأفريقيا “أفريكوم” وكان أعلى مسؤول عسكري أميركي يزور البلاد عقب شطب اسمها عن قائمة الدول الراعية للإرهاب.
فرقاطة روسية:
وتزامن وصول المدمرة الأميركية بعد أربع وعشرين ساعة على وصول الفرقاطة الروسية الأدميرال غريغوروفتش ” وهي السفينة الحربية الروسية الأولى التي تدخل ميناء بورتسودان”، وأكدت القوات المسلحة أن زيارة السفينة الروسية تأتي في إطار “الأنشطة المعتادة”. وقالت في بيان “تمت إجراءات الاستقبال حسب التقاليد البحرية العسكرية العالمية المتعارف عليها وحيا قائد السفينة كل الجهات التي شاركت في حفل الاستقبال بالميناء”. وأضافت “تعتبر زيارة السفينة الروسية واحدة من النشاطات المعتادة في العلاقات الدبلوماسية بين القوي البحرية العالمية وكتقليد متبع بين الجيوش”.
وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أعطى موافقته في نوفمبر الماضي على إنشاء قاعدة بحرية روسية في السودان قادرة على استيعاب سفن تعمل بالطاقة النووية.
تنافس حميد:
واستبعد مدير مركز الدراسات الدولية والخبير الأمني حنفي عبد الله، أن تقيم روسيا قاعدة في السودان وإنما مركزاً لوجستياً، وأكد في حديث لقناة الجزيرة، ان الاتفاق العسكري بين الدولتين لم يوقع حتى الآن، أما ما يختص بوصول البارجة الأمريكية إلى السواحل السودانية، قال: بين أمريكا والسودان اتفاقيات عسكرية موقعة، مشيراً إلى زيارة قائد أفريكوم إلى الخرطوم مؤخراً، ونوه إلى أن القاعدة التحتية أو البنية العسكرية في السودان هي أمريكية الصنع مما يسهل عملية التبادل أو التعاون في المجال العسكري، ورحب بالتعاون العسكري مع السودان سواء مع روسيا أو الولايات المتحدة لما فيه خير السودان، وقال: خلال الفترة السابقة انقطع السودان عن الدخول في مثل ذلك التعاون مع المجتمع الدولي. مشيراً إلى موقع السودان وأهمية البحر الأحمر.
أهمية استراتيجية:
ولكن الناطق السابق للقوات المسلحة العميد ركن الصوارمي خالد سعد، أكد على أهمية البحر الأحمر بالنسبة لروسيا والولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها نقطة عبور للسفن الأمريكية أو الروسية، ويقول الصوارمي لـ(الصيحة)، إن البحر الأحمر يمثل أهمية إستراتيجية لأمريكا ونقطة عبور لسفنها وأنها أي أمريكا لديها قواعد منتشرة في العالم، وفي البحر الأحمر، ولذلك تحتاج بشدة أن تصبح لديها قاعدة في السودان.
أما روسيا فقد سعت إلى الحكومة السابقة أن تكون لديها قاعدة في السودان، وأن الحكومة السابقة أعطت موافقة مبدئية على ذلك، ولكن لم تبرم أي اتفاق على إنشاء القاعدة الروسية، بالتالي عندما شعرت أمريكا بما تسعى إليه روسيا في السودان وأن الحكومة السودانية شرعت في تحديد المكان بالبحر الأحمر كثفت تعاونها العسكري مع الخرطوم كي تبعد النفوذ الروسي من التمدد في السودان، وهو ما يشعر به البعض من وجود تنافس بين الدولتين في السودان من خلال وصول السفن الحربية .
غير أن الصوارمي يرى أن وصول السفن الحربية إلى الموانئ السودانية لا يعنى أنها تريد قيام أو انشاء قواعد عسكرية وإنما من أجل عمل اجتماعي تبادلي تدريبي وتبادل للخبرات ولا يقصد منه قيام قاعدة عسكرية كذلك يعتبر نوعاً من أنواع التقارب الذي يمكن أن يقود للتعاون ينتج في محصلته إنشاء قواعد عسكرية .
الحرب الباردة:
تخوف البعض من وصول السفن العسكرية في توقيت واحد للموانئ السودانية، ويرى البعض أنها ليست صدفة وصولها مما وضعها في خانة التنافس والصراع على السودان، ويقول الخبير الإستراتيجي والمحلل العسكري الفريق ركن محمد بشير سليمان: من الواضح أن هنالك صراعا قوياً بين دول كبرى على السودان، مما يؤكد هنا أهمية الموقع الجيواستراتيجي للسودان، باعتبار أن البحر الأحمر يمثل شريان الحياة للتجارة العالمية والبترول ويربط ببحر العرب امتداداً بخط التجارة العالمية إلى آسيا وأستراليا وإلى أروبا وحتى أمريكا. ولذلك يمثل البحر الأحمر أهمية كبرى باعتباره قلب العالم، ولذلك يلاحظ التنافس على المنطقة من خلال الحرب الباردة في السابق بين الاتحاد السوفيتي وأمريكا للحصول على الموقع.
غير أنه قال إن السودان غير قادر أن يستفيد من ذلك الذي يعتبر بعداً اقتصادياً وأمنياً، وأضاف أن الدولة السودانية ليست قادرة أن تحقق المصلحة الوطنية السياسية والاقتصادية لصالح الدولة .
سياسة المحاور:
وقال سليمان إن روسيا تبحث عن المياه الدافئة لأنها بعيدة عنها، ولذلك تسعى للتمدد تجاه المياه الدافئة عبر كل الدول المطلة على البحر الأحمر أو على البحار مثل الهند أو باكستان أو السودان الذي يمثل موقعه أكثر أهمية لها، أما أمريكا كذلك تبحث عن مصالحها وتحقيق أمنها القومي وأمن إسرائيل باعتبار أن وجودها يصب في أمنها القومي، مشيرًا إلى أن بعض الدول في الشرق الأوسط تعمل على قيام شرق أوسط جديد، كذلك روسيا نظرتها للأمر نظرة اقتصادية لعبور البترول شرقاً وغرباً بالتالي هي تبحث عن موطئ قدم في السودان. كذلك وصول السفن العسكرية ينظر له البعض في إطار زيادة الصراع على الموارد البكر في السودان، بالتالي يظل الصراع، ولكن كيف يستفيد السودان من ذلك في تحقيق أمنه القومي واستقراره، بحيث أن الحكومات السابقة فشلت في ذلك، وأن الدولة يجب أن تبحث عن ركائز للاهتمام بها واستكمال نهضة كل الدولة.
وقال سليمان: أحذر الدولة السودانية من السير تجاه محور واحد على حساب المحاور الأخرى ودعا الدولة إلى عدم المضي في سياسة المحاور السياسية، وقال: يجب أن لا تميل إلى أمريكا وتخسر روسيا، كذلك لا تميل إلى روسيا حتى لا تخسر أمريكا وحتى لا نصبح في النهاية نحرث في البحر. وشدد على أهمية البحث عن مصالحنا الوطنية أولاً والمصالح الإستراتيجية في كيفية استغلال الموقع والخروج بنتائج دون أن نفقد أي طرف من الأطراف.
تسابق قوى:
وأشار محلل عسكري إلى أن وصول الفرقاطة الروسية والمدمرة الأميركية في وقت واحد هو “شكل من التسابق بين القوتين العسكريتين الأميركية والروسية”. وقال سليمان فقراي لفرانس برس “هذا الوصول المتزامن يشير إلى أهمية السواحل السودانية على البحر الأحمر، لذا نجد أن كلاً من الدولتين تسعى إلى الوصول إليها”..
الصيحة