الانقلاب الفاشل ونظرية النوافذ المحطمة

أسامة ضي النعيم محمد
من لا يشكر العباد لا يشكر رب العباد ، شكرا علي عجيبة عصرنا هذا ، وأعني بها الحاج قوقل ، بكبسة زر يأتيك بالعلوم والمعارف التي لم تصرف ( تعريفة) لتعلمها ، هو حالي مع الشيخ قوقل ، فنظرية النوافذ المحطمة لفت نظري اليها صديقي بروفسور مقبول محمد علي مقبول – متعه الله بالصحة والعافية- ونسأل الله أن يسعده في مقر اقامته بأمريكا.
بالرجوع الي ما دونه الشيخ قوقل ، فنظرية النوافذ المحطمة هي نظرية قام بوضعها الاستاذان في علم الجريمة جيمس ويلسون وجورج كلينج في عام 1982م ، النظرية ترتكز علي تعريف بسيط وهو أن النار من مستصغر الشرر، وان صغائر الامور الخاطئة تؤدي الي الجرائم أيا كان دافعها. يمكن اختصار النظرية علي الشكل التالي : اذا قام شخص ما بتحطيم نافذة زجاجية علي الطريق ، ولم يتم اصلاح هذه النافذة الزجاجية ، فسيبدأ المارة في الاعتقاد بأن لا أحد يهتم ، لذلك لا أحد يتحكم في الاشياء ، وستكسر النوافذ الاخري من الزجاج . بنفس المنوال ستبدأ الفوضي بالانتشار الي المنزل المقابل للنافذة ، من النافذة الي الشارع ، ومنه الي المجتمع بأسره.
الانقلاب الفاشل هو نافذتنا التي حطمها العقيد شقي سلاح المدرعات كما في فعل شقي ثمود ، العالم أجمع في انتظار ردة الفعل الرسمي علي الجرم الذي قام به ذلك الشقي وعصبته ، هل ستلجمه وأعوانه محاكم تحترم الوقت أم سننتظر تكوين المحكمة الدستورية ، التي بدورها في انتظار التئام المجلس التشريعي ، هو الاخر رهين باكتمال ترشيحات المكونات السياسية ، التي تنتظر اجماع بينها علي كلمة سواء للعبور بالسودان الي حيث صندوق الانتخابات.
الانقلاب الفاشل موضوع الساعة يستدعي عندي نداء الراعي الكذوب في القصة الاشهر ، هجم النمر- هجم النمر ثم يضحك الراعي علي أهله جزلا بكذبته التي انطلت علي أهل قريته، ربما لا يحتاج الراعي الي تكرار الكذبة اذ ربما يرسل قائد الانقلاب تسجيلا للمارشات العسكرية يبثه من تلفزيون السودان بطريقة أو بأخري في المحاولة الانقلابية القادمة .
عندما لا يهتم أحد بسرعة اكتمال بناء مؤسسات الدولة التي تسمح بمعاقبة من يحطمون النوافذ ، ستضرب الفوضي أكثر وبعمق ، تطبيق نظرية النوافذ المحطمة اسقطناها علي واقعنا يوم بدأنا بترك القمامة في الشوارع أو عند مداخل بيوت الجيران ، تربي النشء طوال ثلاثين عاما علي ذلك الوضع ، القمامة مرقدها مداخل بيوت الجيران أو ترمي لتسد قنوات تصريف مياه الأمطار. أذكر جيدا حتي الي ستينيات القرن الماضي كان سوق الخضروات و( الجزارة) في معظم مدن السودان تغسل طاولاتها وأرضياتها بالماء والصابون بعد المغرب وكان ذلك من مهام السلطات البلدية ، ثم دخلت نظرية النوافذ المحطمة وأضحت القمامة ومخلفات الذبيح تترك في ذات السوق هو القاعدة. لماذا نذهب بعيدا في تطبيقات نظرية النوافذ المحطمة والآن تعيش بيننا عصابات ( النيقرز) و( تسعة طويلة) والنسخة الاحدث التي تنتزع المخططات السكنية من المواطنين في أطراف العاصمة وتوزعها علي نظام الحواكير بين أفرادها ، صار الامر عاديا لان السلطان لم يعد يهتم بإصلاح الطريق لسير البغلة اذا تعثرت في الفاشر أو الجنينة أو حتي عند ( كولمبيا ) في الخرطوم .
تسير بيننا نظرية النوافذ المحطمة ولا ينجو منها مجلس الحكم الرئاسي ، من اخترناهم للحكم في ذلك المجلس الاعلي يبرعون في تطبيق النظرية ، يقسمون الوليد السوداني بينهم الي عسكريين ومدنيين ، يتبادلون رمي القمامة أمام دور بعضهم البعض ، حقيقة وجود 82% من موارد الدولة خارج ولاية وزارة المالية يقابلها دفاع المكون العسكري بأن الحكومة المدنية لا تهتم بمعاش الناس ، وتوفير المعاش من وقود ودواء طبعا يحتاج الي عملات صعبة من حصائل صادر الذهب واللحوم ، تسيطر شركات الامن علي تلك الصادرات وتحجز حصائلها في خارج البلاد، ثم اصرار المكون العسكري علي اختيار وتعيين وزيري الداخلية والدفاع يقابله انفراط عقد الامن وتنامي ظاهرة الجرائم داخل المدن والي تزايد نشاط الحركات المسلحة بدارفور وإغلاق ميناء السودان في شرق البلاد.
مهلا – مهلا ، جاءك الموت يا تارك الصلاة ، فللشعب السوداني رب يحميه كما حمي العزيز الجبار بيته الحرام من أبرهة وفيله العملاق ، الانقلاب الفاشل أرسل اشارة الي أمريكا والعالم الخارجي لإعادة العقوبات الدولية علي السودان ، المبرر انفراط عقد الامن حتي داخل منظومة القوات المسلحة ، فكيف تحمي القوات المسلحة أهل المعسكرات في دارفور وهي عاجزة عن حماية سلاح المدرعات في قلب الخرطوم وتحصينه من المغامرين ، التحية للكنداكة السودانية التي ارسلها الرئيس بايدن في مساء (21/09) يوم الانقلاب لها ما بعدها وقد جاءت من منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة.



