أخبار السودان

اتفاق السلام : ما أشبه الليلة بالبارحة.. البشير لم يدع الإعلام لمناقشة الاتفاق وتحليله بحرية تامة وبعقلانية..وجهاز الأمن فهم رسالة البشير.

عثمان ميرغني

في خطابه الذي ألقاه بعد مراسم توقيع اتفاق السلام الأخير مع جنوب السودان، دعا الرئيس السوداني عمر البشير وسائل الإعلام إلى تأييد الاتفاق ودعمه. كثيرون استغربوا أن يخصص البشير جزءا من خطابه القصير لمخاطبة وسائل الإعلام ومطالبتها بدعم الاتفاق، وكأن الإعلام هو المسؤول عن التنفيذ أو أنه الجهة التي عليها يتوقف إنجاح أو إفشال الاتفاق الذي جاء أصلا منقوصا يحمل في طياته بذور مشاكل تهدد بعرقلته، إن لم يكن بنسفه تماما، مثلما حدث مع كل الاتفاقات السابقة التي تمت بين الطرفين منذ اتفاقية السلام الشامل الموقعة عام 2005، والتي قادت إلى الانفصال لكنها لم تحقق الاستقرار المنشود أو السلام الموعود. والنظام السوداني اعتاد في كل الأحوال التصرف في الاتفاقات بخصوص الجنوب منفردا من دون أن يكترث لرأي القوى السياسية الأخرى، وأشرف أيضا وحده على انفصال الجنوب لأسباب كتب وقيل عنها الكثير، علما بأن الانفصال كان أهم وأخطر حدث في تاريخ السودان منذ استقلاله، وكان يفترض أن يخضع للنقاش والتفاوض بمشاركة كل القوى السياسية، وأن يستفتى أهل الشمال أيضا في مصير بلدهم بدلا من أن تقرر الجبهة الإسلامية ونظامها نيابة عنهم وتتخذ قرارها لأسباب آيديولوجية ومصلحية ضربت عرض الحائط بمصلحة الوطن ومصيره.

واستمرارا لهذا النهج، فإن البشير لم يدع الإعلام لمناقشة الاتفاق وتحليله بحرية تامة وبعقلانية كما يفترض أن يكون دوره، بل طالبه بدعمه من غير نقاش بالطبع. والواقع أنه بدا وكأنه يطالب الإعلام بالامتناع عن إبداء أي معارضة أو نقد له، لكنه لم يستطع أن يضع الأمر بهذه الصيغة التي كانت ستفضح أمام العالم ادعاءات النظام السوداني بأنه لا يمارس رقابة أو ضغوطا على الإعلام، علما بأن الأمن السوداني لم يتوقف عن مراقبة الصحف وعن مصادرتها من المطابع أحيانا، كما لم يتورع عن ملاحقة الإعلاميين أو اعتقالهم ومنع بعضهم من الكتابة.

في كل الأحوال فهم الأمن السوداني رسالة البشير، وقبل أن يجف المداد الذي وقعت به الاتفاقيات في أديس أبابا، كانت الرقابة تشدد على وسائل الإعلام في الخرطوم، وغابت مقالات بعض الكتاب، بل كممت أفواه بعض من سمح لهم النظام في السابق بالتطبيل لانفصال الجنوب، وبالدعوة لغزو جوبا، والتهليل للحرب. فالبشير لا يريد من وسائل الإعلام أن تفهم الاتفاق وتحلله لكي تشرح للرأي العام محاسنه أو مساوئه، جدواه أو أوجه قصوره، بل يريد منها أن تطبل له بغض النظر عن أي تحفظات أو مخاوف، فهذا هو فهم نظام الإنقاذ لدور الإعلام، ومدى ثقته في الاتفاق الجزئي الذي وقعه للخروج من ورطته الاقتصادية التي أوقع نفسه فيها عندما دخل في حرب اقتصادية ونفطية مع الجنوب لإجباره على قبول شروطه لتصدير النفط عبر أنابيب الشمال، لكنه خسر رهانه عندما أوقف الجنوب صادراته النفطية وأغلق آباره، لتبدأ لعبة عض الأصابع بين الطرفين.

مشكلة الاتفاق الأخير بين الخرطوم وجوبا لن تكون في وسائل الإعلام، بل في ثنايا وثائق الاتفاقيات وفي غياب الثقة بين الطرفين، والأهم من ذلك في ترك بعض أهم القضايا من دون حل. فهذه المسائل العالقة هي التي عرقلت أو أفشلت كل الاتفاقات السابقة بين الطرفين وقادت إلى مواجهات عسكرية بينهما، وهي المشاكل ذاتها التي حالت دون التوصل إلى اتفاق شامل وليس جزئيا في أديس أبابا قبل أيام. وهناك ما يشبه الإجماع على أن الطرفين وقعا اتفاق أديس أبابا الأخير تحت الضغط الاقتصادي الداخلي، والدبلوماسي الخارجي، وخصوصا مع التهديد بوضع الأمر أمام مجلس الأمن الدولي وصدور قرارات ضدهما. هذا الضغط ربما قاد الطرفين إلى القبول بتوقيع اتفاق جزئي، بدلا من مواصلة المفاوضات حتى التوصل إلى حل شامل لكل المشاكل والملفات، بما يمنع عودة الأزمات والمواجهات من جديد مثلما حدث في المرات السابقة.

النفط ربما كان وقود المواجهات الأخيرة بين الطرفين، خصوصا أن الشمال فقد ما يزيد على خمسة وسبعين في المائة من موارده التي ذهبت إلى الجنوب، وكان يعول على تحصيل مبالغ كبيرة من استمرار ضخ النفط الجنوبي عبر أنابيب الشمال لسد العجز الكبير في ميزانيته، وهو الأمر الذي لم يتحقق بعد رفض جوبا دفع رسوم الشحن والعبور التي حددتها الخرطوم. ورغم أن الحكومة السودانية حاولت الإيحاء بأنها حصلت على الكثير من مطالبها لنقل النفط الجنوبي عبر أنابيبها، فإن قراءة تفاصيل الاتفاق الذي تم التوصل إليه ونشر في جوبا، تشير إلى أنها قبلت بنسبة قريبة مما رفضته في السابق، مما يعكس حجم الضغط الناجم عن الأزمة الاقتصادية التي تواجهها والتي أدت إلى اندلاع سلسلة من المظاهرات الاحتجاجية في عدد من المدن منذ بداية العام الحالي، وخصوصا خلال الصيف الماضي.

الجنوب أيضا عانى من تبعات وقف صادراته النفطية، واعترف رئيسه سلفا كير بذلك في عدة مناسبات، لذلك فإنه كان يريد اتفاقا يسمح له بعودة تصدير النفط عبر أنابيب الشمال رغم كل التهديدات بإيجاد منافذ جديدة عبر دول أخرى. فبناء خط جديد لأنابيب النفط يمتد من حقول الإنتاج في الجنوب إلى موانئ تصدير في شرق أفريقيا سيستغرق سنوات وسيكلف مليارات الدولارات، وقد يصبح أمرا بلا جدوى اقتصادية حقيقية. من هنا فإن عددا من المراقبين والمحللين الغربيين اعتبروا الاتفاق الأخير بمثابة محاولة من الخرطوم وجوبا للخروج من الأزمة الاقتصادية الضاغطة، ولتخفيف الضغوط الدبلوماسية الدولية عليهما، أكثر مما هو محاولة حقيقية لحل كل أسباب النزاعات والمشاكل التي ظللت العلاقات بينهما منذ اتفاقية السلام الشامل قبل سبع سنوات، وخصوصا منذ إتمام الانفصال.

ما يحتاجه الشمال والجنوب ليس اتفاقا نفطيا وقتيا تحت ضغط المشاكل الاقتصادية، بل حلول لكل المشاكل والقضايا الأخرى العالقة من ترسيم الحدود إلى مستقبل أبيي، ومن مشكلة جنوب كردفان والنيل الأزرق إلى قضية غياب الثقة وحروب الوكالة بين الطرفين. من دون ذلك ستستمر دوامة الشكوك والحروب، وستتكرر الإخفاقات التي أحبطت كل الاتفاقات السابقة وأبقت السودان في دائرة المعاناة والمواجهات الداخلية.

[email][email protected][/email]

الشرق التوسط

تعليق واحد

  1. الخوف كل الخوف يا أستاذ عثمان ميرغني بأن عائدات النفط هذه تذهب لشراء الأسلحة لمواجهة بعضهما البعض وذلك لإنعدام الثقة بينها أي الشمال والجنوب ، ولكن إذا عادة عائدات النفط هذه لرفاهية الشعوب فهذا الذي نتمناه ولاحقاً يمكن أن تنقاش بقية مناطق الصراع الحدودية

  2. يا أستاذ عثمان ميرغنى

    الرسالةواضحة..وهى ليست لوسائل الإعلام كافة..هى موجهة بصفة أحادية لصحافة الخال الرئاسى ومنبره (التياسى)( مقتبسةمن إسم تيس) لتهدئة اللعب وعدموصفه للحكومة بالإنبطاح والإنبراش والخوف من أمريكاوكداحتى لاينفرط العقد وتشمت المعارضة

  3. كل من يدعم الإتفاق إعلاميا دون أن يغوص فى تفاصيله يتحمل وزر عيوبه البائنة والملتبسة خاصة ما يتعلق بدارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان وما الهجوم على على جيمس قاى إلا بداية المؤشر

  4. اتفاق مفلس مع مفلس وجعان ومش حيتفقو ودى حركات جيش ساى وبين السطور فى مئة مشكلة والعائد المادى محول على لندن للجنوبين وللشمالين على ماليزيا ودبى وأنسى ديل ناسك وانت عارفهم. اكثر مننا

  5. حكومة الاتفاقيات الفاشله أولا اتفاقية الخرطوم للسلام واتفاقية ابوجا واحد واتفاية ابوجا اثنين واتفاقية نيفاشا واتفاقية اديس اببا واحد واثنين وثلاثه واربعه وووووو كل هذه الاتفاقيات لم يطبق منها الا بند واحد وهو انفصال الجنوب وهذا اسوأ بند في كل هذه الاتفاقيات لانه يضر بكل شبر من هذا الوطن

  6. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،
    أولاً نشكر لكم إهتمامكم بالشأن السوداني ، ونفيدكم بأننا من المتابعين لكتاباتكم في صحيفة الشرق الأوسط وخاصة عندما يكون الموضوع عن السودان ، أولاً اود ان اطرح هذا السؤال (هل زرت السودان من قبل ؟؟؟؟ ) وأرجو الاجابة واذا كان الجواب نعم (كم عدد المرات التي زرت فيها السودان ؟؟؟؟) ، لأنني ألحظ ان كتاباتك مأخوذة من الجهات (المعارضة للحكومة فقط) وأرجو أن تسجل زيارة خاطفة للسودان بعد التحول الذي حصل رغم الحروب ورغم الحصار المفروض !!! عزيزي ميرغني هذه دعوة مني حتي لا تعتمد في كتاباتك على الاقلام التي تكره النظام القائم وتمارس (عملية النظر الى الجزء الفارغ من الكوب).
    على كل حال إن جريدة الشرق الاوسط لا تهتم بشئون السودان بصورة محايدة وحتى الاتفاق الاخير الذي يعتبر حقن للدماء في السودان لن يجد الاهتمام الكافي من الصحيفة بل ذهبت الي عقد لقاءات مع الحركات المتمردة مثل اللقاء مع المتمرد (أركو مني مناوي) الذي كان في يوم من الايام مساعداً لرئيس الجمهورية .
    أخي عثمان رجائي وأملي أن تتوقف صحيفة الشرق الاوسط عن الكتابات التي تثير الفتن لدى السودان لأن شعب السودان واعي جداً ، وأرجو من المراسلين الحصول على بنود الاتفاقية وعرضها ومناقشتها بصورة واسعة بما لديها من إيجابيات أو سلبيات وعقد لقاءات من الرموز الوطنية بدل اللقاءات مع الذين يحملون السلاح والذين يعيشون في الفنادق خارج السودان وهم لا يعرفون شئياً عن السودان ، كما أن هنالك علماء في السودان وانت تعرفهم جيدأ (وهكذا حال السياسة) .

  7. بالغت يا البشير كدا انت بقيت ولد عاق لخالك واشمت به الاعداء

    بعد الكواريك بتاعتو والتيران الاضبحت وبحور الاحبار التي اريقت على صفحات صحيفته

    تجي تديهو ماسوره 40 بوصة. مددددددددد يا شيخنا وامير المؤمنين البشير تلحقنا وتنجدنا

    من خالك العامل فيها سوداني لكن هو حلبي اصلي . وكدا كدا يا الترله قاطرا شيخنا اوباما

  8. … يا أخ المواطن المنسي الاستاذ عثمان ميرغني “الشرق الأوسط” ليس هو عثمان ميرغني بتاع التيار (عليها رحمة الله) الذي طبل كثيرا للجماعة ثم تاب عن ذلك وعوقب بإيقاف صحيفته.
    أما الاتفاق شخصيا لن أسعد به ولن يرضيني ويسعدني الا خروج العصابة عن الحكم وماذا سنستفيد من رسوم عبور البترول، وماذا استفاد الشعب السوداني من البترول في عضمو عندما كان متدفق وجاري زي النيل عشان يستفيد من حفنة من الدولارات، طارت بها الجماعة فرحا حتى تلهف كما لهفت من قبلها أموال…

  9. رد علي المدعي ابو مصطفي واتمني ان تكون الخبيث مصطفي كيف تدعي السودانوية وانت من اصول حبشية لم تمارس العمل السياسي او تتحدث في اي شئان عام بعد بلوغك من العمر عتية يعني بعد بلغت الخمسة وخمسين سنة سن اليأس عديل واما اخوان الشواطين الهم حولينا ولا علينا ونعوز بك من الخبث والخباس اترك الشعب السوداني في حالو لان يوم الحساب قرب

  10. هذا الذي سيحدث في الغالب الاعم في الشمال اما في الجنوب فسوف يحولها العصابة وعلي راسها سلفا كيير الي البنوك الغربية.

  11. يمكن القول ودون مواربة ان الاتفاق الذى تم فى اديس ابابا لم يتم من اجل مصلحة الشعبين وليس من اجل العمل على تثبيت دعائم السلام بين الطرفين ، هذا الاتفاق تم لضمان استمرار النظامين فى الحكم وذلك من خلال توفير الموارد المادية لهم ، لقد ضربت الازمة الاقتصادية او لنقل الانهيار الاقتصادى الجانبين واصبحا قاب قوسين او ادنى من الرحيل بفعل التململ الشعبى وشبح الانتفاضة الشعبية خاصة لدينا فى الشمال لذلك كان لابد من انقاذ النظامين من الانهيار ، بالنسبة لعصابة الكيزان فان هذا الاتفاق يمثل لها طوق النجاة مما هو قادم عليها ، ولقد سعى الغرب وخاصة الولايات المتحدة الى ايجاد القليل من الموارد الاقتصادية والتى يوفرها هذا الاتفاق لكى تضمن عدم سقوط النظام السياسى والاقتصادى حتى يتسنى له استكمال المطلوبات منه ، هذا الاتفاق يقوم فى الاساس على الشق الاقتصادى اما بقية القضايا فلابد ان تظل معلقة ككروت يتم استخدامها مستقبلا لتنفيذ اجندات اخرى ، وعلى هذا الاساس ضمن نظام البشير استمراريته لفترة اخرى ، هل لاحظتم تعليقات المفاوضين الذين تحدثوا عقب توقيع الاتفاق عن انه يوفر حوالى 200 مليون دولار شهريا وهى كافية حسب تعبيرهم لدعم ميزانية الدولة ومن ثم اخذوا يبشرون بذلك لتطمئن الشعب السودانى بان هذا الاتفاق يعتبر جيد بحسب تصريحاتهم ، المهم بالنسبة لهم ضمان الموارد التى توفر لهم الصرف الدستورى والصرف على الاجهزة الامنية التى توفر لهم الحماية وتامين النظام ، اما ان توظف هذة الموارد لانعاش الاقتصاد المنهار وتنفيذ برامج تنموية حقيقية تساعد على تخفيف الضغوط الاقتصادى عن المواطنين فهذة تصبح مجرد احلام وشعارت ظلت تلوكها العصابة الكيزانية ، وقد عبر عن هذة الحقيقة الكاريكاتير المنشور اليوم على الصفحة الاولى لصحيفة الجريدة والذى صور الحكومة على لسان متحدث منها يقول الاتى (لازم ترجعوا البترول باى طريقة ياخ اكلنا بقى (قروض) سااااى )

  12. والله اخشى ما اخشاه ان نصبح يوما من الازمان ان نصبح ثم لا نجد ان هنالك سودا) بعد ان يرمي الله الديان في مزبلة التأريخ الكيزان

  13. (((
    ما يحتاجه الشمال والجنوب ليس اتفاقا نفطيا وقتيا تحت ضغط المشاكل الاقتصادية، بل حلول لكل المشاكل والقضايا الأخرى العالقة من ترسيم الحدود إلى مستقبل أبيي، ومن مشكلة جنوب كردفان والنيل الأزرق إلى قضية غياب الثقة وحروب الوكالة بين الطرفين. من دون ذلك ستستمر دوامة الشكوك والحروب، وستتكرر الإخفاقات التي أحبطت كل الاتفاقات السابقة وأبقت السودان في دائرة المعاناة والمواجهات الداخلية.)))

    الزبدة هنا يا عثمان ميرغني لكن ؟؟؟
    منو البيقنع الديك ؟؟؟

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..